الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الطريق للعرس الثقافي المصري .. بين الكتاب ووسائل النقل

صدى البلد

اذا كان معرض القاهرة الدولي للكتاب قد افتتح لأول مرة يوم الثاني والعشرين من يناير عام 1969 ليتحول بامتياز الى "عرس ثقافي مصري" يتجدد عاما بعد عام ، فان دورة الاحتفال باليوبيل الذهبي المرتقب في اليوم ذاته الذي افتتح فيه تثير تآملات متعددة في رحلة الزمان والمكان والطريق لهذا العرس الذي ينتقل لأول مرة "من موقعه القديم بمدينة نصر الى موقعه الجديد بالتجمع الخامس في القاهرة" .

وجاء انتقال معرض القاهرة الدولي للكتاب لمقره الجديد "ليتناسب مع مكانته كأقدم معرض للكتاب بعد معرض فرانكفورت الدولي والأكبر على مستوى العالم من حيث اعداد الزائرين" فيما سيفتتح المعرض العام رسميا في الثاني والعشرين من شهر يناير الجاري اما الافتتاح الجماهيري فسيكون في الثالث والعشرين من يناير وهو اليوم الذي سيشهد "احتفالا كرنفاليا مع الجمهور في الذكرى الخمسين لهذا العرس الثقافي المصري ".

وتلك هي المرة الأولى التي ترأس فيها وزيرة الثقافة الدكتورة ايناس عبد الدايم "اللجنة العليا للمعرض" فيما تتعاون كل الجهات المعنية لاخراج المعرض في يوبيله الذهبي بشكل يليق بتاريخه العريق وهو مايتضمن وسائل نقل الزوار للمقر الجديد للمعرض .

واذ وصف الدورة الخمسين "بالاستثنائية والتي تفتح صفحة جديدة في تاريخ المعرض" اوضح رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب ورئيس معرض القاهرة الدولي للكتاب الدكتور هيثم الحاج انه "تم توفير 15 خط اتوبيس" في سياق توفير وسائل النقل للجماهير من زوار المعرض منوها بأن الموقع الجديد للمعرض "معد بأحدث المعايير العالمية لتنظيم الفعاليات الكبرى" .

وفي العام الماضي تجاوز عدد الزائرين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الأربعة ملايين زائر وكانت وسائل النقل تستوعب نحو 400 الف مواطن يدخلون المعرض يوميا غير انه مع انتقال معرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي لمقره الجديد في "منطقة التجمع بمركز مصر للمعارض الدولية" طرح بعض الكتاب والمعلقين تساؤلات حول وسائل النقل للمقر الجديد.

ورأى الكاتب الصحفي المتخصص في القضايا الثقافية سيد محمود ان "المقر القديم لم تكن له الا ميزة واحدة هي وجوده فوق محطة مترو وقريبا من خطوط الأتوبيس والسرفيس وبفضل هذا القرب كانت زيارة المعرض سهلة ورخيصة وميسرة لجميع الفئات".

ومع ذلك فان من عاصروا تجربة انتقال المعرض من "ارض الجزيرة الى مدينة نصر" قالوا ان الغالبية كانت متخوفة من عملية الانتقال بنفس الحجج التي يرفعها رواد للمعرض على مواقع التواصل الاجتماعي لكن التجربة نجحت مع الوقت وهو ماتراهن عليه وزارة الثقافة التي نظمت مؤخرا جولة للاعلاميين للتعريف بالمقر الجديد فيما يقول الكاتب سيد محمود:"اشهد انه لايقل جمالا عن المعارض العربية التي شهدت طفرات في المبيعات خلال السنوات الأخيرة".

وقال سيد محمود في طرح بجريدة الشروق القاهرية انه "بخلاف خطوط المواصلات التي تم الاعلان عن تشغيلها كان يجب التفكير في كارت موحد يتيح للزائر استعماله على كل تلك الخطوط ويتيح له ايضا دخول المعرض على ان يعرض بسعر رمزي في الجامعات واماكن التجمعات الشبابية ومحطات المترو والأكشاك التي تقدم خدمات البيع ودفع الفواتير".

ومن المفارقات الطريفة ان هذا الحديث عن وسائل النقل ومعرض القاهرة الدولي للكتاب يتزامن مع مناقشات في مجلس النواب حول مواد مشروع قانون يتعلق بانشاء "جهاز تنظيم النقل البري الداخلي والدولي" وسط اهتمام واضح بآليات حماية الركاب ومراقبة خطوط السير.

وواقع الحال ان معرض القاهرة الدولي للكتاب يحفز ايضا حركة النقل الجوي مع توافد الكثير من الأشقاء العرب والضيوف من الخارج لحضور هذا العرس الثقافي المصري الذي بات احد ابرز الأحداث الثقافية العربية على مدار الأعوام.

وفي تآملاته الثقافية مع اقتراب الذكرى الخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ، يقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة ان هذا المعرض الذي بدأ بأعداد قليلة ووصل الآن الى آلاف الناشرين وعشرات الدول كان في بدايته وليدا صغيرا التفت حوله قلوب العرب من كل مكان واصبح سوقا للكتاب.

ويضيف جويدة في جريدة الأهرام ان الجمهور كان يتدفق على هذا المعرض كل يوم من كل العالم العربي "حتى ان هناك الآلاف الذين كانوا يأتون خصيصا من العواصم العربية لحضور معرض الكتاب في مصر" وكانت السلاسل التاريخية القادمة من مطابع ودور النشر في لبنان تلقى ترحيبا خاصا في مصر.

ومابين الندوات والأمسيات الشعرية-كما يقول فاروق جويدة-صدحت اصوات الشعراء العرب نزار قباني ومحمود درويش والبردوني وسميح القاسم ومن كبار المفكرين والأدباء كيوسف ادريس وزكي نجيب محمود ونجيب محفوظ فيما يصف المعرض بأنه "عيد من اعياد الثقافة المصرية يكمل الآن نصف قرن من الزمان".

وإن آثر البعض التوجه لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي بسيارات الأجرة "التاكسي" فان هذه الوسيلة للنقل امست تحظى بمكانة لافتة في عالم الثقافة والقراءة ولفتت ظاهرة "تاكسي القراءة" في بلد عربي شقيق هو العراق الأنظار لتكون محل تقارير صحفية واعلامية طريفة حقا.

فهاهو سائق سيارة اجرة "تاكسي" في مدينة البصرة يلفت الأنظار مؤخرا "يعرض بابتسامة لطيفة كتابا مجانيا على راكب سيارته ليقرأ فيه لعشر دقائق متصلة طالبا منه عدم استخدام هاتفه الذكي اثناء وجوده في السيارة التي اصبحت تعرف بتاكسي القراءة".

وكما ورد في تلك التقارير فان "سائق تاكسي القراءة" هو طالب في المدرسة الثانوية وقاريء نهم اضطر للعمل سائقا لسيارة اجرة لتوفير احتياجات اسرته التي تضم ثمانية افراد "ومن خلال هذه المبادرة يحاول الحفاظ على هوايته المتمثلة في حب القراءة".

وحسب هذه التقارير الصحفية ، فقد قرر ذلك الشاب المحب للقراءة ان يحمل معه في سيارته كتبا يقرأها عند توقف الطريق بسبب الزحام او اثناء انتظار احد زبائنه "وتحولت فكرته بعدئذ الى حملة لتشارك قراءة الكتب" فيما جمع هذا الشاب العراقي بين عشقه للقراءة وعمله.
والطريف والدال ان تلك المبادرة الخاصة من شاب محب للقراءة لفتت انتباه بعض اصحاب دور النشر فاذا بهم يعرضون عليه كتبهم مجانا كطريقة للترويج لاصداراتهم وهكذا تحمل هذه السيارة او "تاكسي القراءة" العديد من الكتب في موضوعات كثيرة ومتنوعة مابين اعمال ادبية و فلسفية وعلمية وغيرها.

ومن المؤكد ان الكثير من المثقفين العرب الذين يشكل معرض القاهرة الدولي للكتاب حدثا غير عادي كل عام يتمنون ظهور "تاكسي القراءة" في كل الدول العربية فيما لم يكن الأدب العربي في الواقع بعيدا عن "التاكسي ووسائل النقل ككل في ابداعاته المتعددة".
فقد اكد الأدب العربي مكانته في المشهد الثقافي العالمي وسط اهتمام لافت في الصحافة الثقافية الغربية برواية "كرنفال" للبناني راوي الحاج عن سائق تاكسي وحكاياته بعد حفاوة مستحقة لنقاد ثقافيين غربيين "بتاكسي :حواديت المشاوير" للكاتب المصري خالد الخميسي.

ومع ان "تاكسي: حواديت المشاوير" يوصف عادة "بالكتاب" بعيدا عن صفة الرواية باعتباره يضم قصصا واقعية مختلفة منها ماهو مآساوي ومنها ماهو طريف فمن الذي قال ان الواقع يتناقض مع الرواية مادام هذا الواقع قد جرى تناوله بمنظور ابداعي للكاتب؟!.
ولعل الأقرب للانصاف والدقة القول ان "تاكسي" خالد الخميسي يقدم نوعا جديدا غير مألوف في الرواية العربية وهو ماتبدى بالفعل في كتابات نقاد بالصحافة الثقافية الغربية على نحو ماتبدى ايضا مع رواية "كرنفال" للكاتب اللبناني راوي الحاج.

فكلاهما استحق اشادة نقاد ثقافيين غربيين واللافت ايضا ان العملين واولهما كتب اصلا بالعربية والثاني كتب بالانجليزية ترجما للغات عديدة كشهادة دالة على التفوق الابداعي للمصري خالد الخميسي واللبناني راوي الحاج الذي عمل بالفعل من قبل كسائق تاكسي.

فالمثير للاهتمام ان راوي الحاج صاحب "كرنفال" كرواية تتحدث عن سائق تاكسي في مدينة امريكية لاتينية كان يعمل بالفعل كسائق تاكسي في كندا قبل ان يبزغ نجمه ككاتب روائي وقاص ويتفرغ للكتابة.

وإذا كان المصري خالد الخميسي صاحب السبق الابداعي في حواديت التاكسي قد اختار وطنه والقاهرة مسرحا لكتابه فهنا في امريكا اللاتينية حواديت تاكسي حيث بلاد الموسيقى والرقص والألوان المبهجة وهو اللبناني راوي الحاج يعيش في مدينة مونتريال بكندا!.
وفيما حقق خالد الخميسي صاحب "تاكسي :حواديت المشاوير" نجاحا لافتا عبر رحلته الابداعية وترجم هذا العمل للانجليزية ولغات اخرى فان راوي الحاج بدوره حقق نجاحا كبيرا ككاتب عربي يعيش في كندا وترجمت روايته الأولى "لعبة دي نيرو" لنحو 20 لغة وفازت بعدة جوائز ثقافية غربية.

ورواية "كرنفال" ذات الأجواء الأمريكية اللاتينية بفصولها الخمسة تنتمي لما يمكن وصفه "بأدب التاكسي" كنوع روائي يعرض لحياة الشارع لم تبخل في وصف معاناة السائق وماقد يواجهه من مخاطر.

واذا كانت وسائل النقل بعيدة بأي حال من الأحوال عن ثقافة اي مجتمع وتطوره بقدر ما تشكل اشارات دالة "لسكك الزمان والمكان" وقد تكون احيانا دافعا لكتب طريفة او دراسات تدخل في مجال التاريخ الثقافي ، فان هذه الوسائل شريك لاغنى عنه في "العرس الثقافي المصري" الذي سيبدأ بعد ايام قليلة لينقل الزائرين القادمين من كل حدب وصوب للمقر الجديد لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي.

انها وسائل النقل التي ستحمل الزائرين لرقعة تنبض بالابداع جناحا جناحا وركنا ركنا!!..رقعة عزيزة كتب لها ان تشهد اليوبيل الذهبي للعرس الثقافي المصري..وفي الطريق للعرس الثقافي مرحبا بكل الزائرين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي ينبض بحقائق القلب الثقافي المصري عبر رحلة الزمان والمكان.