الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الإسلام أول من حارب «الغلاء».. غلظ عقوبة الاحتكار وجعل صاحبها من أهل النار.. والرسول دعا على المحتكر بالإصابة بمرض «خطير»

صدى البلد

  • البحوث الإسلامية:
  • المحتكر ملعون ويجوز للحاكم تغليظ العقوبة عليه
  • الرسول دعا على المحتكر بالإصابة بالجذام والإفلاس
  • الإفتاء:
  • احتكار السلع ورفع أسعارها «خيانة للأمانة»
  • ولأوقاف:
  • رفع الأسعار دون مبرر سوء خلق

تمر مصر بأزمات اقتصادية ويلجأ بعض التجار إلى شراء ضروريات الأفراد وتخزينها إلى أن يرتفع سعرها، ويبيعها بأعلى الأثمان فتزداد أمواله، وللاحتكار نتائج سلبية منها: أنه يكون سببًا في انتشار الحقد والكراهية بين الأفراد مما يساعد على تفكك المجتمع وانهيار العلاقات بين أفراده.

ويرصد «صدى البلد» آراء العلماء في كيفية محاربة الإسلام للاحتكار، مؤكدين أن المُحتكر ملعون ويرتكب خطيئة سيجازي عليه في الآخرة بالطرد من رحمة الله تعالى، منوهين بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعا على المُحتكر بالإصابة بمرض «الجذام» والإفلاس: «من احتكر على المسلمين طعامهم؛ ضربه الله بالجذام والإفلاس» رواه ابن ماجة.

وأكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الاحتكار محرم شرعًا، وخطيئة كُبرى يُعاقب عليها المُحتكر والمُستغل في الدنيا والآخرة.

واستشهد «الجندي» لـ«صدى البلد» بما رواه مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ»، موضحًا أن الخاطئ هو العاصي الآثم، مشددًا على أن الشريعة الإسلامية حرمت وغلاء الأسعار والاستغلال والغش وكل هذه السلوكيات الاقتصادية السيئة لما فيها من الإضرار بالناس.

وعرّف المفكر الإسلامي، الاحتكار المحرم بأنه حبس السِّلعة مع حاجة الناس إليها ليرتفع بذلك سعرها والثراء على حساب الفقراء ومحدودي الدخل، مشددًا على أنه مرض فتاك ببنيان الرأفةويقتل قيمة التضامن الاجتماعي وله آثار اجتماعية سيئة وخطيرة ويعد خيانة للبلاد.

ونبه على أن الاحتكار جريمة، ويجوز للحاكم أن يعزر المحتكر ومن المغالين في الأسعار بعقوبة رادعة، مشددًا على أن الرسول حصلى الله عليه وسلم لعن المحتكر في الحديث الذي رواه مسلم: «الْجَالِب مَرْزُوق وَالْمُحْتَكِر مَلْعُونٌ».

وأشار إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن أن الله بَرِئَ من هؤلاء المحتكرين والغشاشين، كما جاء في مسند الإمام أحمد، وصححه العلامة أحمد شاكر، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي اللّه عنهما- أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ(عرصة -أي: مكان- ) أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى». أَخْرَجَهُ أحمد 2/33 (4880).

وألمح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تبرأ ممن يبيع طعامًا مغشوشًا للمسلمين وذلك حينما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجل يبيع طعاما "حبوبا"، فأدخل يده فيه فرأى بللا، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟"، قال: أصابته السماء، أي: المطر، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غشنا ليس منا" رواه مسلم. وفى رواية أخرى يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من غش فليس مني" رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

وشدد على أنه جاء الوعيد الشديد لمن أدخَل في أسعار المسلمين شيئا ظُلمًا وعدوانًا ليغلِيَه عليهم، فعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «ثَقُلَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ، فَدَخَلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَ». وفى رواية: «قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لَيُغْلِيَ عَلَيْهِمْ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَقْذِفَهُ فِي مُعْظَمِ جَهَنَّمَ رَأْسُهُ أَسْفَلُهُ» الحاكم في مستدركه ج 2/ ص 15 حديث رقم: 2168).

دعاء النبي على المحتكر:

وحذر «الجندي» من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا على كل محتكر بأن يبتليه الله بالمرض والإفلاس من جميع الأموال المحرمة التي جمعها من وراء هذه السلوكيات الخاطئة ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم مستجابة، فعن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ، ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالإِفْلاسِ» «ابن ماجة (2155)، وفي الزوائد: إسناده صحيح.

يجب مراعاة الفقراء:

بدروه، طالب الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، التجار بأن يراقبوا ربهم في معاملتهم بالبيع والشراء وأن تكون الأسعار فى متناول الجميع.

ووجه «هاشم» رسالة للتجار المحتكرين: «عليهم أن يعلموا أن أمامهم يومًا سيحاسبون فيه إن لم يحاسبوا فى الدنيا فسيحاسبون فى الآخرة، وهذا المال الذى يأتى من غير طريق الحلال الحقيقى المشروع، هو مال حرام».

وألمح إلى أن الله تعالى نهى عن أكل أموال الناس بالباطل لأن هذا سُحت والعياذ بالله، مضيفًا: فيجب أن يحافظوا على أنفسهم وعلى أقواتهم وأن يكونوا فى عيشتهم فى حلال وألا يغالوا فى الأسعار وألا يجهدوا الفقراء والمحتاجين، بل يجب على التجار أن يراعوا الفقراء والمحتاجين.

ارتفاع الأسعار سوء خلق:

استنكر الشيخ إسلام النواوي، من علماء وزارة الأوقاف، استغلال بعض التجار للظروف الاقتصادية لرفع الأسعار بدون مبرر، مؤكدًا أن ذلك من سوء الخلق.

وذكر «النواوي» في تصريح له، أن الرسول صلى الله عليه وسلم- توعد من يستغل حاجة الناس أو يحتكر تجارة بالعاقبة الوخيمة في حديث الشريف: «مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ».

وأوضح أن التجارة فى الإسلام فائدة متبادلة بين التاجر والمشتري، فى الحصول على السلعة وحصوله هو على الربح المناسب، منوهًا بأن الصحابة الأوائل كانوا في الأزمات أو المجاعات يقدمون الدعم المباشر للفقراء عن طريق المساعدات.

الاحتكار خيانة للأمانة:

من جانبها، ناشدت دار الإفتاء المصرية، الدولة ممثلة في مؤسساتها المختلفة التعاون من أجل إيجاد حلول للأزمات التي تواجه المواطنين، مطالبة بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه السلع الأساسية التي هى حق أصيل لكل المصريين، والتي يُعَدُّ تأمينها من واجبات الدولة.

وشددت على ضرورة الضرب بيد من حديد على كل من يحاول المساس بأي من مقومات الحياة لأي مواطن، مطالبة جميع المؤسسات بأن تضطلع بدورها في اتخاذ الإجراءات الوقائية ضد حدوث مثل هذه الأمور على أي سلعة من السلع الأساسية، سواء كانت خبزًا أو أسطوانات غاز أو محروقات أو غيرها.

وطالبت دار الإفتاء، البائعين وأصحاب المحال التجارية بأن يتقوا الله ويمتنعوا عن بيع السلع التي يحتاجها المواطنون بأغلى من سعرها الرسمي، مؤكدة أن احتكار السلع ورفع أسعارها على المشترين هو "خيانة للأمانة".

وحرمت الاحتكار لكل ما يحتاج إليه الناس دون تحديد للطعام أو لغيره؛ لأن العلة هى الإضرار بالناس، فحيثما وجدت العلة مع أي سلعة وجد الحكم.

واقترحت على الجهات المختصة في الدولة وضع تسعيرة جبرية لأسعار السلع إذا كان هناك مبالغة في الأسعار وزيادتها عن القدر الطبيعي لها ووجود احتكار من جانب بعض التجار لسلع يحتاجها المواطنون.

وبيّنت أن التسعير منه ما هو ظالم لا يجوز ومنه ما هو عادل جائز، وفندت الفتوى حجج المتذرعين بتحريم التسعير استنادًا إلى ما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه عندما قال: "قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال رسول الله: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال".

وأوضحت أن "من يمنع التسعير مطلقًا بهذا الحديث فقد أخطأ لأن هذه قضية وليست لفظًا عامًا وأن امتناعه (صلى الله عليه وسلم) عن التسعير هو من تصرفاته بمقتضى الإمامة والسياسة الشرعية".

وحددت الفتوى الحالات التي يكون للمسئولين فيها حق التسعير وهى: أن يزيد أرباب الطعام القيمة زيادة فاحشة مع حاجة الناس إلى السلعة، واحتكار المنتجين أو التجار للسلعة، وحصر البيع لأناس معينين، وتواطؤ البائعين ضد المشترين أو العكس.

ونبهت على أن شراء السلع المتوقَّع ارتفاع سعرها طلبًا للربح إن تم بيعها بثمن مثلها بلا حبس فهو جائز، وإن اشتراها وقت الغلاء وحبسها متربصًا زيادة السعر مع حاجة الناس إلى ما حبسه فهو من الاحتكار المحرَّم، مؤكدة أنه لا بأس بحبس تاجر نتاج متجره أو مصنعه وبيعه بالسعر الذي يراه ما لم تكن هناك ضرورة أو حاجة بالناس للسلعة المحبوسة.

وألمحت إلى أن أحد خصائص المعاملات المالية في الإسلام مراعاتها لمصالح أطراف المعاملة جميعًا بحيث لا يلحق ضرر مؤثِّر بأحد الأطراف، وتلك الخصيصة طبيعة لما يمليه العدل الكامل الذي رسَّخته الشريعة الإسلامية، وكل ذلك لأن المعاملات مبناهاعلى التشاحح لا المسامحة. ولأجل تحقيق هذا المقصد نهى الشارع عن بعض الممارسات التي قد تضر بمصالح بعض أطرافها، وسدَّ بطريقة محكمة منافذ هذه الممارسات بما يجفف منابعها، مشددة على أن من تلك الممارسات ما يعرف بـ (الاحتكار) الذي هو أحد الأسباب الرئيسة في ظهور ما يعرف بـ (السوق السوداء).

ونوهت بأن بأنها استخلصت من تعريفات الفقهاء للاحتكار، بأنه كل أمر فيه تضييق على الناس يلحق بهم ضررًا، وأنه يتحقق بشراء الشيء وقت الغلاء وحبسه مع احتياج الناس إليه ليبيعه بأزيد من ثمنه.

وعرضت الأحاديث التي تنهى عن الاحتكار، منها: حديث معمر: «لا يحتكر إلا خاطئ» (رواه مسلم)، وفي رواية: «من احتكر فهو خاطئ»، ومنها: حديث أبي أمامة: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُحتَكَر الطعام». (رواه الطبراني). ومنها: حديث أبي هريرة: «من احتكر حكرة يريد أن يُغْلِيَ بها على المسلمين فهو خاطئ» (رواه أحمد والحاكم والبيهقي). وحديث معقل بن يسار: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليُغْلِيَه عليهم فإن حقًّا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة» (رواه أحمد والحاكم والبيهقي والطبراني). وروي بسند ضعيف: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون» (رواه ابن ماجه والبيهقي في السنن).

واستدلت على أن جمهور الفقهاء رأى بأن هذه الأحاديث دليل على حرمة الاحتكار، لأن نفي الاحتكار الوارد في حديث معمر أبلغ في الدلالة على التحريم من النهي، لأنه بمعنى لا ينبغي لأحد أن يفعل هذا، كما أن المخطئ هو الآثم العاصي، يقول الشوكاني بعد إيراده أحاديث الاحتكار: «ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار، ولو فرض عدم ثبوت شيء منها في الصحيح، فكيف وحديث معمر المذكور في صحيح مسلم، والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف في إفادة عدم الجواز» (نيل الأوطار 5/261، ط. دار الحديث).

وتابعت: التصريح بالطعام في حديث أبي أمامة لا يصلح حمل النهي المطلق في الأحاديث الأخرى عليه لاحتمال كونه من باب التنصيص على فرد من أفراد المطلق لا لنفي الحكم عما عداه.

ورأت أن التحريم لا يثبت إلا بشروط، يكاد يتفق الفقهاء على ثلاثة منها، وهي: الشراء وقت الغلاء، والمراد بالشراء شراء السلعة الموجودة في البلد، والحبس مع تربص الغلاء، وإحداث ضرر بالناس جراء الحبس، فإذا اختل واحد من هذه الثلاثة فلا يكون احتكارًا، فلو حبس السلعة ولم يكن للناس في المحبوس حاجة، أو حبسها مع بيعها بثمن المثل، أو اشتراها في حال الضيق والغلاء ليربح فيها بلا حبس، فلا يعد احتكارًا؛ وكذا لو حبس ما تنتجه أرضه من زرع أو مصنعه من سلع، أو استورد سلعة من خارج البلد وحبسها فلا يعد احتكارًا ولو مع غلو ثمنها، شريطة ألا يكون بالناس ضرورة إليها بحيث يصيبهم ضرر بالحبس؛ لأن المقصد من منع الاحتكار إنما هو الضرر الواقع على مجموع المستهلكين جراء حبس السلعة وقت الضيق والغلاء، وهذه الصور نصَّ عليها فقهاء الشافعية وبعضها تفهم من ظاهر العبارات

وألمحت إلى أن الفقهاء حذَّروا أيضًا مما يشبه الاحتكار، كما فيما يحدث من بعض التجار في إغراق السوق بسلعة معينة وخفض سعرها لإكراه بعض التجار على الخروج من السوق، وهذا يؤول إلى ما يسمى في العرف الاقتصادي بـ(احتكار العَرْض)، وصورته سيطرة فرد أو جماعة على فرع من فروع الإنتاج ومن ثَمَّ يتحكم هذا الفرد أو هذه الجماعة في الأسعار في مواجهة عدد من المشترين، والمقصد من منع هذه الصورة لا لأن فيها معنى الاحتكار، بل لما فيها من ضرر بالعامة.

واستندت على منع الصورة الأولى إلى ما رواه مالك والبيهقي وعبد الرزاق من حديث ابن المسيب أن عمر بن الخطاب مرَّ على حاطب بن أبي بَلْتعة وهو يبيع زبيبًا له في السوق، فقال له عمر: «إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع عن سوقنا». موضحة: والوجه فيه خشية عمر محاولة احتكار السوق عن طريق إخراج بعض أهله منه بسبب خفض الأسعار.