الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شتاء قاس في أوروبا وفرصة لا تعوض لآسيا.. الحرب والركود في القارة العجوز يربكان موازين اقتصادات العالم.. ونمور الشرق تتهيأ لقطف الثمار

الركود في أوروبا
الركود في أوروبا

بات من الواضح لمعظم خبراء الاقتصاد أن أوروبا مقبلة على شتاء قاس وموجة من السخط العام، إذ يواصل التضخم صعوده الجامح في منطقة اليورو، فيما أثقل ارتفاع أسعار الطاقة كاهل الأسر ورجال الأعمال إلى درجة الألم، ولا تزال الأوضاع تتجه إلى الأسوأ.

أوروبا على حافة الركود والانكماش

ويتوقع بنك جي بي مورجان تشيس أن ينكمش اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 2٪ خلال الربع الرابع من العام الجاري، بينما ذكرت مجلة الإيكونوميست ذلك في مقال الأسبوع الماضي بعنوان "الركود قادم".

وبحسب إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية تراقب دول جنوب شرق آسيا، والتي تعتبر معظمها الاتحاد الأوروبي شريكها التجاري الأول، تباطؤ النمو في منطقة اليورو بمزيج من التخوف وترقب الفرص.

وقالت تامارا هندرسون، الخبيرة الاقتصادية في مؤسسة "بلومبرج إيكونوميكس" والمتخصصة في منطقة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إن الركود الأوروبي سيؤثر بشكل أساسي على صادرات البضائع والسياحة والاستثمار في جنوب شرق آسيا، وأشارت إلى أن "كل هذه الأمور من المرجح أن تكون أضعف في جنوب شرق آسيا في النصف الثاني من عام 2022".

الاتحاد الأوروبي شريك تجاري رئيسي لجنوب شرق آسيا

وصدرت دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، سلعًا تبلغ قيمتها نحو 136 مليار يورو (136.8 مليار دولار) إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2021، مقارنة بـ 120 مليار يورو في العام السابق، وفقًا لبيانات الاتحاد الأوروبي. واستحوذت دول الاتحاد الأوروبي على حوالي 15٪ من إجمالي الاستثمار الداخلي في منطقة آسيان العام الماضي، وفقًا لإحصاءات الآسيان.

وشكل السياح الأوروبيون 5٪ فقط من جميع زوار كتلة الآسيان في عام 2019، قبل جائحة كورونا. لكن المحللين يقولون إن السياح الأوروبيين يميلون إلى أن يكونوا أكثر إنفاقا من السياح من دول جنوب شرق آسيا الأخرى أو من الصين، الذين يشكلون الجزء الأكبر من حركة السياحة في المنطقة.

وبينما تحاول البلدان المعتمدة على السياحة في منطقة جنوب شرق آسيا إعادة هذا القطاع وتشغيله، سيكون مجيء السياح الأوروبيون هذا الشتاء ضروريا أكثر من أي وقت مضى.

وفي شهر مارس الماضي، حذر بنك مايبانك الماليزي في تقرير من أن اتساع نطاق الحرب الأوكرانية التي تسببت في ركود على مستوى أوروبا سيكون له "أضرار جانبية على الآسيان".

وخفض صندوق النقد الدولي بالفعل توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2022 من 3.6٪ إلى 3.2٪، وإلى 2.9٪ لعام 2023. وفي يوليو، راجع بنك التنمية الآسيوي توقعاته الخاصة بدول آسيا النامية، والتي تشمل معظم جنوب شرق آسيا، وخفض توقعاته لمتوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة من 5.2٪ إلى 4.6٪ لعام 2022 ومن 5.3٪ إلى 5.2٪ لعام 2023.

ويشير جيمس فيلافويرت، كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي، إلى أن التأثير سيختلف بشكل كبير حسب البلد، فعلى سبيل المثال اشترى الاتحاد الأوروبي 20% من صادرات كمبوديا العام الماضي بينما اشترى 9٪ فقط من صادرات إندونيسيا، وفقًا لبيانات الاتحاد الأوروبي.

ويشتري الاتحاد الأوروبي حوالي 11٪ من إجمالي صادرات فيتنام وحوالي عُشر إجمالي صادرات ماليزيا. وارتفعت الصادرات الفيتنامية إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 45٪ في النصف الأول من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، وفقًا لبيانات الحكومة الفيتنامية.

صفعة ثقيلة في أوروبا وألم خفيف في جنوب شرق آسيا

نقلت "دويتشه فيله" عن محللين أن الركود الأوروبي لن يدفع اقتصادات جنوب شرق آسيا إلى الانهيار، ولكنه بالتأكيد سيؤثر على الصناعات الرئيسية، خاصةً أنها حاليًا في منحنى صاعد للنمو بعد انحسار جائحة كورونا.

ومع ذلك، فإن الوضع سيكون أكثر خطورة إذا اقترن الركود الأوروبي بركود مماثل في الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا العام - والذي لا يزال احتمالًا قائما - واستمرار الركود في الصين، خاصة ما لم تتخلى الأخيرة عن سياسة "صفر كوفيد" بعد المؤتمر الخمسي القادم للحزب الشيوعي الصيني في منتصف أكتوبر.

وقال ميجيل تشانكو، كبير الاقتصاديين في شركة "بانثيون ماكروإيكونوميكس"، ومقرها المملكة المتحدة: "من المؤكد أن الركود في الاتحاد الأوروبي سيضر بصادرات الآسيان إلى إليه، ولكن هناك فرصة جيدة أن تكون هذه الضربة خفيفة من حيث نمو الصادرات الإجمالي".

ويشير المحللون إلى أن الركود الأوروبي لن يكون له تأثير كبير على سمات معينة للاقتصاد منطقة الآسيان، إذ لا تعتمد دول جنوب شرق آسيا على الواردات من أوروبا، والتي بلغت قيمتها 80 مليار يورو فقط لمنطقة الآسيان بأكملها العام الماضي، أي أقل من خمس وارداتها من الصين.

فرصة لجنوب شرق آسيا؟

علاوة على ذلك، تشهد منطقة جنوب شرق آسيا طفرة في الطلب المحلي مع إعادة فتح اقتصاداتها بالكامل بعد انحسار جائحة كورونا، كما قالت تامارا هندرسون، موضحة أن "هذا يعني أن النمو في معظم جنوب شرق آسيا سيكون على الأرجح أقوى في عام 2022 مقارنة بالعام الماضي".

وأضافت هندرسون "لقد عملت دول جنوب شرق آسيا ولا تزال لتطوير قاعدة تصدير أكثر تنوعًا. كما تجري المنطقة، ببطء ولكن بثبات، إصلاحات للسماح بتكامل اقتصادي أوثق داخل الآسيان للمساعدة في الحماية من الصدمات الخارجية".

من ناحية أخرى، قال تشانكو إن بعض دول جنوب شرق آسيا يمكن أن تستفيد حتى من الصعوبات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، فبجانب كونها أكبر مصدّر لزيت النخيل في العالم، من المتوقع أن يرتفع الطلب على صادرات الطاقة الإندونيسية إن استمرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا دون تسوية.

وتُعد إندونيسيا كذلك مصدّرًا رئيسيًا للفحم، وعلى الرغم من أنها حظرت تصديره مرتين خلال هذا العام من أجل تلبية الطلب المحلي، فإن ذلك قد يتغير لاحقًا، لا سيما وقد فرض الاتحاد الأوروبي حظرًا على استيراد الفحم الروسي.