الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل رغبة المتوفاة في الحج عن ولدها تعتبر وصية؟ .. المفتي يجيب

هل رغبة المتوفاة
هل رغبة المتوفاة في الحج عن ولدها تعتبر وصية؟.. المفتى يجيب

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية تقول صاحبته: " توفيت جدة أولادي وتركت أموالًا، ولم يكن لها أولاد غير زوجي المتوفى قبلها، والذي ترك لي خمسة أبناء، وكانت جدتهم تنوي أن تحج عنه في العام القادم إلا أنها توفيت".

وتابعت السائلة قائلة " فهل يحق لنا الآن أخذ الأموال التي كانت ستحج بها لرعاية أبنائي؛ حيث إن أبناء إخوتها يرفضون ذلك ويعتبرون رغبتها في الحج عن زوجي وصية يجب إنفاذها؛ علمًا بأنه قد حج عنه أقاربه عدة مرات من قبل، وأنا وأبنائي في حاجة لهذه الأموال عونًا على ظروف الحياة؟"

وأجاب الدكتور شوقي علام ، مفتى الجمهورية، عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء، بأن المال من نعم الله على الإنسان، منحه الله حقَّ التصرف فيه في حال حياته بشتَّى صور التصرف الجائزة شرعًا.

وأوضح "علام" فى إجابته أنه إذا توفي المسلم صار مالُه تركةً لمن يرثه، وانقطعت صلته بهذا المال إلا من الحقوق التي وجبت في ماله، فيجب إخراجها قبل توزيع الميراث؛ وهي: أربعة أمورٍ.

وتابع أن أول الحقوق الواجبة في تركة الميت هو تجهيزه؛ والمقصود به: كل ما يفعل بالميت حتى يُوارَى في قبره؛ من نفقات غسل وتكفين ودفن وما أشبه ذلك، ويكون الإنفاق في مثل هذا بحسب يسار الميت وإعساره، بغير إسراف ولا تقتير؛ حتى لا يكون في الإسراف إجحافٌ للورثة، ولا يكون في التقتير تقصيرٌ في حقِّ الميت؛لقوله-تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].

وواصل " ثانيًا: سداد ديونه، والمقصود بها: كلُّ ما تعلق بذمة الميت؛ سواء أكانت حقوقًا واجبةً لله تعالى من زكاة أو حج، أم كانت ديونًا للعباد في حقِّه؛ سواء أكانت مالية أم عينية؛ مستشهدًا بما روى عن ابن عباس - رضي الله عنهما-، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: يا رسُولَ اللهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وعلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» متفق عليه. وبذلك قال الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.

وأشار إلى أن فقهاء الحنفية رأوا أنَّ دَيْنَ الله تعالى لا يجب أداؤه من التركة إلا إذا أوصى به الميت، فإن أوصى به يخرج من ثلث التركة.

وذكر ما قاله العلامة فخر الدين الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق": [والمراد بالدَّيْن: دينٌ له مُطالِبٌ من جهة العباد، لا دَيْنُ الزكاة والكفارات ونحوها؛ لأن هذه الديون تسقط بالموت، فلا يلزم الورثةَ أداؤُها إلا إذا أوصى بها أو تبرعوا بها هم من عندهم؛ لأن الركن في العبادات نيةُ المكلف وفعله، وقد فات بموته، فلا يُتَصَوَّر بقاءُ الواجب؛ يحققه: أن الدنيا دار التكليف، والآخرة دار الجزاء، والعبادة اختيارية، وليست بجبرية] ـ.

واستكمل " ثالثًا: تنفيذ وصاياه، أي أنه بعد تجهيز الميت وسداد ديونه يُنظر إلى ما كان قد أوصى به قبل وفاته؛ فينفذ في حدود الثلث من ماله الذي بقي بعد تجهيزه وسداد ديونه؛ لقوله تعالى: ﴿منْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]".

ونوه أنه إذا أُدَّيتْ هذه الحقوق الواجبة فإن الباقي من تركته يقسم كلٌّ حسب نصيبه الشرعي الذي بينه الله عز وجل في كتابه الكريم.

ونبه على أن ما كان الميت يرغب في فعله حال حياته؛ من شراء شيءٍ، أو بيعه، أو هِبَتِهِ، فالورثة غير ملزمين بفعل ما كان يرغب فيه، ما دام لم يُوصِ بفعله قبل وفاته؛ لأنَّ تعلُّق ذمة الميت بالمال قد زال بالموت، وأصبح المال ملكًا خالصًا لورثته.

وبين أن من ذلك يتضح أنه لا يحقُّ لأحدٍ أن يمنع الورثة من أخذ ميراثهم الشرعي بحجة تنفيذ رغبة المتوفَّى، ما لم تكن وصيةً تُنَفَّذُ في حدود الثلث من ماله؛ لأن رغبة المورِّث المجردة عن التصرف ليست من أسباب إزالة الملك شرعًا، فإذا مات قبل التصرف في ماله زالت يدُه عنه، وأصبح حقًّا خالصًا لورثته يتقاسمونه بينهم حسب أنصبتهم الشرعية؛ مستدلًا بما روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِلْوَرَثَةِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا»، متفق عليه.

وأضاف أنه بناءً على ما ورد في السؤال فإن المال الذي تركته والدة زوجك يجري عليه ما سبق بيانه من حقوق واجبة فيه؛ من تجهيزها، وسداد دينها، وتنفيذ وصاياها فيما لا يتجاوز الثلث مما بقي بعد سداد ديونها.

واختتم " أما أن تُؤخذ هذه الأموال لأداء فريضة الحج عن ابن الموِّرثة المتوفَّى قبلها لمجرد أنها كانت ترغب أن تحج عنه في عامها المقبل -من غير أن توصي بذلك- فذلك لا يجوز شرعًا؛ لأن يدَ الموِّرثة قد زالت عن المال بموتها قبل التصرف فيه، وأصبح حقًّا خالصًا لورثتها يتقاسمونه بينهم حسب أنصبتهم الشرعية، ومنهم أبناء ابنها المتوفَّى، ولا يحقُّ لأحد حرمانُهم من حقهم الشرعي بدعوى تأدية فريضةِ الحج عن أبيهم.