أستاذ بالأزهر: تجديد الخطاب الديني ليس تغييرا للثوابت لكنه أسلوب لمخاطبة الناس.. وحرق كتب التراث أمر خطير.. ويجب توافر مؤهلات الاجتهاد فى من يتولى الفتوى.. ومواقع التواصل تخدم ولكن ضررها أكبر

• أستاذ بالأزهر فى حواره لـ"صدى البلد":
• رمضان ليس للنوم والكسل عن العمل ولكنه شهر الانتصارات والجدِ
• لا مانع من مشاهدة الأعمال الفنية الهادفة فى رمضان وغير كذلك لا يصح مشاهدتها
• تجديد الخطاب الديني ليس تغيير للثوابت ولكن تغيير وسائل مخاطبة الناس بأمور الدين
• لابد أن يكون هناك دورات تدريبية للمقبلين على الزواج حتى يعرف كل واحد حقوقه
• ختان الإناث مكرمه لمن تحتاج اليه ومرتبطة بالشرع وبالطب

أكد الدكتور محمد نصر اللبان، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر ووكيل كلية الدراسات العليا بأصول الدين، أن مفهوم تجديد الخطاب الديني ليس معناه تغيير الثوابت، فالثوابت لا تتغير أما الذى يتغير فهو وسائل مخاطبة الناس بأمور الدين، ناصحًا القائمين على البرامج الدينية، خاصة فى رمضان، أن يوضحوا الدين بالأسلوب الحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة وبالمجادلة بالتى هى أحسن لأن الله عز وجل هو أمر كل من يتصدى للدعوة الإسلامية أن يكون كذلك فى قوله تعالى "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، وعلى من يتكلم فى الدين أن يكون قدوة بأخلاقه وأفعاله وسلوكه قبل كلامه.

وقال "اللبان"، فى حواره مع «صدى البلد»: "أقترح أن تكون هناك دورات تدريبية للمقبلين على الزواج حتى يعرف كل من الطرفين ما له وما عليه، وذلك للحد من مشكلة الطلاق التى انتشرت فى الآونة الأخيرة"، مشيرا إلى أن حرق كتب التراث الإسلامي أمر خطير جدا.

بداية.. كيف نستثمر خيرات شهر رمضان؟
شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذى صرح الله به فى القرآن فى قوله تعالى "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ"، وسبب التصريح بشهر رمضان لأنه ما فُضِلّ إلا بسبب نزول القرآن، والسبب فى أن رمضان هو سيد الشهور أن القرآن نزل فيه، والسبب أيضًا أن ليلة القدر هى سيدة الليالى لأن الله عز وجل أنزل القرآن فى ليلة القدر برمضان، فالقرآن الكريم رفع رمضان ورفع ليلة القدر فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ  أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ".

لذا يجب أن نستثمر خيرات شهر رمضان بقراءة القرآن، ولكن لا تكفى القراءة وحدها فقط، فيجب أن يكون القراءة ثم التدبر ثم العمل أفلا يتدبر، فضلًا عن أن رمضان شهر الانتصارات، فرمضان ليس للنوم فى نهاره أو الكسل عن العمل ولكنه شهر الجِد والعمل، فمعظم انتصارات المسملين كانت فى رمضان غزوة بدر وفتح مكة كذلك هو شهر الانتصار على النفس أولًا لقول الله تعالى فى الحديث القدسي "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"، فيعلم الإخلاص وتربية الإرادة والجود والكرم والبعد عن المعاصى وقراءة القرأن وتدبره والعمل بما ورد فى القرآن.

حكم مشاهدة الأعمال الفنية فى رمضان؟
الأعمال الفنية التى تشتمل إبداعا وأهدافا يجب أن يراها الإنسان ويتعلم منها، فلا مانع من مشاهدة الأعمال الفنية الهادفة، أما الأفلام والمسلسلات غير الهادفة والتى بها خروج عن الضوابط الشرعية فلا يصح مشاهدتها.

كيف ترى الجهود المبذولة فى تجديد الخطاب الديني؟ وما نصائحك للمجددين؟ وهل محتوى البرامج الدينية الأن يجدد الخطاب الديني أم لا؟
مفهوم تجديد الخطاب الديني ليس معناه تغيير الثوابت، فالثوابت هى أمور ثابتة لا تتغير، أما الذى يتغير هو الوسائل لمخاطبة الناس بأمور الدين، فهناك وسائل جديدة ينبغي أن تستخدم فى توصيل الدين للناس، فالمتغيرات فى الدين كالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان وأحوال الإنسان، أما الثوابت لا تتغير العقيدة والصلوات كل هذا لا يتغير إنما هناك قضايا فرعية تتغير بتغير الزمان والمكان، والمشكلة التى تواجه الناس فى تجديد الخطاب الديني هو سوء الفهم، وسوء الفهم هذا ليس من عامة الناس فقط بل من بعض العلماء الذين لا يفهمون الدين فى ضوء المقاصد التى جاء من أجلها.

وأنصح القائمين على أمر الدين أن يوضحوا الدين بالأسلوب الحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة وبالمجادلة بالتى هى أحسن لأن الله عز وجل هو الذى ونبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) أمر كل من يتصدى للدعوة الإسلامية أن يكون كذلك فى قوله تعالى {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وعلى من يتكلم فى الدين أن يكون قدوة بأخلاقه وأفعاله وسلوكه قبل كلامه {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وقوله تعالى أيضًا {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ الله أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.

البعض يطالب بحرق كتب الترث الإسلامي، فما خطورة ذلك؟
هذا أمر خطير جدا، فالإنسان عدو ما يجهل والتراث الإسلامي لا يمكن لأى أحد أن يفهمه فهناك مفاتيح للفهم إن لم تكن هذه المفاتيح موجودة عند من يقرأ، فلا يمكن أن يفهمها فليس البديل حرق هذه الكتب لأن الكثير لا يفهمها، فكتب التراث لا يعرف منزلتها وقيمتها إلا أصحابها المتخصصون فيها، فضلًا عن أن التراث الإسلامي مجد للإمة الإسلامية فهناك تنوع فى الأفكار والعقول، فحرق هذه الكتب لا يقوله إلا أعداء التراث ولأنهم لا يفهمونه فيكف يعرفون أهمية التراث الإسلامي.

ما تعليقك على القرار التونسي بإلغاء قانون يمنع زواج المسلمة من غير المسلم؟
القرآن الكريم هو المشرع، فالمسلم له أن يتزوج المسلمة وأيضا الكتابية لكن المسلمة لا تتزوج من غير المسلم لأن الإسلام يعلُو ولا يُعلو عليه، والذى يملك التحليل بأن هذا حرام وهذا حلال هو الله عز وجل لقوله تعالى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ}، والذى بلغنا بهذا هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقوله تعالى {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ}، فعقل الإنسان محدود والدليل على ذلك أقرب الأشياء إلى الإنسان لا يعرفها وهى «الروح»، فهؤلاء الذين وصلوا إلى الفضاء وإلى أدق العلوم لا يعرفون حقيقة الروح مما تتكون لقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.

ما تعليقك على اقتصار الفتوى على أشخاص محددين من قبل مؤسسة الأزهر؟
الفتوى إذا تحققت لها المؤهلات فى الشخص الذى يتصدر لها فله أن يُفتى وإذا لم تتحقق فليس له أن يُفتى والأزهر لم يحدد أناس بعينهم للفتوى فمن تتوافر فيه مؤهلات الاجتهاد والفتوى هو من يتصدى للفتوى، فالمعيار ليس فى الاسم ولكن المعيار فى الشروط والمؤهلات التى تؤهل الشخص للفتوى.

كيف نسيطر على ارتفاع نسب الطلاق فى المجتمع؟
والحياة الزوجية تبدأ بكلمة وتنتهى بكلمة ولكن ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق، وكلمة الطلاق يجب أن لا يتلفظ بها الزوج إلا فى حالة واحدة وهى إذا استحالت الحياة الزوجية بينه وبين زوجته وكذلك المرأة كرمها الإسلام وعظمها وأعطى لها حقًا إن لم تجد من نفسها قدرة على مواصلة الحياة، ففى هذه الحالة تخلع نفسها فكما أعطى الله عز وجل للزوج حق الطلاق أعطى للمرأة حل الحياة الزوجية بالخلع، لكنه لا يجوز استخدام "الخلع أو الطلاق" إلا فى مواضعه لأن ذلك يترتب عليه ظلم إما للنفس أو للغير.

ماذا عن نص الدين فيما يخص حرية الفكر والعقيدة؟
من عظمة هذا الدين أنه دعا إلى الفكر فى قوله تعالى "أفلا تتفكرون، أفلا تعقلون، أفلا تعلمون"، كذلك هناك حرية فى العقيدة لأنه ليس هناك تعقيد، فقد ذم الله التقليد والمقلدين فى الدين كما يؤمن بالله لأن أبويه يؤمنون بالله وذلك فى قوله {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} فالله عز وجل ذم هؤلاء لكن الإسلام يقول لا إكراه فى الدين فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فينبغي أن ينظر الإنسان منا إلى كون الله وإلى نفسه وفى الأرض والسماء، فينبغي أن يكون إيمان الإنسان عن تفكير وتعقل وتدبر وفى نفس الوقت ليس هناك إكراه أو انتشار للإسلام بالسيف كما يدعى أعداء الإسلام.

هل قانون الفتوى الجديد سيحد من الفتوى الضالة والمتشددة؟
نشأ فى هذا العصر أناس لا يعرفون قواعد ومصطلحات الدين ولا أصول فقه ولا علوم قرأن ولا ضوابط الفهم ويتصدون للفتوى، فينبغي ان يكون هناك وقفة يقرر فيها ان العالِم المؤهل هو الذى يتصدى للفتوى اما هؤلاء الذين لا علم لهم فليس الدين مجرد بعض الكتب يقرأها الإنسان فهناك فرق بين من يدرس ومن يقرأ بين من يفني عمره فى التدريس فى كتب الشريعة وبين من يأتى بكتب للقراءة.

ما رأيك المعلن فى إعطاء المرأة نصف دخل الرجل إذا طلقها؟
توجد قواعد وضعها الإسلام للمرأة المطلقة، فقد حدد لها حقوقها كمؤخر المهر ونفقة العدة ونفقة المتعة، فضلًا عن الأشياء التى دخلت بها كاملةً، ولكن ليس من ضمن الحقوق نصف دخل الرجل فهذا أمر غير شرعي.

هل ختان الإناث حرام شرعا؟
الختان عموما مكرمة، أى فضيلة لمن تحتاج إليه، ولكن المسألة لا ترتبط بالشرع فقط ولكنها ترتبط بالطب أيضا، فكما قال الأطباء هناك بعض الفتيات يحتجن إلى هذا والبعض لا يحتجن، فالقضية هنا مرتبطة بالشرع وبالطب ولابد لمن يقوم هذه العملية أن يكون طبيبا مسلما يتصف بالعدالة.

هل القوانين وحدها هى التى تواجه ظاهرة التحرش؟
لا، يجب على الإنسان أن يكون لديه مراقبة ذاتية على نفسه، فلو يعلم أن الله عز وجل يراقبه فى كل حركاته ما فعل معصية "والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

هل مواقع التواصل الحديثة تخدم المجتمع؟
تخدم ولكن للأسف الشديد ضررها أكبر من نفعها، فكثير من حالات الطلاق التى فى عصرنا الحالى سببها مواقع التواصل الاجتماعى، فهى نعمة ولكن سوء استخدامها هو السبب.

هل هناك مقترحات قوانين تنوى تقديمها؟
نريد قوانين تضبط الأخلاق الموجودة فى عصرنا الحالى والإعلام، قوانين تؤدي بنا إلى غرس القيم والسلامة والأخلاق فى المجتمع.