الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انقلاب مواطني الرايخ.. هل تساهلت ديمقراطية ألمانيا أكثر من اللازم مع اليمين المتطرف؟

الأمير هاينريش الثالث
الأمير هاينريش الثالث عشر

منذ نشأة النظام الجمهوري في ألمانيا الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، لم يكن بمأمن من محاولات فصائل اليمين المتطرف القفز على السلطة.

ألمانيا.. تاريخ من انقلابات اليمين المتطرف

ففي عام 1920 رُوعت جمهورية فايمار الوليدة عام 1920 بمحاولة انقلاب مجموعة يمينية متطرفة بقيادة السياسيين فولفجانج كاب وفالتر فون لوتفيتز، وبعدها بقليل عام 1923 قاد الزعيم النازي أدولف هتلر أول محاولة انقلابية للقفز على السلطة، والتي عرفت باسم (انقلاب قاعة البيرة)، وكانت محاولة فاشلة سُجن هتلر على أثرها ثم خرج ليستأنف مسعاه للوصول إلى السلطة ولكن بالطرق السياسية المشروعة هذه المرة.

وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، كانت سيرة الانقلابات والجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا تنتمي إلى الماضي، إلى أن عادت إلى الواجهة بقوة، مع إعلان السلطات الألمانية اليوم الأربعاء إحباط مخطط جماعة "مواطني الرايخ" اليمينية المتطرفة للسيطرة على مؤسسات الدولة وتنصيب الأمير هاينريش الثالث عشر، سليل أسرة رويس الملكية القديمة، حاكمًا.

ولكن لحسن حظ ألمانيا وحلفائها، كانت خطة جماعة مواطني الرايخ وظلت حتى لحظة كشفها أبعد بكثير عن النجاح من محاولتي كاب وهتلر قبل نحو قرن من الزمن، وكانت الخطة تقتضي اقتحام مبنى البوندستاج (البرلمان الألماني) ولكنه نجا من حادث مشابه لذلك الذي تعرض له الكونجرس الأمريكي في 20 يناير 2021، عندما اقتحم انصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الكونجرس احتجاجًا على خسارته في الانتخابات الرئاسية.

اليمين المتطرف في ألمانيا.. أسباب حقيقية للقلق

ومع ذلك، تكشف محاولة الانقلاب تلك وإن فشلت أن هناك أسبابًا موضوعية تدعو للقلق والتخوف على الديمقراطية الألمانية، فبيان السلطات الرسمية يقول إن أجهزة الأمن داهمت أكثر من 130 موقعًا في 11 ولاية ألمانية من إجمالي 16 ولاية، وألقت القبض على 25 شخصًا، ولوحظ أن عددًا من المواقع المداهمة والأفراد المقبوض عليهم كانوا خارج المناطق المعروفة بنشاط الفصائل اليمينية المتطرفة والنازية فيها أكثر مما في غيرها.

النقطة الثانية أن عددًا من المقبوض عليهم هم من ذوي الخلفية العسكرية، وهو ما يعيد إلى الواجهة مشكلة تغلغل العناصر اليمينية المتطرفة في القوات المسلحة وأجهزة الأمن الألمانية، هذا التغلغل الذي تكشفه وقائع مثل قرار الحكومة الألمانية في يوليو 2020 تفكيك وحدة من القوات الخاصة بالجيش بسبب تستر عدد من أفرادها على أنشطة متطرفة لبعض معارفهم.

وتقول سلطات الادعاء الألمانية أن جماعة "مواطني الرايخ" تأثرت جزئيًا بنظريات مؤامرة أمريكية الطابع، مثل نظرية "كيو آنون" التي تزعم أن الولايات المتحدة ودول ديمقراطية أخرى تحكمها "دولة عميقة" من أصحاب المصالح.

وفور الإعلان عن القبض على الأمير هاينريش الثالث عشر، ظهرت أقاويل تزعم تواصله مع روسيا وطلبه الدعم منها من أجل تأسيس نظام جديد في ألمانيا، وإن لم تذكر سلطات الادعاء الألمانية ذلك أو تقدم دليلًا عليه.

اليمين المتطرف أكبر تهديد للديمقراطية الألمانية

وتقدم مؤامرة "مواطني الرايخ" دليلًا جديدًا على صحة كلام وزير الداخلية الألماني السابق هورست زيهوفر في أكتوبر 2020، حين حذر من أن "اليمين المتطرف هو أكبر تهديد تواجهه بلادنا الآن"، وكان ذلك بعد 8 أشهر من قيام يميني متطرف بقتل 11 شخصا بالرصاص في مقهيين بمدينة هاناو.

وربما كانت مشكلة اليمين المتطرف قد توارت من خريطة مخاوف السلطة والمجتمع الألمانيين لعدة سنوات، لتفسح الطريق لإرهاب الجماعات التي ترفع شعارات إسلامية، مثل عملية الدهس في سوق لتذكارات الكريسماس ببرلين عام 2016، التي راح ضحيتها 12 شخصا، وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عنها.

على أن إرهاب اليمين المتطرف كان نشطًا في ألمانيا قبل سنوات طويلة من موجة الإرهاب الإسلاموي، وبين عامي 2000 و2007، قتلت الحركة الاشتراكية الوطنية السرية، وهي فصيل يميني متطرف، 9 مهاجرين وشرطي، فيما كانت السلطات تعتقد أن هؤلاء الضحايا كانوا يسقطون في معارك بين مجموعات الجريمة المنظمة.

ومن المؤكد أن حركة "مواطني الرايخ" وغيرها من فصائل اليمين المتطرف ليست ممثلة في البرلمان الألماني ولا تحظى بدعم كبير من التيار الرئيسي للمجتمع، وحتى حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتشدد نسبيًا، وإن كان لا يحرض على العنف، فقد مقاعده في البرلمان خلال الانتخابات العامة العام الماضي، ولكن مع ذلك لا يجب لأي ديمقراطية أن تسقط في فخ الرضا المبالغ فيه عن النفس والاطمئنان الزائد عن اللازم في ظل وجود دعاوى كتلك التي تحملها حركة "مواطني الرايخ"، وألمانيا قبل غيرها وأكثر من غيرها تعرف ذلك جيدًا.