الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

"صدى البلد" يكشف سر انتعاش سوق حفاضات البالة.. "باسوس" مركز التوزيع و"الانترنت" بؤرة التسويق.. والعقم والتسمم والتهاب المخ يهدد أطفالنا.. صور

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"باسوس" مركز استقبال وإعادة تدوير الحفاضات "المغشوشة" وضخها في السوق بنصف السعر
الانترنت وسيلة لتوزيع وتسويق تجارة حفاضات البالة بعيدًا عن الرقابة
حفاضات تركية غير مطابقة للمواصفات تباع بدون رقابة وبأسعار مغرية
سيدات المناطق الفقيرة يقبلن على شراء الحفاضة بجنيه من محلات النظافة لضيق الحال
إصابة الأطفال بالعقم والالتهابات الحادة بالجهاز التناسلي أبرز مخاطر حفاضات البالة
استشاري طب أطفال ينصح باستعمال الحفاضات القماش
احتمالات تسمم الطفل وإلتهاب المخ والوفاة من بين أضرار الحفاضة المغشوشة
ضبط 2 طن و313 ألف قطعة حفاضة مغشوشة ومقلدة بورش تصنيع منذ بداية العام


مؤخرا ً أعلن جهاز حماية المستهلك عن إحالة إحدى الشركات المنتجة لحفاضات الاطفال إلى النيابة العامة، نتيجة لوجود قطع معدنية داخل حفاضات الاطفال، وذلك بعدما تلقي الجهاز شكوى من أحد المستهلكين بوجود قطع معدنية داخل إحدي الحفاضات، مما يشكل خطورة بالغة على الاطفال، خاصة مع ملامسة الحفاضات للمناطق الحساسة عند الاطفال.

ولا تتوقف مشاكل المستهلكين مع حفاضات الشركات المعروفة فقط، ولكنها سارت أكبر من ذلك بكثير، بعد أن أصبحت الحفاضات تباع على الرصيف وفي محال المنظفات، خصوصا بالمناطق الشعبية، والتي تحمل أغلبها أسماء تجارية ولكنها تباع بنصف الثمن، ولا يسأل المواطن عن مصدر تلك الحفاضات وهل صحية أم لا، فكل ما يهمه هو السعر المنخفض، والأخطر من ذلك أنه في بعض الاحياء الشعبية يقبل الاهالي على شراء الحفاضات من اماكن يطلقون عليها "سرجة" والتي تباع فيها عادة المنظفات المغشوشة بجانب تلك الحفاضات، ولم يفكر أغلب أهالي تلك المناطق في شراء الحفاضات من الصيدلية، لأنهم يجهلون أن تلك الحفاضات التي يقبلون على شراءها من "السرجة" ماهي إلى إعادة تدوير لمخلفات بعض المواد البلاستيكية والصناعية أو في أحسن الأحوال حفاضات مستعملة.

تاجر حفاضات:

ويدافع أحد تجار حفاضات الجملة الحاج عبد الحميد مصطفي، صاحب محل منظفات عن عمله، قائلا: "البضائع تصل لنا من باسوس وهى بضائع مستوردة أو منتجة محليًا، والمستوردة تدخل بعد الافراج الجمركي، حتى لو كانت درجة تانية وثالثة، ودور الصناع في باسوس هو الفك والكي والتنظيف والتعبئة".

وأضاف أن هذه الحفاضات لا يشتكى منها أحد وهى بنصف ثمن الحفاضة التي تباع بالصيدليات، فالمواطن الغلبان لا يهتم بجودة التغليف أو أنها ماركة تجارية، فهو لا يتحمل شراء حفاضة لطفل بجنيهين وثلاث جنيهات لأن الطفل يستهلك من 5 لـ7 حفاضات يوميًا.

وأوضح الحاج عبد الحميد أنه لا يوجد ما يسمى حفاضات معاد تدويرها أو يتم غسلها، كما يدعى البعض، فبعض الورش تعمل على هالك المصانع الكبرى، وهي الحفاضات التي بها عيوب وتستغنى عنها المصانع الكبرى.

وأكد عدم صحة ما يتردد عن بيع حفاضات مستعملة، وأن ما يشاع الغرض منه غلق محلات التنظيف التي تعمل فى تجارة الحفاضات او الورش التي تعمل في تعبئتها، مشيرا إلى أن المخالفة الوحيدة التي ترتكب هي التعبئة دون ترخيص وربما عدم الالتزام بالنظافة ببعض الورش.

ويتابع الحاج عبد الحميد قائلا: "نتعامل مع تجار وأصحاب ورش يحصلون على الحفاضات المستوردة من بلغاريا وألمانيا والبرازيل وهى تأتى بالات مضغوطة لهم ثم يقومون بفكها وتنظيفها وكيها وتعبئتها.

وبالنسبة للاتهامات الخاصة بأن بعض الصناع يقومون بجمع الحفاضات المستعملة من جامعي القمامة، قال إن هناك بالفعل بعض عديمي الضمير قد يجمعون حفاضات مستعملة من جامعي القمامة ويقومون بغسلها وكيها وتنظيفها ثم إضافة مواد عطرية، ولكننا كتجار لا نتعامل معهم ونراعي ضميرنا، لان تلك الحفاضات قد تسبب عقم للأطفال، رغم أنها يعرضوا علينا الواحدة بنصف جنيه، ويلصقون عليها أسم تجاري معروف، ولكن تلك الحفاضات تباع على الرصيف وليس في محلات "السرجة"، موضحا أن العبوة من هذه الحفاضات بها 40 حفاضة بسعر عشرون جنيها ً، وبالتالي المستهلك عليه الا يقوم بشراء حفاضات من الرصيف.

طن البالة بـ15 ألف جنيه

ويوضح تاجر حفاضات أن تجار الحفاضات يحصلون على طن البالة الواردة من الخارج بسعر يصل لحوالي 15 ألف جنيه ويباع بعد مراحل الفك والفرد والتنظيف والتغليف بأسعار تصل لحوالي 25 الف جنيه بالقطعة، وكل تاجر ونصيبه، فربما تكون البالة أغلبها لا يصلح أو نصفها، لافتا إلى أنه عمل فترة في تلك المهنة ولكنه تركها لملاحقة الجهات الأمنية للتجار والموزعين.

وعند سؤاله عن التعقيم والنظافة شرح تاجر الجملة قائلا: "إن كل ورشة فيها من 4 الى 5 فتيات يقومون بالتعبئة والتنظيف والكي ولا توجد مصادر تلوث، ولم يشتك أحد من تلك الحفاضات، ولكن كبار أصحاب المصانع يتضررون منها لأن انتاج تلك الورش والتي يعمل بها الالاف وعددها يتعدى 100 ورش، حيث أن هناك ورشا بالمنوفية والدقهلية وبكل محافظة ويغطي الانتاج المناطق الفقيرة ويلبي احتياجاتهم بسعر ملائم".

المستهلكون:

وحول شكوي المواطنين من تلك الحفاضات، نفي تاجر الحفاضات نفيا ًقاطعا، ثم أشار لبعض السيدات اللائي أقبلن لشراء حفاضات، وأنهم زبائن لديه منذ سنوات ولم تشتك سيدة من الحفاضات او يتعرض ابنها لمشكلة صحية.

وتقف سيدة ثلاثينية يبدو من مظهرها بساطة الحال وضيق الرزق، أمام محل النظافة لشراء حفاضة لابنها، بادرتها بالسؤال حول جودة تلك الحفاضة وهل تعرض طفلها لمشكلة، فحكت "أم محمد" قائلة: "أضطر يوميا لشراء حفاضات لطفلي، واحدة طول اليوم والأخرى خلال نومه، والواحدة بجنيه، ولا يمكنني شراء الحفاضة من الصيدلية بجنيهين للواحدة".

وتضيف: "لم أتعرض لمشكلة، ولكن الالتهابات والطفح الجلدي أمر وارد لكل الاطفال بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ولولا ضيق الحال كنت أقبلت على شراء الحفاضة الاصلية من الصيدلية".

وتدافع سيدة أربعينيه تقف بجوارها تحمل طفلا لم يكمل عامه الأول قائلة: "ضيق الحال بيضطرنا لشراء الحفاضات اللي ملهاش ماركة، حتى أننا لا نملك شراء عبوة بها عشرون حفاضة ونضطر لشراء ما نستعمله يوميا للطفل فقط"، موضحة أن طفلها يعاني بالفعل من التهابات وحساسية شديدة ولكنني استعمل زيت الاطفال وقمت بدهان تلك المناطق عدة أيام حتى زالت الالتهابات.. ولكن ما باليد حيلة.

 تجار الانترنت

ويسعى المستوردون عبر الانترنت لعرض تجارتهم بأسعار وخصومات للتجار والموزعين، فإحدي الشركات تعرض عبر الانترنت الوارد من "بالة الحفاضات" مقسما على عبوات، حيث يصل سعر البالة للمقاس الكبير 140 جنيها والوسط 138 جنيها والصغير 119 جنيها، ويتم البيع للمحلات وتجار الجملة بسعر البالة.

ويعلن تاجر آخر عن بضاعته المستوردة قائلا: "الان ولفترة محدودة حفاضات تركية البالة "خمس شنط / الشنطة ٤٠ حفاضة".. البالة مقاس ٤ بسعر ١٥٠ جنيها والبالة مقاس ٣ بسعر ١٤٦ جنيها، والبالة مقاس ١؛٢ بسعر ١٤٢ جنيها.. وعشان ناس كتير بتسأل عن كوتشي الحفاضات.. بنقولك أن كوتشي دي مش ماركة أو اسم تجاري دي عبارة عن حفاضات وارد الخارج بتيجي في كونتينرات أو بالات كبيرة وبيكون نوع اللاصق بتاعها كوتشي ويتم تعبئتها في الاكياس الموجودة بالصور واحيانا كتير بتكون خامتها أفضل من انواع كتير في مصر وأرخص كمان، ومميزاتها أن بها حواجز مانعة للتسريب والخامة قطنية بكثافة مناسبة والحفاضة مزودة بأستيك للوسط، مع وجود مؤشر بلل أسفل الحفاضة".

مخاطر "حفاضات البالة"

وتشرح الدكتورة هبة عبد الحميد، استشاري الجلدية مخاطر استعمال الحفاضة غير المطابقة للمواصفات ومجهولة المصدر، قائلة: "أغلب الامهات مستخدمي تلك الحفاضات من الاسر الفقيرة والاحياء الشعبية، وبعضهم لم ينل قسطا من التعليم ويجهل خطورة تلك الحفاضات على الاطفال وبالأخص جهازهم التناسلي، وقد يصل الامر لدرجة الاصابة بالعقم لدى الاطفال الذكور والالتهابات الحادة بالجهاز التناسلي للفتيات، نتيجة ارتفاع درجة حرارة الطفل بسبب البكتريا والفطريات التي تحملها الحفاضة الرديئة وعدم تعرض جلد الطفل للهواء وتلامسه مع المواد الرديئة والكيمائية من مواد عطرية وكلور نتيجة غسيل الحفاضات المستعملة وإعادة بيعها".

وأضافت أن المواد التي يتم صناعة هذه الحفاضات بها هي ألياف صناعية وليست قطنية ولا تتطابق مع المعايير الصحية، فالقطن آمن لجلد الطفل، أما الالياف الصناعية فلا يتحملها جلد الطفل ونتيجة الاحتكاك بالجهاز التناسلي وتفاعل البول مع المواد الكيمائية للحفاضة، يصاب الطفل بالطفح الجلدي والعقم.

ويؤكد الدكتور نبيل العشري، استشاري طب الاطفال، أن المواد الكيمائية الموجودة في تلك الحفاضات تخترق مسام بشرة الاطفال، وتنتقل للدم وتؤدي لتسمم الطفل بل والتهاب شديد بالمخ قد يؤدى للوفاة، فضلا عن مشاكل في مجري البول والتهابات بالمثانة والكلي وفتحة الشرج، وفي حال ظهور أعراض الالتهابات الجلدية فأنه على الامهات، تعريض أجزاء الطفل السفلى الملتهبة للهواء باعتباره أفضل وسيلة يمكن القيام بها واستعمال الحفاضات القماش المصنوعة من القطن والخالية من الصبغات والعطور، مع ضرورة استعمال مطهر ومضاد للجراثيم وبودرة الاطفال.

دراسة:

وكانت دراسة ألمانية بينت أن حفاضات الأطفال المبطنة بالبلاستيك يمكن أن تكون وراء ارتفاع إصابة الذكور بالعقم وسرطان الخصيتين.

وأكد أطباء من قسم طب الأطفال في جامعة كييل شمال ألمانيا أن هذه الحفاظات تسبب حساسية حول الخصيتين يمكن أن تعيق نموهما في مرحلة مهمة من نمو الطفل.

وذكرت الدراسة أن الأطباء راقبوا 48 صبيا أصغرهم حديث الولادة وأكبرهم في سن أربع سنوات و7 أشهر ولاحظوا أن درجة الحرارة لدى الأطفال تزداد حتى درجة واحدة في منطقة الخصيتين عن معدل حرارة الجسم لدى استخدام الحفاضات المبطنة بالنايلون، وكانت الحرارة أكثر ارتفاعا لدى الأطفال الأصغر سنا.

وقال الباحثون إن زيادة حرارة الخصيتين لفترة طويلة في الطفولة المبكرة يمكن أن تشكل عاملا مهما في تدني تعداد الحيوانات المنوية في السائل المنوي وهي ظاهرة تشهد ارتفاعا ملحوظا في الدول المتطورة على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، وكذلك سرطان الخصيتين.

وتضيف أنه في الولايات المتحدة وحدها يتم التخلص من 18 مليار حفاضة كل عام، وهو ما يجعلها ثالث أكبر مصدر للنفايات الصلبة في مقالب القمامة، مع العلم أن حفاظات الأطفال غير قابلة للتحلل حيث تستغرق حوالي 500 سنة لتتحلل، كما أن إلقاء هذه النفايات في الأنهار والترع يتسبب في الإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي وأمراض أخرى، ويحتاج إنتاج الحفاظات الصناعية لأطفال العالم 82.000 طن من البلاستيك، ومليار شجرة سنويا، ومع تزايد عدد سكان العالم فإن هذا الاستنزاف للموارد الطبيعية يبعث على القلق.

ويستهلك الطفل كحد أدنى خمس أو ست حفاظات يوميا، وقد تتعدى عشرا لدى بعض الأطفال، فإذا اعتبرنا أن الطفل يستهلك في المتوسط 6 حفاظات يوميا بما يساوي 2190 في السنة الواحدة، وغالبا ما يظل الطفل يستخدم الحفاظات حتى بلوغه عامين ونصف العام، يكون استهلك فيها ما يقرب من 5475 حفاظة.

الرقابة

وعن دور جهاز حماية المستهلك في مواجهة هذه الظاهرة أفاد اللواء عاطف يعقوب، رئيس الجهاز بأن الجهاز لم يستقبل أي شكاوي من الاحياء الشعبية بشأن هذه الحفاضات، موضحا أن المستهلكين يقبلون على شراء الحفاضة المغشوشة، وهم يعلمون.

وأشار إلى أن هناك حملات تتم على توسع لضبط المنتجات التي لا تحمل علامة تجارية، مطالبا كل أم بالحرص عند شراء مثل هذه المنتجات وشرائها من مصدر موثوق، وأن تنتبه للعلامة التجارية وتاريخ الصلاحية، ويفضل شراء الحفاضات التابعة لشركات معروفة للتأكد من مطابقتها للمعايير والمقاييس الصحية.

وأوضح "يعقوب" أنه تم إحالة إحدى شركات انتاج الحفاضات للنيابة العامة بعد ضبط قطع معدنية داخل إحدى حفاضات الاطفال المطروحة بالسوق، بعد أن تلقي الجهاز شكوى من أحد المستهلكين يتضرر فيها من وجود قطع معدنية داخل هذه الحفاضات ما يشكل خطورة بالغة على الأطفال، خاصة مع ملامسة الحفاضات للمناطق الحساسة عند الأطفال.

وأضاف أن لجنة من مفتشي الجهاز والإدارة الكيماوية بمصلحة الرقابة الصناعية تحركت فور تلقي الشكوى، للتفتيش على المصنع، وبمواجهة رئيس قسم الإنتاج بالشركة بالعينات المقدمة من الشاكي وبعد رجوعه إلى تقرير إنتاج الوردية وقت خروج العبوة محل الشكوى، أقر في محضر الإجراءات بأن الماكينة كان قد تم إيقافها لوجود قطع في "استك الحفاضات، وتم إجراء تنظيف للماكينة وكان من المفترض عند بداية تشغيلها عزل أول خمس عبوات إلا أن العامل أخطأ ووضع العبوات علي ماكينة تعبئة البالة لتدخل في الإنتاج المعد للبيع، وهو ما اعتبره الجهاز بمثابة إهمال وخطأ جسيم".

وأشار رئيس الجهاز إلى أنه تم سحب عينات من المصنع وإرسالها للمعامل للتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية المصرية، وتم تحرير محضر وإحالته للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد هذا الخطأ الجسيم الذي يهدد صحة أطفالنا.

مباحث التموين:

بدوره أفاد العميد احمد مهران، بالإدارة العامة لمباحث التموين، في تصريحات لموقع "صدي البلد"، بأنه منذ بداية العام تم ضبط خمس قضايا غش تجاري لمنتجات الحفاضات، بمعدل 321 ألفا و756 قطعه مغشوشة متداولة، كما تم ضبط 2 طن و312 ألف قطعة مستلزمات تصنيع وحفاضات ما بين مغشوش ومقلد بورش تصنيع.

وأضاف: "هناك كثير من مصانع بير السلم في باسوس ونكثف حملاتنا التفتيشية على تلك المنطقة، ولكن الأزمة الحقيقية أننا بحاجة إلى تغليظ عقوبة الغش التجاري".