الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«عائلة» شرفها الله بحمل مفتاح «الكعبة» إلى قيام الساعة

مفتاح الكعبة
مفتاح الكعبة

تعد العناية بالكعبة المشرفة والقيام بشؤونها من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوّارها وكل ما يتعلق بذلك، مهمة شريفة ومهنة قديمة سميت بـ« سدانة الكعبة».

واختص أحفاد قصي بن كلاب بن مرة بهذه المهنة - سدانة الكعبة- منذ أكثر من 16 قرنًا، أي قبل بدء الإسلام، ومنهم نسل أبناء آل الشيبي سدنة الكعبة الحاليين.

النبي إسماعيل أول «سادن» للكعبة

وبدأت هذه المهمة مع بناء النبي إبراهيم -عليه السلام- الكعبة المشرفة، فكانت «السدانة» بيد ابنه إسماعيل - السلام- ، الذي تولى رفع القواعد من البيت مع والده إبراهيم -عليهما السلام-، كما قال تعالى: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ثم اغتصبها منهم جرهم ، ثم اغتصبها خزاعة.

واستردها منهم قصي بن كلاب وهو من أبناء إسماعيل، وهو الجد الرابع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم صارت من بعده في ولده الأكبر عبد الدار، ثم صارت في بني عبد الدار جاهلية وإسلامًا، ولم تزل «السدانة» في ذريته حتى انتقلت إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، منذ أن أعاد لهم الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- مفاتيح الكعبة، وقال: «خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم».

قصة «حامل» مفتاح الكعبة بعد الإسلام

وكان عثمان بن طلحة «سادن» الكعبة، فلما دخل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مكة يوم الفتح، طلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المفتاح، فجيء به، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد قبض السقاية وسدانة الكعبة من العباس وأخذ المفتاح من عثمان، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيت وصلى فيه ركعتين.

ولما خرج -صلى الله عليه وسلم- سأله العباس أن يعطيه المفتاح، ليجمع له بين السقاية وسدانة الكعبة، فأنزل الله تعالى هذه الآية من القران الكريم: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» الآية 58 من سورة النساء.

وعندما جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ادعوا إلي عثمان بن طلحة» ، وقيل إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعثمان، وهو يدعوه إلى الإسلام: «لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت»، فقال عثمان: «لقد هلكت إذا قريش وذلت»، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بل عمرت وعزت يومئذ »، ثم قال: « خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها إلا ظالم يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا بالمعروف». قال عثمان: « فلما وليت ناداني فرجعت إليه. فقال: « ألم يكن الذي قلت لك؟» فذكرت قوله لي بمكة فقلت: بلى، أشهد أنك رسول الله » فأعطاه المفتاح.

مفتاح الكعبة يحمله الأكبر سنًا حاليًا

وجرت العادة أن يوضع مفتاح باب الكعبة المشرفة لدى أكبر السدنة سنًا، ويسمى السادن الأول، وعند فتح الكعبة يشعر السادن الأول جميع السدنة الكبار منهم، بوقت كاف ليتمكنوا من الحضور جميعًا إن أمكن ذلك أو بعضهم ليقوموا بغسلها بمعية ولي الأمر والأمراء.

ويستعمل الناس مصطلحات أخرى مرادفة للسدانة هي ، الحجابة ، والخِزَانَةُ ، وهي في اصطلاح الإسلام : ولاية مخصوصة ، لقومٍ مخصوصين ، لشيءٍ مخصوص، فالمقصود بالولاية : خدمة الكعبة ، وكِسْوتها ، وتولي أمرها ، وفتح بابها وإغلاقه ، وهي مقدَّرة شرعًا لأناس مخصوصين.

ترتيبات سدنة الكعبة المعتادة

ويُذكر أن مهام السدانة هي مهام شريفة ولدى أسرة الشيبي حملة المفتاح تنظيمات وترتيبات بين أفراد هذه الأسرة، حيث تعطى السدانة للأكبر سنًا وله حق التوكيل والتفويض عند الظروف المختلفة، ويفيد عبدالقادر الشيبي كبير سدنة الكعبة المشرّفة حاليًا، إن الإعداد لغسل الكعبة يتم قبل شهر على الأقل من الموعد المحدّد لهذا الإجراء المتعارف عليه، فيما تتم كسوة قبلة المسلمين بثوب جديد في التاسع من ذي الحجة سنويًا.

الكعبة من الداخل وتحول كسوتها إلى الأخضر

وعن بعض التفاصيل: "الكسوة الداخلية للكعبة تأخذ حاليًا اللون الأخضر، وتسمى "الكسوة الخضراء"، بعد أن كان لونها أحمر حتى بداية عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، يرحمه الله، الذي تغيّر في عهده لون الكسوة الداخلية إلى اللون الأخضر حتى الآن".

ويصف «الشيبي» الكعبة من الداخل: بأنها "عبارة عن أرض على شكل مربع من الرخام وكذلك جدارها، والنصف الأعلى من الجدار مُغطى بثوب حرير أخضر، وتحتوي على ثلاثة أعمدة حمراء بوسطها، ومعلق بها بعض الهدايا المقدمة من الخلفاء والسلاطين سابقًا، ثم بعد ذلك الكسوة الخضراء التي تغطي باقي الجدران والسقف كذلك، ويعلق على جدرانها الداخلية ما يقارب 15 فانوسًا قديمًا، وبداخل الكعبة يشعر الإنسان براحة كبيرة، ومعظم الذين يدخلونها يسجدون ويبكون فورًا من شدة الخشوع ونخرجهم منها بصعوبة شديدة".

إحراج سُدنة الكعبة مع كثرة الزوار

وحول المواقف يؤكد أنهم يواجهون الكثير من الإحراجات، نظرًا لكثرة الزوّار والراغبين في دخول الكعبة، والطريقة المعتادة هي أن تقوم إمارة مكة المكرّمة بالترتيب مع كبير السدنة لعمل تصاريح للدخول.

وكما هو معروف أن مفتاح القفل الجديد سلم لكبير عائلة السدنة وهم أسرة آل الشيبي من أسر مكة الشهيرة، والتي عرفت بأنها تحمل شرفًا عظيمًا اختصّها الله -عزّ وجلّ- به منذ أكثر من 1400 عام إلى أن تقوم الساعة، وتوعّد كل مَن حاول حرمانهم منه بأن يكون من الظالمين.

وأفاد عبدالقادر الشيبي عميد الأسرة حاليًا: "أحتفظ بالمفتاح في كيس خاص تتم صناعته يدويًا في مصنع كسوة الكعبة المشرّفة، وهو في مكانٍ آمن ولم يسبق أن فقدناه، إلا أن كتب التاريخ تشير إلى أن أحد الأشخاص حاول سرقته في أحد العصور الإسلامية ولكن تم العثور عليه".

وترجع القصة عندما أعطى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة المشرفة لجدهم عثمان بن طلحة، وقال: "خذوها يا بني طلحة بأمانة الله – سبحانه - واعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم".