الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: النبي لم يحدد مفهوم الخلافة.. لا حضارة بلا عفو ولا تقدم بلا تسامح.. الاحتفال بعيد الأم أمر جائز شرعًا.. وهذه كيفية بر الأم بعد وفاتها

صدى البلد

  • علي جمعة: 
  • مفهوم التقشف البنّاء ليس بترك متاع الدنيا
  • لا حضارة بلا عفو ولا تقدم بلا تسامح
  • الاحتفال بعيد الأم أمر جائز شرعًا
  • النبي لم يحدد مفهوم الخلافة
  • "المفتى السابق" يكشف عن كيفية التصرف عند عدم وجود خلافة
  • المفتي السابق يوضح «كيف يبر الإنسان أمه بعد وفاتها»
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، إن الخلافة أمر واقع ومر به تاريخ المسلمين منذ وفاة النبي الكريم، ومن خلفه من بعده سمى "خليفة"، وأولهم أبو بكر وبُويع فى سقيفة أبى ساعدة ولم يمتنع عنه إلا قليل من الصحابة ثم بايعوه.

وأضاف "جمعة"، فى لقائه على فضائية "سى بى سى"، أن الخلافة لم يكن لها ملامح واضحة ومفهوم الخلافة لم يحدده النبى العظيم، منوهاً أن البشرية ستظل تعرف الأسرة والمجتمع ورئيس المجتمع ولا تنساق خلق الدعاوى الحديثة التى تلغى الدولة والرئيس لأن هذا انفراط لعقد البشرية.

وأشار إلى أن لفظ الخليفة ورد فى السنة النبوية، لقول النبى (فإن كان فى الأرض خليفة فألزم الخليفة ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك فإن لم يكن فى الأرض خليفة فالهرب الهرب)، منوها أن الواقع التاريخي يؤكد أن المسلمين كان لهم خليفة إلى نهاية الدولة الأموية 123 هجريا.

وقال مفتى الجمهورية السابق، إن النبي الكريم علمنا كيفية التصرف عند عدم وجود الخلافة، وهو أن نتبع سنته وهى التطبيق المعصوم لكتاب الله، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.

وحكى المفتى السابق، موقف سيدنا عثمان بن عفان لما حقق مع سارق فسأله: أسرقت؟ وقبل أن يجيب السارق، قال له سيدنا عثمان: قل لا، فقال السارق: لا لم أسرق، فأمره بن عفان بالذهاب" منوهًا أن سيدنا عثمان يفهم عمق الدين الذى لا يحث على إراقة الدماء وإنما الحدود للترهيب من الذنوب.

وأشار إلى أن النبى أخبرنا إلى أنه عدم انقطاع الخلافة ألا نحاول أن نظهر خليفة بعده لأن الأمة ستكون بعدها فى حالة ضعف، فإذا حاولت سيكون الخليفة ألعوبة فى يد الأعداء ومعه بالتالى أمته، وهذا ما حدث فى أيامنا مع من زعموا إقامة الخلافة.

وقال جمعة، إن هناك دعوات تتردد عن الفوضى البنَّاءة، وهي في حقيقتها فوضى هدامة، وطريق مُظلم قد أثبتت الأيام ظلامه وظلمه، ولم يحقق أي نتيجة حتى الآن.

وأضاف، أنه إذا كانت الفوضى الخلاقة هذه تحلو لبعض النماذج المعرفية، أو تكون قد نجحت عند بعضهم في حياتهم الشخصية خاصة في زيادة رفاهية تصل إلى حد الفساد في الأرض، وإلى إهلاك البيئة، وإلى عدم مراعاة الأجيال المستقبلية، فإنها لا تصلح مع أصحاب القيم والقضايا ولا مع أصحاب الإيمان.

أوضح أنه في مقابل هذه الفوضى تبنت حضارة الإسلام نظامًا آخر نجح أمامنا في تجارب الأمم فعمَّر الأرض، وتقوَّى به الإنسان وتعلم، وهو: «التقشف البناء»، وأمامنا تجربة بلد كبير في عدد سكانه كالهند الذي وصل إلى أكثر من مليار نسمة، والصين الذي وصل إلى أكثر من مليار ونصف المليار نسمة، وهما قد وصلا إلى مصاف الدول النووية، وأمامنا كذلك تجربة ماليزيا، ومن قبل تجربة اليابان، وتجربة ألمانيا وهذه الدول قد حققت الاكتفاء الذاتي، وأحدثت أيضًا في نفس الوقت عن طريق التقشف البنَّاء نوعًا من أنواع الرفاهية والحياة الكريمة لشعوبها.

وبيّن أن مفهوم التقشف البناء ليس مبنيًا أساسًا على ترك الدنيا، بل على عدة عوامل نذكر منها: حسن استغلال الموارد، وترتيب الأولويات، والعدالة في التوزيع، ورسم الاستراتيجية المستقبلية.. وهذه الأسس الأربعة لها طريق واضح مبني على عدة آليات أساسية منها: التخطيط وحسن الإدارة، والثورة التعليمية، والحرية السياسية، والاستفادة من التجارب الإنسانية، والاستمرار في الهوية الوطنية. وهذه الأسس والآليات جوهر بناء إنسان الحضارة وترتيب عقله وتأصيل منهج تفكيره وسلوكه.

وأكد المفتي السابق، أن التقشف البناء لا يعني أبدًا عدم وجود مشكلات في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يعني أيضا أنه كالعصا السحرية ينقل المجتمع بين عشية وضحاها إلى المدينة الفاضلة، لكنه يعني أنه نمط حياة، وأسلوب إنساني قد نجح في تحصيل القوة والعزة لأفراد مجتمعه، وساعدهم على بناء حضارة قوية تسهم في عمارة الكون.

وأكد، أن ظاهرة العنف من المشكلات العصيبة التي يجب على المجتمعات البشرية مواجهتها والقضاء عليها في مهدها قبل بناء حضاراتهم.

وأضاف، أن نصوص الكتاب والسنة حثت على ترسيخ فضيلة التسامح والعفو للقضاء على العنف في دعوة حثيثة للمؤمنين للتخلق بها، ومن أمثلة تلك النصوص أمر الله تعالى نبيه ﷺ بالصفح؛ حيث قال: «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» وأمر الله تعالى رسوله ﷺ بالعفو عن المؤمنين فقال: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ».

وتابع: وبيّن ربنا أن العفو وسيلة لتحصيل عفو الله ورحمته عن الإنسان فقال سبحانه: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، وأثنى الله على العفو ومن يتخلق به فقال تعالى: «وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ» وقال: «وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ».

وأكمل: أمرنا رسول الله ﷺ بالعفو والتسامح وجعلهما عنوانا لحضارة الإسلام، فلا حضارة بلا عفو ولا تقدم بلا تسامح، منوهًا بأن أشكال العفو والتسامح كثيرة، فأمرنا ﷺ بصلة الأرحام، وعلى رأسها نجده يوجه الزوج فيقول: «خيركم خيركم لنسائه وبناته» (رواه البيهقي في الشعب) ووصفته السيدة عائشة رضي الله عنها: «أنه كان في مهنة أهله» (رواه البخاري) أي أنه كان ﷺ يقوم بمساعدة الزوجة في مهامها، تعليمًا لأمته كيف يتعاملون داخل الأسرة، ويقول أنس بن مالك: (خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين، والله ما قال لي أفًا قط، ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟) (رواه البخاري ومسلم) وأمر الزوجة بأن تجعل علاقتها مع زوجها علاقة ربانية، تطلب بها ثواب الله قبل كل شيء، وترجو منه سبحانه وتعالى أن يأجرها في الدنيا والآخرة على ما قد تصبر عليه، قال تعالى: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ».

وقال مفتي الجمهورية السابق، إن الاحتفال بعيد الأم أمر جائز شرعًا، لا مانع منه ولا حرج فيه، والفرح بمناسبات النصر وغيرها جائز كذلك، والبدعة المردودة المحرمة إنما هي ما أُحدث على خلاف الشرع، أما ما شهد الشرع لأصله فإنه لا يكون مردودًا، ولا إثم على فاعله.

وأضاف، أن الإسلام كرم الوالدين وجعلهما الله تعالى سببًا في وجود الأولاد، وقرن شكرهما بشكره؛ فقال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ»، كما جعل الله تعالى الأمر بالإحسـان إليهما بعـد الأمـر بعبادته سبحانه وتعالى، فقال تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا»، وكان ذلك لأن الله تعالى جعلهما السبب الظـاهر في الإيجاد فكانا أعظـم مظهر كوني تجلت فيه صفة الخلق.

وأشار إلى أن النبي صلي الله عليه وسلم جعل الأم أولى الناس بحسن الصحبة، بل وجعلها مقدمة على الأب في ذلك؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: « ثُمَّ أَبُوكَ ».

وألمح إلى أن الشرع الإسلامي يقرر أن العلاقة بين الولد وأمه علاقة عضوية طبيعية؛ فلا تتوقف نسبته إليها على كونها أتت به من نكاح أو سفاح، بل هي أمه على كل حال، بخلاف الأبوة التي لا تثبت إلا من طريق شرعي.

ولفت المفتي السابق، إلى أن من مظاهر تكريم الأم الاحتفاءَ بها وحسنَ برها والإحسان إليها، وليس في الشرع ما يمنع من أن تكون هناك مناسبة لذلك يعبر فيها الأبناء عن برهم بأمهاتهم؛ فإن هذا أمر تنظيمي لا حرج فيه، ولا صلة له بمسألة البدعة التي يدندن حولها كثير من الناس؛ فإن البدعة المردودة هي ما أُحدث على خلاف الشرع؛ لقوله صلي الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ».

وأوضح: أن النبي -صلي الله عليه وسلم- أقر العرب على احتفالاتهم بذكرياتهم الوطنية، وانتصاراتهم القومية التي كانوا يَتَغَنَّوْنَ فيها بمآثر قبائلهم وأيام انتصاراتهم، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم :«دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان بغناء يوم بُعاث»، وجاء في السنة أن النبي صلي الله عليه وسلم : «زار قبر أمه السيدة آمنة في أَلْفَيْ مُقَنَّع، فما رُؤِيَ أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ».

ونبه على أن معنى الأمومة عند المسلمين هو معنًى رفيع، له دلالته الواضحة في تراثهم اللغوي؛ فالأم في اللغة العربية تُطلق على الأصل، وعلى المسكن، وعلى الرئيس، وعلى خادم القوم الذي يلي طعامهم وخدمتهم، وهذا المعنى الأخير مروي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه - وهو من أهل اللغة - قال ابن دُرَيد: وكل شيء انضمت إليه أشياء من سائر ما يليه فإن العرب تسمي ذلك الشيء «أمًّا»، ولذلك سميت مكة «أم القرى»؛ لأنها توسطت الأرض، ولأنها قبلة يؤمها الناس، ولأنها أعظم القرى شأنًا.

وقال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن النبي ﷺ أوصانا أن نبر الوالدين حتى بعد انتقالهما.

وأضاف «جمعة» في إجابته عن سؤال: «كيف يبر الشخص أمه التي فقدها وارتحلت إلى دار الحق؟»، أنه من البر للأم وهي في دار الحق بعد موتها قد يقوم الإنسان بشراء سرير في مستشفى من المستشفيات في الجمهورية، ويوقف هذا العمل بأجره على أمه، وقد يوقف بعض المال نفقة على سرير في مستشفى من المستشفيات التي تعالج المرضى بنية الوقف والأجر لأمه؛ فهذا من أنواع البر بالأم بعد مماتها، وكل هذا لو بحثنا عنه لوجدناه مشروعًا في المحجة البيضاء سنة النبي ﷺ.

وتابع: ونجد أن النبي ﷺ بر أمه بزيارته لقبرها بعد وفاتها، وبره للسيدة خديجة وإن كانت زوجته إلا أنه علل قبل ذلك عندما سئل فقال "رزقني الله منها الولد".