الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قراءة في كتاب أحمد الجنايني.. حين هربت عاريات مودلياني سيرة لذاكرة اللون

كتاب حين هربت عاريات
كتاب حين هربت عاريات مودلياني

هذا الكتاب هو سيرة ذاتية للفنان أحمد الجنايني وعنوان الكتاب يدعونا لمناقشته؛ فأول ما يتبادر إلى الذهن هو من هو مودليانى ولماذا هربت عارياته ولماذا كتب الجنايني فى العنوان أنها رواية ذاتية؟

مودلياني(١٨٨٤-١٩٢٠م) رسام إيطالي برع فى رسم البورتريه ويميل إلى الأدب خاصة الشعر، و لديه شغف بالترحال ورسم جسد المرأة عاريا إيمانا منه بتلك الهندسة الربانية فى هذا التكوين، وتلك الصفات هى ما جمعت أحمد الجنايني ابن قرية منية سمنود بالإيطالي مودلياني.

كتبت الدكتورة هالة حربي: "عاش أحمد الجنايني فى طفولته شغفين وخوفين؛ أما الشغف الأول فحبه لرسومات أخيه الذى يكبره بعشر سنوات ذلك المفتون بعاريات “بوتشيللي”، والشغف الثاني هو استعارة دفاتر أخيه ‘خلسة’ ليقرأ ملاحظاته عن الفن وكيفية رسم وتشريح الجسد.

أما الخوفان الذى عاشهما أحمد الجنايني فالأول يتجسد فى أن يتحول مع الوقت لمدرس للرسم يستنفذ كل طاقته فى “الشاكوش والمسامير” لتعليق اللوحات المدرسية على الجدار متجاهلا موهبته وأحلامه وسقف توقعاته، والخوف الثاني الذى لازمه هو افتنانه بأسلوب مودليانى خوفه ألا يستطيع الخروج من عباءته وكيفية الهروب من عاريات مودلياني.

عنوان كتابه” حين هربت عاريات مودلياني” يشي بقدرة أحمد الجنايني أخيرا بفك سحر ذلك الافتنان وهروبه من أسلوب مودليانى ووصوله إلى معادلته الخاصة التى أطلقته حرا طليقا فى عالم الفن يشكل توليفته الخاصة ويصنع موتيفته وبصمته الشخصية.

هذه سيرة ذاتية تحمل لنا عذابات صاحب الريشة أحمد الجنايني كما تحمل طموحاته وترحاله الذى كان محض مجازفة فى ألمانيا ومدنها وفى لبنان وبقاعه.

وأحمد الجنايني هو ذلك الغريب المتمرد الذي يرفض الضيم ويأبى الهزيمة، يبحث عن ذاته فى بلاد بعيدة بعد ان فقد الأمل أن يجد ضالته فى البلد الأم.

والمرأة عند أحمد الجنايني هى مفتاح الحياة، فهو يراها أما وعاشقة وبوابة لنزع الخوف عن فؤادة الغريب وزرع الطمأنينة والحب.

فى تلك الرواية الذاتية مزج الجنايني بين الأرض والأم والمرأة فهو عندما يتحدث عن الأرض هو يقصد الأم وعندما يتحدث عن الأم فهو يعني الوطن والحبيبة معا، فالمرأة عنده وطن وهى مفتاح الحياة ومليكة هذا الوجود مفتون هو بتلك الصور للمرأة فى مصر القديمة، لذا؛ جاءت أسماء بناته نفيرتيتي ،نفرتاري إيزيس وهاميس ملكات فرعونية ملكن عليه وجدانه ودنياه.

ويأتي تعلقه بالمرأة تعلقا غير شخصي وإلا ما تفسير أن يكون على علاقة مع كرستين، وصفصافة الضوء فى أن واحد وعلاقته بصفصافة الضوء ومدرسة الأطفال ثم حزنه على صفصافته وارتباطه بزينب؟ ولأن زينب نجحت فى فهمه بعمق استطاعت أن تكون مملكته المزدانة بملكاته الأربع.

بالنسبة لبناء النص جاء غير تقليدي فى بناء السير الذاتية فالزمن عنده لا يسير بشكل خطي بل بشكل متعرج in a zigzag’ ‘movement بمعنى أنه يحكي موقفا من الماضى وما يشبهه فى الحاضر هو أقرب للكتابة السريالية بقانون التداعى الحر ‘ الشيئ بالشيئ يذكر’ يتذكر بشكل تلقائي عفوي ويضع لنا المواقف المتشابهه بجوار بعضها كما يصف المصطلح الانجليزي juxtaposition بمعنى التجاور لأظهار التشابه أو التضاد، وأعتقد أن اتباع هذا الأسلوب أضفى على الرواية شيئا من التشويق ونفى عنها الملل الذى قد يصيب القارئ فى تتبع الخط التاريخى لأحداث السير الذاتية. واتباعه لهذا الأسلوب هو أقرب للتصوير والتشكيل كأن يضع “patches ” بجوار بعضها لتكوين الشكل الكلى. إذا؛ عمله كفنان كان له أثر على كتابته وهذا منطقى فصاحب الريشة يرسم لنا لوحته الذاتية، لكنى أرى بعض الافتعال فى أنه يستنطق كل نساء روايته شعرا؛ نعم هو شاعر لا يشرب الخمر لكن تسكره رومانسية المرأة ورقتها يضفي عليها هالة من الشعر والشجن.

هذا الغريب الشاعر الرحال يؤكد على غربته فى أنه يحكي عن نفسه- فى روايته الذاتية- بصيغة الغائب يقول عن نفسه: “أمام مكتب العميد بكلية الفنون كان اللقاء بالنسبة له مزيجا من الخوف والفرح وشعورا بأنه يفتح للمرة الاولى بابا للعبور نحو عالم لايمكنه التكهن به”(٤٧)، والأمثلة كثيرة، ترى ما الذي يدفعه فى روايته الذاتية أن يغترب عن ذاته؟

إجمالا قرأت أحمد الجنايني وأدركت أنه قد وصل لبعض ما تمنى من فك سحر مودليانى ولكن يظل السؤال: ماذا بعد هروب عاريات مودلياني؟ فى انتظار الإجابة من صاحب الفرشاه الفنان أحمد الجنايني والجزء الثاني من روايته الذاتية.