الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«صدى البلد» يحاور أصغر «كابتن» مركب غير شرعي: هربت الشباب مرتين.. وجاهز للثالثة.. البداية تخزين في قبو والوسيلة «خشبية».. ونهايتي حبس 6 أشهر

صدى البلد

  • أصغر سائقي مراكب الهجرة يروي قصته لـ"صدى البلد":
  • الهجرة السبيل للخروج من نفق الفقر والضياع
  • السلطات الإيطالية قامت باحتجازي 3 اشهر في عمر 15 سنة
  • نظرات الفرحة والخوف والوداع تختلط في عرض البحر
"مرتان عبر البحر، أتذكر خلالهما لحظات خروجي من نفق الفقر والضياع عبر أحد المراكب الخشبية، حتي وصولي إلى السواحل الإيطالية، حيث عثرت علي القوات الإيطالية وقامت باحتجازي ثلاثة أشهر ثم تسليمي مرة أخرى إلى السلطات المصرية".. هكذا قال "محمود. ع"، 18 عاما، أحد سائقي مراكب الهجرة غير الشرعية، وأحد سكان عزبة برج رشيد، المواجهة لمرسى ميناء الصيد برشيد، بمحافظة البحيرة، يحكي قصة الهروب غير المشروعة لـ"صدى البلد" التي يمر بها شباب الوطن عقب فقدانهم الأمل خلال السطور القادمة.

يقول: "عقب إتمامي عامي السادس عشر، بدأت طموحاتي للخروج من حاجز الفقر وفقدان الأمل والجوع والعوز، فكان طريقي الوحيد وأنا أعمل في الصيد في رشيد هو العبور من خلال المياه، والهروب من خلال أحد المراكب، وبالفعل حصلت على فرصة لجمع المال دون الهروب، وهي الحصول على مبلغ 20 ألف جنيه مقابل قيادة أحد مراكب الهجرة غير الشرعية، وتوصيل شباب هارب إلى دولة إيطاليا".

ويضيف: "حصلت على طريق الربح، ولكن مثلما يقولون "اللي بييجي حرام بيروح حرام"؛ حصلت على المبلغ المتفق عليه من قبل أحد سماسرة التهريب مقابل توصيل الشباب على أحد المراكب إلى دولة إيطاليا، عانيت الكثير داخل المياه ولا أعلم كم مرت علي من ساعات أو أيام ولكني استطعت الوصول إلى السواحل الإيطالية في نهاية المشوار، لا سيما أن بوابة الهجرة غير الشرعية، ليست بتلك السهولة التي تتحدثون عنها، وإنما الجميع يعاني داخل هذا النفق أعلى أحد المراكب، نعاني الليل الأسود المجهول، أو غرق المركب في أي لحظة، أو المصير الذي ينتظرني بمجرد الوصول".

يتابع: "خفر السواحل الإيطالي، كان ينتظرني وكأنهم على علم بتلك الرحلة "المشبوهة"، ولكن "ما باليد حيلة"، حيث قامت السلطات الإيطالية باحتجازي ثلاثة أشهر في إيطاليا ثم قاموا بتسليمي إلى السلطات المصرية التي أعادتني مرة أخرى للبلاد، وخلال تسعين يوما بالسجن الإيطالي "عرفت الفولة"، الهروب ليس حلا وإنما تحصل على المال مقابل توصيل إلى دولة والعقوبة ثلاثة أشهر للمرة الأولى ثم ستة أشهر في المرة الثانية، ثم حجز مدى العمر في المرة الثالثة".

ويستطرد: "كنت أخشى المصير الذي ينتظرني في وطني عند عودتي في المرة الأولى، وما هي إلا أيام حتى عدت مرة أخرى إلى بلدتي و"حضن أمي"، وبعد مرور عام تجددت الفرصة مرة أخري، حيث عرض علي توصيل شباب إلى اليونان مقابل 60 ألف جنيه، والهروب معهم، وبالفعل قدمت موافقتي قبل سماع الدولة أو السعر".

ويقول: "بدأت أتطلع لتلك اللحظة التي أغامر فيها مرة أخرى داخل النفق المجهول، لم تكن تنتابني تلك الأسئلة، هل أتمكن من الوصول أم لا، وهل ستكون نهايتي في عرض المياه، أم هل سيكون مصيري ثلاثة أشهر جديدة بالسجون اليونانية، ولكن كان تطلعي هو الحصول على 60 ألف جنيه، والمساهمة في توفير فرصة هروب لشباب عانى العوز والفقر".

ويضيف: "توجهت إلى السمسار، وقمت بالاتفاق على جميع تفاصيل السفر، عدا معرفة أسماء أو أعمار المهاجرين، وموعد ومكان السفر، فقط حصلت على معلومات بأني سأخرج من مصر إلى اليونان مقابل 60 ألف جنيه، حتى حانت ساعة الصفر، التي تم اقتيادي فيها إلى مكان ومنه إلى المركب الذي سأقوم بقيادته".

ويتابع: "هذه المرة كنت دقيقا في جميع تفاصيل الرحلة، وأتذكر تقريبا وجه كل شخص كان معي أعلى المركب، حيث كان هناك أحد الأشخاص ومعه زوجته يضع ابنتيه داخل أحد حقائب السفر ويغلق عليهما، وبعض الصناديق الخشبية التي كانت تحمل ما بين أربعة وستة شباب داخلها أعمارهم لا تتعدى العشرين عاما، وصناديق حديدية مغلقة قام السمسار بتوفير بعض الفتحات بها لدخول التهوية إلى من بداخلها".

ويستطرد: "النظرات التي رأيتها في أعين المهاجرين كانت تحمل معاني كثيرة، ما بين الفرحة بالهروب من الفقر والاعتقاد بأن أبواب الأموال قد فتحت لهم، ونظرات أخرى كانت تحمل الوداع والحنين إلى الوطن والأحباب، ونظرات الانكسار والدموع بين العيون، كنت أستمع إلى دقات القلوب المنتظرة ملك الموت في أي لحظة داخل المياه".

ويوضح: "ظهرت أمام عيني بعض السواحل عقب اقترابي من دولة اليونان، وجدت بعض المهاجرين وقد اتخذوا قرارا بالقفز من المركب خوفا من مقابلة مصير الحجز من قبل السلطات، ونقطة وصولي كانت خفر السواحل اليوناني، وتم القبض علي لمدة ثلاثة أشهر داخل أحد السجون اليونانية ثم العودة إلى مصر مرة أخرى".

ويقول: "عندما سمعت عن غرق مركب "موكب الرسول" وعلى متنها أكثر من 400 شخص، وعلى الرغم من أنني كنت بطلا لتلك الرحلة في أحد الأيام ولكن لم أشعر بقبضة قلبي، ولم تدمع عيني، ولكنني بدأت في التفكير في المرة الثالثة؛ بلدتنا بأكملها، ينتظر أهلنا إتمام أعوامنا الخامسة عشرة، حتى يتسنى لهم فرصة إرسالنا إلى إحدى الدول في محاولات منهم للهروب من المصير المحتوم، من الفقر والجوع والعوز، ومازال جميع أهالي بلدتنا يحاولون في تلك اللحظة انتشال الجثامين والضحايا والتفكير في طريقة لإخراج ابنه إلى دولة أخرى يتمكن من خلالها من تحسين المستوى الاجتماعي والمالي له".