الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى رحيل ميخائيل شولوخوف.. الكاتب الذي اختار العزلة وأحرج النظام السوفيتيIنوستالجيا

صدى البلد

تحل اليوم ذكرى رحيل الأديب الروسي ميخائيل شولوخوف، والذي ولد في 24 مايو 1905 لأب مزارع وأم أوكرانية وتوفي في 21 يناير 1984، وقد حصل شولوخوف على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1965 وكانت روايته الفائزة بجائزة نوبل هي الدون الهاديء.

 لم يكمل شولوخوف دراسته الابتدائية، إذ عاش حتى سنة 1924 في إقليمه حيث كانت المنطقة تحت سيطرة الجيش الأبيض الذي أراد أن يطيح بثورة البلاشفة. وفي سنة 1924 سافر إلى موسكو ليجرب حظه في الكتابة والنشر، إذ أراد التعرف على الأوساط الأدبية هناك، وبعد عامين اي في عام 1926 تحديدا عاد إلى موطنه الأصلي ولم يفارقه حتى مماته. وفي نفس العام ظهرت مجموعته القصصية الأولى، وبعدها انضم إلى الحزب الشيوعي السوفيتي عام 1932، وفي عام 1934 أصبح عضوا في اتحاد الكتاب، وكتب روايته الدون الهادئ في الفترة ما بين 1928 ـ 1940 كما صدر الجزء الأول من الرواية عام 1928 وانتظر القراء 12 عاما ليكمل شولوخوف روايته الملحمية. أما روايته الثانية فهي "الأرض الطيبة" أو "الأرض البكر" واستغرق في كتابة فصولها لنحو 18 عاما، وهي تحكي عن تجربة تحويل الريف الروسي إلى الزراعة الجماعية. كما كتب شولوخوف فصول من رواية لم تكتمل عن حرب الشعب الروسي ضد الفاشية بعنوان "حاربوا في سبيل الوطن"

تم الاحتفاء بـ "شولوخوف" بشكل جيد داخل مصر، إذ إنه في نهايات عام 2021 كشفت نقابة الفنانين التشكيليين، إزاحة الستار عن تمثال الكاتب الروسى ميخائيل شولوخوف، ووضع التمثال أمام استاد الإسكندرية، بحضور أعضاء الجالية الروسية ومدير المراكز الثقافية الروسية فى مصر، ويرجع تصميم تمثال الكاتب الروسى ميخائيل شولوخوف للدكتور أسامة السروى..

ونشأ شولوخوف في كنف عائلة من المزارعين، كان والده ألكسندر شولوخوف تاجرًا، أما والدته أناستازيا تشيرنيكوفا فكانت امرأة قوقازية، وتشير بعض المصادر إلى أن الوالدة كانت أمية، غير أنها تعلمت القراءة والكتابة في سن الأربعين كي تتمكن من التواصل مع ابنها، حرص الوالدان على أن يحظى ميخائيل بتعليم لائق، وكانا يمتلكان الرغبة والأموال اللازمة لتحقيق هذا الأمر، ودرس الفتى شولوخوف في مدارس مختلفة وفي مدن مختلفة، وعندما بلغ من العمر 17 عامًا، عمل حمّالًا، وعامل بناء، ومحاسبًا وحتى معلمًا في مدارس محو الأمية.

الكاتب العراقي جودت هوشير كتب من قبل مقالا مطولا بعنوان: “كيف فضح ميخائيل شولوخوف نفسه أمام كتاب أوروبا؟”، إذ أوضح أن جمعية الكتّاب الأوروبيين عقدت ـ التي كانت تضم في صفوفها أكثر من 1500 كاتب من 26 بلدا أوروبيا ، بمن فيهم كتّاب من الدول الاشتراكية ـ مؤتمراً في لينينغراد من الخامس إلى الثامن من أغسطس عام 1963، تحت عنوان «مشكلات الرواية المعاصرة» وقد حضره كبار الروائيين الأوروبيين، بينهم عدد من الحاصلين على جائزة نوبل في الأدب.

شائعات قوية

وضم الوفد السوفييتي – الذي كان أكبر الوفود عدداً – 35 كاتباً من كبار الكتّاب والنقّاد السوفييت (ايليا أيرنبورغ ، ألكسندر تفاردوفسكي، بوريس سوتشكوف، يوري نجيبين، يوري بونداروف، كونستانتين سيمونوف، يوري تريفنوف، فاسيلي أكسيونوف) والعديد من المسؤولين عن الثقافة في ذلك الوقت. وبإشراف عضو المكتب السياسي للحزب ليونيد أيليتشوف. كانت الصحف السوفييتية المركزية، خاصة «الصحيفة الأدبية» تنشر تقارير ضافية عن أعمال المؤتمر، ولقاءات مع ألمع الروائيين الأوروبيين. كما كان التلفزيون الرسمي ينقل مشاهد حية من داخل المؤتمر ومقتطفات من كلمات الروائيين السوفييت والأجانب .وقد تردد في أروقة المؤتمر أن (عميد الأدب السوفييتي ) ميخائيل شولوخوف سيحضر المؤتمر أيضاً.

بعد نشر الجزء الأول من رواية «الدون الهادئ» عام ،1928 انتشرت في موسكو شائعات قوية مفادها أن شولوخوف سطا على مخطوطة الرواية العائدة لكاتب قوزاقي قتل خلال الحرب الأهلية في روسيا، واضطر شولوخوف إلى الهروب من الشائعات التي حاصرته في موسكو، وعاش عشرات السنين منعزلاً في بلدة «فيشينسكايا» في شمال منطقة روستوف، لا يظهر في الأماكن العامة، ولا يخالط الوسط الأدبي الروسي، ولا يستقبل أي أديب أو صحفي أو زائر أجنبي، إلا نادراً. وكل من نجح في لقائه من الأدباء الكبار، أو زاره في بيته، ندم على ذلك أشد الندم، وخاب ظنه في الروائي «العبقري» الذي كان مدمنا على شرب الفودكا والكونياك وثملا في أغلب الأوقات، وليس على مكتبه أي أوراق أو مسودات أو كتب .

كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، لكنه لم يكن قادرا على إعداد كلمة تليق بكاتب كبير، حيث كان هناك من يكتب له الكلمة التي سيلقيها في هذه المناسبة أو تلك. وذات مرة وبعد أن ألقى كلمة في أحد المؤتمرات الحزبية، كتب رسالة إلى عضو اللجنة المركزية ليونيد أيليتشوف يقول فيها: «سأتقاسم التصفيق معك، أنا بصفتي ملقيا للكلمة وأنت بصفتك معدا لها».

وفي مناسبة أخرى حضر شولوخوف مؤتمرا حزبيا، فدعاه نيكيتا خروشوف، الذي كان يرأس الجلسة – إلى إلقاء كلمة في المؤتمر، فارتبك، ومع ذلك، صعد المنبر وقد انعقد لسانه. ثم ردد متلعثماً عدة كليشيهات أيديولوجية عن حزبية الأدب والأدب البروليتاري، دون أن يقول شيئا جديدا مختلفا عن الدعاية السوفييتية.

 

لكن ما حدث في مؤتمر الكتّاب الأوروبيين في لينينغراد لم يكن متوقعا قط. وقد تحدث فاسيلي أكسيونوف عن هذا المؤتمر في إحدى محاضراته التي ألقاها في جامعة جورج واشنطن عام 1982، بعد هجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، جاء فيها: «أشيع في أروقة المؤتمر أن شولوخوف وصل لينينغراد وسيلقي كلمة مهمة عن مشكلات الرواية المعاصرة. كان الكتّاب الأوروبيون ينتظرون بلهفة حضور «عميد الأدب السوفييتي» وسماع كلماته الحكيمة ومعرفة وجهة نظره حول طرق معالجة تلك المشكلات. وكانوا يتساءلون في ما بينهم في شيء من القلق ـ هل سيحضر شولوخوف حقا؟».

كان أعضاء الوفد السوفييتي يعرفون أن شولوخوف وصل لينينغراد، وأنه يقبع في غرفته في فندق «استوريا» ويشرب الفودكا بإفراط، وأن كل فريق اللجنة المركزية للحزب لا يستطيع إقناعه بالإقلاع عن الشرب. ومن غير الممكن أن يقف وراء الميكرفون، لأنه سيترنح حتما، ويسقط أرضا إن حاول ذلك.

وكان الكتّاب السوفييت المشاركون في المؤتمر يعلمون أيضاً، أن مرافقي شولوخوف سوف يغسلونه بالمياه الباردة حتى يصحو، ثم يساعدونه في ارتداء ملابس أنيقة لائقة ويرافقونه إلى قاعة المؤتمر .كل هذا كان معروفا لأعضاء الوفد السوفييتي فقط، ولم يكن الكتّاب الأجانب على علم بذلك، ومعظمهم كان مخدوعاً بالدعاية السوفييتية التي تسبغ هالة العظمة والعبقرية على العميد المزعوم .

وأخيرا ظهر شولوخوف على المنصة في اليوم الأخير للمؤتمر. حبس الحضور أنفاسهم، وساد الصمت المطبق أرجاء القاعة الفسيحة، بحيث كان من الممكن سماع أزيز طيران ذبابة. الكل جالسون بهدوء.. يرهفون السمع. ماذا سيقول الكاتب (العبقري)؟ قال شولوخوف – كما ورد في محاضر جلسات المؤتمر:

«حضرات السيدات المحترمات والسادة المحترمون، أيها الرفاق.الطقس في لينينغراد الآن حار وفظيع، أما في مورمنسك فهو بارد. لكنني أقول لكم، حتى لو انعقد مؤتمرنا هذا في مورمنسك، فإنكم ستحسون بالدفء، من دفء قلوبنا، ومن حسن الضيافة الروسية والسوفيتية. أيها الرفاق: أما ما يخص الرواية فإن هذه المسألة، غير جديرة بالمناقشة، فالرواية حاضرة.. كانت حاضرة في الماضي، وستحضر مستقبلا.. شكرا لكم».

وهكذا فإن سوء تدبير السلطة السوفييتية أدى إلى نتائج عكسية، فبدلا من ترك انطباع إيجابي عن الأدب السوفييتي، عاد الكتّاب الأوروبيون، وقد خاب ظنهم في شولوخوف، ولم يعودوا يصدقون الدعاية السوفييتية. وأدى ذلك في نهاية المطاف – علاوة على أسباب أخرى عديدة -إلى أن يتخذ معظم هؤلاء الكتّاب مواقف غير ودية إزاء النظام السوفييتي. وقد انبرى العديد منهم لاحقاً للدفاع عن الكتّاب السوفييت الأحرار، الذين حكم عليهم بالسجن لمدد مختلفة، أو أسقطت عنهم الجنسية السوفييتية (الكسندر سولجنيتسن، جوزيف برودسكي، أندريه سينيافسكي، يولي دانيال، فاسيلي أكسيونوف) وشجب وإدانة الإجراءات التعسفية ضدهم.