الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لبنان: غموض حول موعد تشكيل الحكومة وسط تشبث الفرقاء

الحريري
الحريري

على الرغم مما شهدته الساحة السياسية اللبنانية من تسارع كبير خلال الأيام الثلاثة الماضية، كان ينبئ بولادة الحكومة (الثالثة) لسعد الحريري، والتي تستعجل جميع القوى والتيارات والأحزاب السياسية تشكيلها، غير أن خلافات الفرقاء (المؤثرين) وتشبثهم بمطالب محددة على صعيد حجم وتوزيع الحقائب الوزارية ونوعيتها، من شأنه تأخير ولادة الحكومة خلافا لرغبة "الحريري" لوقت غير محدد.

ويبرز في هذا الإطار المعطل لتشكيل الحكومة ، الصراع المعقد على الحصص الوزارية في ما يتعلق بالحصة المقررة لرئيس الجمهورية بحسب العرف، سواء على مستوى قبولها من الأصل أو من حيث توزيع الحقائب بتلك الحصة، وكذلك حصص الفريقين المسيحيين الأكبر تمثيلا وهما التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، وعقدة تمثيل الطائفة الدرزية بالحكومة، وكذلك تمثيل الطائفة السنية من خارج كتلة المستقبل وتحديدا الوزراء السنة الأقرب إلى تحالف 8 آذار .

ويضاف إلى هذه التعقيدات الصراع المحموم بين جميع القوى على الوزارات ذات الثقل، خاصة تلك التي ترتبط بالمواطنين وتتداخل مع مصالحهم بشكل مباشر، وفي مقدمتها وزارات الدفاع (كوزارة سيادية) والشئون الاجتماعية والصحة والتربية والتعليم والاتصالات والأشغال (والأخيرة محل طلب من معظم القوى) كوزارات خدمية .

ويعد العائق الأكبر وسط هذه العقبات، العقدة المسيحية – المسيحية بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، حيث يرغب الأخير بالحصول على منصب نائب رئيس الحكومة (والذي يشغله حاليا الحزب ممثلا في وزير الصحة غسان حاصباني) أو الحصول على وزارة سيادية وعلى وجه الخصوص وزارة الدفاع ضمن الحقائب المخصصة له والتي تتراوح ما بين 4 إلى 5 حقائب.

ووسط تمسك حزب القوات بزيادة عدد (ونوعية) الحقائب الوزارية له، تماشيا مع حجمه الذي أفرزته الانتخابات النيابية الأخيرة، صعد "التيار الوطني الحر" من مطالبه مؤكدا أحقيته بضعف عدد الحقائب التي سيحصل عليها "القوات" باعتبار أن التيار هو صاحب التمثيل الأكبر في مجلس النواب من خلال تكتله النيابي (تكتل لبنان القوي) .

ويأتي في خضم هذا التصعيد المسيحي – المسيحي، حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الزعيم التاريخي للتيار الوطني الحر، والتي تضم 3 وزراء، وهو الأمر الذي يوجد صعوبة في توزيع المقاعد المسيحية البالغ عددها 15 مقعدا داخل الحكومة التي أعلن رئيسها المكلف سعد الحريري أنها ستكون حكومة من 30 وزيرا، في ظل وجود تيار المردة (المسيحي) الذي يطالب بأحقيته في بقاء حقيبة الأشغال بحوزته أو الحصول في مقابلها على حقيبة خدمية مماثلة على نفس الدرجة من الأهمية.

كما يستند حزب القوات اللبنانية في تمسكه بالحقائب الوزارية من حيث العدد، إلى اتفاق (معراب) الذي دعم بموجبه "القوات" تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية، في مقابل التساوي في الحصص الوزارية بين القوات والتيار الوطني الحر.

ويضم ملف الأزمات القوية أيضا إصرار زعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، على أن يكون الوزراء الثلاثة الدروز بالحكومة، من حصة تكتله النيابي (اللقاء الديمقراطي).. في حين يطرح التيار الوطني الحر تسمية وزير المهجرين بحكومة تصريف الأعمال النائب طلال أرسلان (وهو أحد الزعامات الدرزية) في الحكومة المقبلة، وذلك خصما من الحصة الدرزية بالحكومة، استنادا إلى معيار يقوم على أن لكل 4 نواب – وزير. 

وبينما يرفض "جنبلاط" بصورة قاطعة هذا الطرح بتوزير "أرسلان" ظهرت مقترحات أخرى لفك "العقدة الدرزية" إما أن يكون الوزير الثالث من ضمن حصة رئيس الجمهورية بالشراكة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، أو بتعيين وزير (درزي) وسطي بين جنبلاط وأرسلان.

وتبدو أقل المعضلات أمام التشكيل الوزاري، رغبة الفريق السني المعارض لتيار المستقبل وسعد الحريري في التمثيل بحقيبة وزارية، حيث يرفض "الحريري" بشكل كامل وحاسم التنازل عن حقيبة سنية لصالح سنة (8 آذار) الذي استطاعوا الحصول على عدد من المقاعد في الانتخابات النيابية.

من ناحية أخرى، تصاعدت شهية الفرقاء السياسيين على الوزارات الخدمية والتي يرتبط النجاح فيها باكتساب شعبية وقوة جماهيرية في الشارع اللبناني، حيث يتمسك حزب الله بالحصول على حقيبة الصحة على الرغم من كونها وزارة ترتبط ارتباطا وثيقا بجهات مانحة دولية وعربية تحتفظ بموقف سلبي تجاه الحزب، إلى جانب رغبة حركة أمل في الحصول على حقيبة الأشغال، وتيار المستقبل على حقيبة الاتصالات.

ومن جانبه لا يزال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري محتفظا بدرجة من التفاؤل في التصريحات الإعلامية التي يدلى بها بين الحين والآخر حينما يتم سؤاله عن تشكيل الحكومة، حيث تؤكد مصادر أنه يطرح العديد من الأفكار البديلة في محاولة لفك العقد بين التيارات والقوى السياسية المتصارعة، وإحداث التوازن الطائفي والسياسي المطلوب في التشكيلة الحكومية على نحو يمكنه من تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة دوليا لدعم لبنان اقتصاديا، وهي حزمة الإصلاحات التي طرحها لبنان خلال مؤتمرات روما وباريس وبروكسيل.

ومنذ أن تم تكليف "الحريري" في 24 مايو الماضي بتشكيل الحكومة وهو يؤكد على مجموعة من الخطوط العريضة التي تمثل خريطة الطريق في عمله وفي مقدمتها أن يتم استعادة الثقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، داخليا أمام الرأي العام اللبناني وخارجيا أمام الدول والجهات والمؤسسات الداعمة لاقتصاد للبنان، ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والوطنية، وإجراء الإصلاحات الإدارية وإيقاف الإهدار المالي بالمؤسسات العامة واسترجاع هيبة الدولة، وتأمين الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومعالجة أعباء النزوح السوري، واختيار فريق حكومي للعمل والانجاز وليس للاشتباك السياسي.