الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"جارديان" تعيد فتح قضية أشرف مروان فى لندن بعد 8 سنوات على وفاته.. وتتساءل: من الذى قتل جاسوس القرن العشرين؟

صدى البلد

4 من موظفى مراون شهدوا الحادثة
مروان تناول عقاقير مضادة للاكتئاب
هل كان مراون جاسوسا للموساد أم عميل مزدوج لمصر أعادت صحيفة "جارديان" البريطانية فتح التحقيق فى قضية مقتل أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل عبد الناصر وأحد أهم رجال الدولة فى ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
وقالت "جارديان" إن "مروان عندما سقط من شرفة شقته فى لندن، رحل ومعه أسراره، فهل كان يعمل لحساب مصر أم إسرائيل، وهل أدى كشف حقيقة هويته إلى مقتله؟".

وأضافت أن "مروان كان على قيد الحياة عندما ألقى من شرفة شقتة البالغ ثمنها 4.4 مليون جنيه استرلينى بالطابق الخامس فى إحدى العمارات الواقعة فى قلب العاصمة البريطانية، حيث سقطت جثة مروان فى حيقة ورود لسيدة إنجليزية، وصرخت السيدة وجاءت الشرطة والمسعفون ولكن بعد فوات الأوان، فقد مات مروان بتمزق فى الشريان الأورطى".
وقالت "جارديان" إن "تفاصيل الدقائق الأخيرة فى حياة مروان هي الأكثر غموضا"، لافتة إلى أن السبب فى ذلك لم يكن فى عدم وجود شهود عيان بل بالعكس، ففى صباح ذلك اليوم اجتمع أربعة من موظفى إحدى شركات مروان فى مبنى مجاور لشقة مروان وكانوا يجلسون فى غرفة تطل بشكل واضح على شرفة شقة مروان، الرجال الأربعة هم جوزيف ريباسى، وعصام شوقى، ومايكل بارخورست، وجون روبرتس، وكانوا ينتظرون انضمام مروان إليهم وعندما تأخر اتصلوا به فقال إنهم سينضم إليهم بعد قليل".
وأضافت: "لكن ريباسى، والذى كان جالسا مع زملائه والنافدة التى تطل على شرفة مروان على يمينه، قال إنه شعر بالذهول عندما صرخ أحد زملائه: "انظروا ماذا يفعل الدكتور مروان؟"، وفى الوقت ذاته قال شاهدان آخران إنهما رأيا مروان وهو يقفز من الشرفة، وبسرعة انتقل ريباسى من مكانه للنظر إلى النافذة التى سقط منها الدكتور مروان ورآه و هو يسقط، بينما هرع عصام شوقى، وهو مدير الشركة التى يملكها مروان، على السلالم لتقديم المساعدة، بينما بقى الرجال الثلاثة الآخرون فى الغرفة مذهولين مما حدث".
وتابعت: "بعد لحظات نظر ريباسى من النافذة مجددا ليرى المكان الذى سقطت فيه جثة مروان. وقال ريباسى فى رسالة عبر البريد الإلكترونى لـ"جارديان": "لقد رأيت رجلين يحملان ملامح شرق أوسطية ينظران إلى الأسفل من شرفة إحدى شقق عمارة مروان"، لكنه لم يستطع أن يحدد هو وزملاؤه ما إذا كان الرجلان يقفان فى شرفة منزل مروان أم لا".
وقالت جارديان إن "السؤال هو هل قفز مروان أم انتحر؟"، وتشير الصحيفة إلى أن "فحص دماء مروان كشف عن تناوله مضادات اكتئاب كما قال طبيبه إنه كان يعانى من ضغوط شديدة فى الآونة الأخيرة، وإنه فقد 10 كيلوجرامات من وزنه خلال شهرين، ولكن فى الوقت ذاته هناك أسباب تشير إلى أن ما حدث لم يكن انتحارا، فمروان كان يستعد للسفر إلى الولايات المتحدة فى مساء نفس يوم وفاته للاجتماع مع محاميه، كما أنه كان حصل للتو على عضوية "نادى الإصلاح" الذى بين أعضائه الأمير تشارلز والرئيسة السابقة لجهاز الاستخبارات البريطانى (MI5)، كما أنه قبل أيام من وفاته أحضر هدية لحفيده بمناسبة عيد ميلاده، عبارة عن جهاز "بلاى ستيشن 3"، كما أن مروان وزوجته منى عبد الناصر، ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كانا يخططان لأخذ أحفادهما الخمسة فى عطلة".
ونقلت جارديان عن الطبيب الشرعى وليام دولمان، الذى تولى التحقيق فى وفاة مروان فى 2010، إنه لم يصل إلى نتيجة مؤكدة، حيث خلص دولمان إلى أنه لا توجد أدلة على وجود نية لدى مروان للانتحار ولكن فى الوقت ذاته لا توجد دلائل على مزاعم قتل مروان.
فى الوقت ذاته، كان مروان يخشى على حياته قبل مقتله، فقد قالت زوجته إنه قبل وفاته كان يتأكد من إحكام إغلاق الأبواب والأقفال كل ليلة قبل نومه، وهو ما لم يفعله من قبل على مدى 38 عاما هي عمر حياتهما الزوجية معا، كما أنه قال لها بشكل صريح إنه يخشى على نفسه من القتل كما أنه قال لها إن لديه الكثير من الأعداء.
وقالت "جارديان" إنه وفقا لعائلة مروان فهناك دليل آخر فى المشهد أو بمعنى أدق هناك غياب لديل مهم، حيث اختفت السنة الوحيدة لمذكرات مروان والتى كان على وشك إكمالها من أرفف مكتبته يوم وفاته، ثلاثة مجلدات ضخمة مؤلفة من حوالى 200 صفحة وكذلك أشرطة مسجلة بصوت مروان كلها لم يتم العثور عليها.
وقالت "جارديان" إنه وفقا للباحثين فإن مروان كان يعمل لسنوات لحساب المخابرات المصرية والإسرائيلية والإيطالية والأمريكية البريطانية، وكان يستعد لتسريب الأسرار التى قد تحرج ملوكا ودولا.
وأضافت أنه "فى اللحظة التى سقط فيها مروان من شرفة منزلة، كان أهارون بريجمان يجلس فى مكتبه بقسم دراسات الحرب فى كلية كينجز بلندن فى انتظار مكالمة من الجاسوس، وهو ما يحدث، وبعد ساعات تلقى بيرجمان مكالمة من شقيقته تخبره فيها أن مروان مات، ورغم أن الخبر جعل برجيمان مضطربا إلا أنه بعد غياب مروان عن موعدهم معا لم تكن وفاته أمرا غير متوقع، حيث ترك له مروان قبل وفاته عدة رسائل فهم منها بيرجمان أن صديقه فى خطر، وعلاوة على ذلك أيقن بيرجمان أنه مسئول بشكل جزئى عما حدث له".
وألقت "جارديان" الضوء على حياة مروان، حيث قالت إن والده كان ضابطا ممن خدموا فى الحرس الرئاسى، وإنه حصل على درجة البكالوريوس فى الهندسة الكيمائية من جامعة القاهرة فى سن الـ21 عاما ثم جند فى الجيش، وإنه فى عام 1965 التقى بمنى عبد الناصر، ابنة الرئيس، التى كانت فى الـ17 من عمرها، وفى العام التالى تزوج الاثنان لينضم مروان إلى دوائر النخبة.
وأشارت إلى أن مروان بعد ذلك أنهى خدمته العسكرية خلال عامين لينتقل إلى لندن للحصول على درجة الماجستير فى الكيمياء.
وقالت "جارديان" إن بعض المصادر أشارت إلى أن مروان لم يكن راضيا عن الأموال التى ترسلها عائلته له للإنفاق منها فى لندن، وإنه حصل على أموال من قبل إحدى الشخصيات الكويتية، وعندما علم الرئيس عبد الناصر بذلك من السفارة المصرية فى لندن بعد بضعة أشهر طلب من مروان العودة إلى القاهرة وطالبه بتطليق ابنته، إلا أنه رفض، وبمرور الوقت هدأ الرئيس عبد الناصر وأمر مروان بالبقاء فى القاهرة على أن تقتصر رحلاته إلى لندن لتقديم أوراقه البحثية وحضور الاختبارات.
وأضافت أنه فى ربيع 1969 زار مروان لندن بحجة استشارة طبيب إنجليزى بشأن مرض يعانى منه فى المعدة، إلا أن مروان ووفقا لما قاله المؤرخ هوارد بلوم فى كتابه الصادر فى عام 2003 تحت عنوان "عشية التدمير، تاريخ حرب يوم الغفران"، فإن مروان سلم الطبيب بجانب أشعة "إكس راى" الخاصة بمعدته ملفا يضم عددا ضخما من أسرار الدولة المصرية، حيث طلب مروان تسليم الملف إلى السفارة الإسرائيلية فى لندن، وبعد 3 أيام اتصل عميل بالموساد بمروان أثناء تجوله فى محلات "هارودز".
إسرائيل كان لديها نسختها من القصة، وفقا لما رواه محلل الاستخبارات السابق بجيش الدفاع الإسرائيلى، يورى بار جوزيف فى كتابه الصادر عام 2010 بعنوان "الملاك"، حيث قال جوزيف إن مروان اتصل مرتين بالسفارة الإسرائيلية بلندن طالبا التحدث مع أحد المسئولين الأمنيين بالسفارة، إلا أنه تم رفض طلبه فى المرتين قبل أن يسمح له بترك رسالة، وقد عرف مروان نفسه بالاسم وقال إنه يرغب فى العمل لحساب المخابرات الإسرائيلية.
ورفض مروان ترك رقم هاتفه لأنه كان من المقرر أن يعود لمصر فى اليوم التالى، حيث قال إنه سيتصل مرة أخرى بعد الظهر، وحين فعل لم يتلق ردا، حينها ترك مروان رقم هاتف فندقه.
فى ذلك الوقت، كان شموئيل جورين، رئيس مكتب الموساد فى أوروبا، متواجدا فى لندن، حيث بلغته رسالة مروان وعلى الفور تعرف على اسمه. وقالت "جارديان" إن اقتراب مروان من دوائر القيادة المصرية جعل الموساد يفتح ملفا باسمه بالفعل باعتباره مجندا محتملا، حتى إن ملفه احتوى على صورة فوتوغرافية لمروان التقطت له يوم زفافه قبل اتصاله بهم بأربع سنوات.
وقد طلب جورين بالفعل مروان على الرقم الذى تركه فى رسالته، ونظرا لضيق الوقت طلب جورين من مروان الانتظار فى غرفته بالفندق، وقد جرى الاتصال بمروان مرة أخرى، حيث طلب منه التوجه إلى مقهى مجاور للفندق، وفى المقهى تقدم منه رجل، حيث ناداه باسمه وقال له إن اسمه هو ميشا فقام مروان وصافحه، وخلال اللقاء أبلغ مروان ميشا "اسمه الحقيقى هو دوبى"، عن حجم علاقاته وما يمكن أن يقدمه لإسرائيل، كما قام مروان بتسليم ميشا خطابا عبر الطاولة وقال له: "هذه مجرد عينة مما يمكن أن أعطيه لكم أنا لا أطلب شيئا الآن، لكنى أتوقع مكافأتى فى اجتماعنا المقبل"، وكان المقابل 100 ألف استرلينى.
والحقيقة أن الموساد كانت تتشكك فى نوايا مروان، فهل كان يخطط لأن يصبح عميلا مزدوجا من أجل إمداد إسرائيل بمعلومات خاطئة أو للحصول على الأسرار الإسرائيلية وإبلاغ جمال عبد الناصر بها، لكن مروان كان لديه إجابة على هذا، حيث قال لميشا إنه يشعر بالفزع من حقيقة هزيمة مصر فى حرب عام 1967 وهو ببساطة يريد أن يكون على الجانب المنتصر.
وبعد هذا اللقاء، اجتمع ميشا مع جورين فى سيارة تاكسى، حيث تصفحا الوثائق التى قدمها مروان والتى بدت حقيقة وهما فى طرقهما للسفارة، حيث قال جورين: "معلومات كهذه من مصدر كهذا أمر يحدث مرة كل ألف سنة"، وفقا لما نقلته "جيروزاليم بوست". ووصف أحد عملاء الموساد الآخين تجنيد مروان بأنه كما لو كانوا حصلوا على شخص ينام فى سرير عبد الناصر نفسه، وتقرر أن يكون الاسم الكودى لمروان فى الموساد هو الملاك.
وفى مصر، واصل مروان كسب الثقة، وبعد وفاة عبد الناصر فى سبتمبر 1970 سلم مروان وثائق سرية إسرائيلية للرئيس الراحل أنور السادات، ونتيجة لهذا اكتسب المزيد من الثقة، وفى أبريل 1973 بعث مروان برسالة للإسرائيليين تحذر من هدجوم مصرى وشيك، ونتيجة لذلك أعلنت إسرائيل حالة التأهب وحركت عشرات الآلاف من جنود الاحتياط وعدد من الألوية إلى سيناء، ولكن الهجوم لم يحدث ويقال إن حالة التأهب كلفت إسرائيل حوالى 35 مليون دولار.
وبعد ذلك فى 4 أكتوبر 1973، حذر مروان إسرائيل مرة أخرى من هجوم مصرى يلوح فى الأفق، حيث اتصل مروان بضابط الحالة المكلف بمتابعته فى الموساد من باريس، حيث كان فى زياة مع وفد مصرى وقال إنه يريد مناقشة المزيد من الكيماويات وهو كود متفق عليه للتحذير من وقوع الحرب، وفى الثامنة من صباح اليوم التالى اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلى فى جلسة طائرة وقرروا التحرك بناء على معلومات مروان وبدأوا فى تحريك دباباتهم، هذه المرة كانت المعلوماتا صحيحة ولكن مروان بعد أربع ساعات أبلغ الإسرائيليين بأن المصريين سيشنون هجومهم عند غروب الشمس، ولكن الحرب بدأت قبل ذلك بأربع ساعات فى الثانية ظهرا.
ظل بريجمان حريصا، ففى كتابه الأول عن الموضوع، تحت عنوان "حروب إسرائيل"، والذى نشر فى عام 2000، أشار إلى الملاك بإيجاز بأنه الساعد الأيمن لعبد الناصر، وأرسل نسخة إلى مروان ولم يتلق ردا، لكن بريجمان ازداد جرأة وألف كتابه الثانى "تاريخ إسرائيل" الذى نُشر فى 2002، حيث قال فيه إن الملاك هو أحد أقارب عبد الناصر وادعيت أنه كان فى بعض الأحيان يطلقون عليه أنه صهر عبد الناصر، وكانت تلك كذبة المقصود منها إثارة مروان، ومرة أخرى أرسل بريجمان نسخة من كتابه إلى مروان تحمل الإهداء التالى: "إلى أشرف مروان بطل مصر".
وفى مصر، رتب صحفى آخر مقابلة مع مروان وسأله مباشرة عن رأيه فى ادعاءات بريجمان، فقال: "كتاب بريجمان قصة بوليسية غبية، وفى 29 ديسمبر تلقى بريجمان مكالمة قال محدثه على الطرف الآخر: "أنا الرجل الذى كتبت عنه"، فرد بريجمان: "كيف أتأكد من ذلك؟"، فقال الصوت ببساطة: "لقد أرسلت لى الكتاب بإهداء".
عندما طلب بريجمان أن يكتب السيرة الذاتية لمروان رفض، وعن ذلك يقول بريجمان: "لقد أراد للقصة أن تموت. لا سيرة ذاتية، وهذا محير فى ضوء المذكرات الضائعة المزعومة. لماذا بدأ مروان كتابة سيرة ذاتية إذا كان يريد للقصة أن تختفى؟"، ويتساءل بريجمان: "هل بدأ فعلا العمل فى الكتاب؟ ربما كانت تلك هي طريقته لمنعى من تأليف كتابى؟" وبمرور الشهور طلب مروان المشورة من بريجمان بشأن الكتابة - بل إنه طلب من بريجمان تحرير الكتاب عندما ينتهى منه ـمما جعل الأكاديمى يشك أكثر - وقال بريجمان كنت أسأله من حين لآخر: "ما اسم الكتاب؟ متى سيكون جاهزا؟ هل هو بالإنجليزية أم العربية؟ قال لى إنه سيكون بالإنجليزية لأن العرب لا يقرأن الكتب".
بعد وفاة مروان أصبح العثور على دليل على وجود المذكرات هاجس محير لبريجمان، فقد اتصل بجميع مكاتب الأرشيف فى إنجلترا والولايات المتحدة، ليرى إن كان مروان ترك أى نسخ من مذكراته، ولكنه تلقى ردا إيجابيا من مارى كارى، أمينة المكتبة فى الأرشيف الوطنى بواشنطن.
وقالت كارى إن مروان زار الأرشيف مرتين بشكل غير معلن، فى يناير ومارس 2007، حيث ساعدت كارى مروان على البحث عن اسمه على قاعدة البيانات بوثائق الحكومة الأمريكية المرفوع عنها السرية، وتبين أن اسم مروان موجودا فى تفريغ لمحادثة جرت بين وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر وإسماعيل فهمى، وزير الخارجية المصرى السابق، حيث ناقش فيه الرجال الثلاثة صفقة سلاح.
وقال بريجمان إن وفاة مروان جعلته يشعر بالذنب، وإنه السبب وراء انكشاف هويته، موضحا أنه كان يشعر بأنه بطل فى البداية عندما كشف عن هوية مروان لكنه بعد مقابلته والأحاديث المطولة معه، اكتشف أن مروان شخص عادى يعانى من متاعب وضوغط وليس مجرد جاسوس محترف، مضيفا أنه لا يعلم سبب وفاته هل قام أحدهم بقتله أم قام أحدهم بتهديده ليقوم بالانتحار طواعية للحفاظ على حياة ابنيه.
ويرى "بريجمان" أن بريطانيا لديها الأجوبة على هذه الأسئلة، خاصة أنها لم تعلن أسماء الشخصين ذوى الملامح الشرق أوسطية اللذين شوهدا بعد سقوط "مروان" بإحدى شرفات البناية التى كان يقطنها.