الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عن قرود بوتين وتسجيل إسلامها| من هي مادلين أولبرايت رائدة دبلوماسية "الدبابيس"؟

صدى البلد

توفيت وزير الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت عن عمر يناهز 84 عاما بعد صراع مع مرض السرطان. 

كانت أولبرايت ذات الأصول التشيكية هي أول امرأة تشغل المنصب في الولايات المتحدة، وكما كان لها ما يحكى عن علاقتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال فترة عملها، مثل واقعة "دبوس القرود"، كان آخر تصريحاتها السياسية عن بوتين أيضا.

وقالت أولبرايت في مقال لها بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فبراير الماضي، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيرتكب "خطأ تاريخيا" إذا استمر في غزو واسع النطاق لأوكرانيا. وأن "تأكيد السيد بوتين التحريفي والسخيف على أن أوكرانيا 'تم إنشاؤها بالكامل من قبل روسيا' وسرقت فعليا من الإمبراطورية الروسية يتماشى تماما مع نظرته المشوهة للعالم. الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لي: كانت محاولته لتأسيس ذريعة لغزو واسع النطاق".

كانت أولبرايت أول مسؤول أمريكي كبير يلتقيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد حصوله على المنصب، وقالت إنها لاحظت في ذلك الوقت أنه كان 'صغيرا وشاحبا' و 'باردا جدا لدرجة أنه يكاد يكون من الزواحف'. وقالت أولبرايت بعد اجتماعهما الأول، إنها كتبت أن بوتين 'محرج مما حدث لبلاده ومصمم على استعادة عظمتها'، في إشارة إلى سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه.

من هي مادلين أولبرايت؟

وأصبحت أولبرايت، المهاجرة القادمة من تشيكوسلوفاكيا، عام 1997 أول امرأة أمريكية تشغل منصب وزيرة الخارجية، ولدت ماريا جانا كوبيلوفا في عاصمة تشيكوسلوفاكيا براغ عام 1937، وكان والدها جوزيف كوربل موظفاً في الحكومة التشيكية في براغ، و بعد أن غزا النازيون وطنه في عام 1939، فر كوربل مع عائلته إلى لندن واستمر في العمل مع الحكومة التشيكية في المنفى حيث عمل في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الموجهة للتشيك، وبعد الحرب، عاد إلى وطنه وعمل سفيراً وأصبح فيما بعد مندوباً للأمم المتحدة للمساعدة في التوسط بين باكستان والهند حول كشمير.

ولكن مع سيطرة الشيوعيين على السلطة في تشيكوسلوفاكيا خشي كوربل مرة أخرى على سلامة أسرته، ونجح في تقديم طلب لجوء سياسي له ولزوجته وأطفالهما الثلاثة إلى الولايات المتحدة حيث حصل على منحة لتدريس السياسة في مدينة دنفر بوللاية كولورادو.

وفي التسعينيات، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن  أكثر من عشرة من أقاربها، بينهم ثلاثة من أجدادها، قتلوا خلال الهولوكوست، وهو ما كانت أولبرايت نفسها تجهله.

وقبل أن تنتقل أولبرايت إلى الولايات المتحدة في سن الحادية عشرة عاشت في عدة بلدان وكانت تتحدث أربع لغات، وقالت في مذكراتها إنها كانت تواجه صعوبة في التوافق مع المراهقين الأمريكيين الآخرين بسبب صرامة وتزمت الآباء الأوروبيين الذين كانوا في مواجهة ثقافة غريبة، وكذلك بسبب طموحها وجديتها في دراستها.

بعد المدرسة الثانوية حصلت أولبرايت على منحة دراسية لدراسة العلوم السياسية في جامعة ويليسلي النسائية الخاصة في ماساتشوستس، وهي ذات الجامعة التي درست فيها هيلاري كلينتون لاحقاً، وخلال فترة الدراسة الجامعية أصبحت أولبرايت مهتمة بالحزب الديمقراطي. والتقت خلال تلك الفترة بزوجها المستقبلي جوزيف ميديل باترسون أولبرايت، وهو ابن أسرة أمريكية شهيرة في مجال النشر. وعمل جوزيف صحفياً في صحيفة دنفر بوست المحلية بينما عملت مادلين متدربة في إخراج الصحيفة وفي غضون أسابيع عقدا قرانهما.

بعد تخرج أولبرايت من الجامعة تزوجا ورزقا في البداية بتوأم، أليس وآن في عام 1960، وتبعتهما الابنة الثالثة كاثرين في عام 1967.

واصل جوزيف مسيرته المهنية، بينما تعلمت زوجته مادلين اللغة الروسية وأكملت دراستها في العلاقات الدولية في أوقات فراغها، أولاً في جامعة جورج تاون ثم في جامعة كولومبيا بنيويورك.

وفي أواخر الستينيات عندما عادت العائلة إلى واشنطن العاصمة انخرطت أولبرايت بشكل مباشر في السياسة. عملت أولبرايت عن كثب مع سناتور ولاية ماين إد موسكي، حيث ساعدته أولاً في جمع التبرعات لخوض الانتخابات الرئاسية ثم عملت كمساعد تشريعي له. وحصلت أولبرايت في نهاية المطاف على درجة الدكتوراه في عام 1975.

وبعد بضع سنوات، عرض عليها زبيجنيو بريجنسكي، أستاذها الجامعي السابق في كولومبيا أول وظيفة لها في الحكومة، وكان الرئيس جيمي كارتر قد عين بريجنسكي مستشاراً للأمن القومي وأراد الأخير أن يساعد طالبته السابقة عبر تعيينها في وظيفة الاتصال بمجلس الشيوخ، وعندما خسر الديمقراطيون أمام المرشح الجمهوري رونالد ريجان، انتقلت أولبرايت إلى العمل في المجال الخيري. بحلول ذلك الوقت انتهت حياتها الزوجية فجأة بعد 23 عاماً. انخرطت أولبرايت في العمل، وأصبحت أستاذة العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون. وبصفتها أستاذة جامعية جعلت طلابها يلعبون أدواراً حيوية في قضايا السياسة الخارجية.

حرصت مادي على وضع النساء في الوظائف والأعمال التي يهيمن عليها الذكور، وعلمتهن أهمية التحدث بصوت عال ومقاطعة الآخرين لإسماع أصواتهن، وفي إحدى المناسبات أثارت عاصفة من الجدل عندما قالت إن إحدى المقولات المحببة لديها هي: "هناك مكان خاص في الجحيم للنساء اللواتي لا يدعمن النساء الأخريات".

المسيرة السياسية

أثناء التدريس أبقت أولبرايت إصبعها على نبض السياسة في الحزب الديمقراطي، وأصبح منزلها مركزاً اجتماعياً ومكاناً للاجتماعات السياسية، حيث عملت مستشارة للسياسة الخارجية في الحملات الرئاسية لكل من المرشحين للانتخابات الرئاسية والتر مونديل ومايكل دوكاكيس. بحسب "بي بي سي".

عندما انتخب الديمقراطي بيل كلينتون في عام 1992 رئيسا للولايات المتحدة طلب أولاً من أولبرايت المساعدة في انتقال إدارته قبل أن يعرض عليها دوراً على مستوى مجلس الوزراء كسفيرة لدى الأمم المتحدة، صادق مجلس الشيوخ على تعيينها في ذلك المنصب بالإجماع، وجاء تعيينها في وقت كانت المنظمة الدولية تمر في مرحلة مفصلية، حيث كان العالم يتعافى من تداعيات سقوط الأنظمة الشيوعية، بينما كانت الصراعات الدموية التي اندلعت في دول عدة، تمثل اختباراً لقدرة الهيئة الدولية التي كانت لا تزال تقف على قدميها.

في ذلك الوقت كانت أولبرايت المرأة الوحيدة من بين 15 مسؤولاً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد وصفت اجتماعهم الأول بأنه جمع 14 بذلة وتنورة في غرفة، وخلال عملها سفيرة في الأمم المتحدة عايشت أولبرايت ما وصفته بـ "أكبر لحظة أسف" في حياتها المهنية عندما فشل المجتمع الدولي في وقف الإبادة الجماعية في رواندا، و"ربما بفضل معرفتها الواسعة بالشيوعية والفاشية كانت من أشد المؤيدين لحقوق الإنسان وألد المعارضين للاستبداد على المسرح الدولي، حتى لو كان ذلك يعني التدخل العسكري".

وزيرة الخارجية الأولى

سيرة مادلين أولبرايت: أول وزيرة خارجية أمريكية

بعد فوز كلينتون بولاية ثانية، رشحها لمنصب وزيرة للخارجية. وقالت اولبرايت لصحيفة الجارديان في عام 2018: "عندما برز اسمي كوزيرة للخارجية بدا ذلك وكأنه أمر غير مألوف. قال الناس إن العرب لن يتعاملوا مع امرأة"، ولكن بعد تصويت آخر بالإجماع في مجلس الشيوخ أصبحت أولبرايت أول امرأة تتولى هذا المنصب.

أولبرايت ترحب بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في منزلها في جورج تاون عام 2000

أثناء توليها الخارجية دعت أولبرايت إلى زيادة نفوذ حلف شمالي الأطلسي- الناتو وساعدت في التوسط في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وشاركت بشكل كبير في المفاوضات التي فشلت في النهاية مع كوريا الشمالية بهدف الحد من طموحاتها النووية، وفي عام 2000 كانت أعلى مسؤولة أمريكية تزور كوريا الشمالية وتلتقي بزعيمها كيم جونج إيل.

التقت أولبرايت في بيونغ يانغ بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل عام 2000

وصفت "بي بي سي" أسلوب أولبرايت الدبلوماسي بـ"الجاد" و"القتالي"، ولكنها كانت أحيانا تتسم بالحدة الشديدة، فعندما  أسقطت طائرات مقاتلة كوبية طائرتين لجماعة كوبية معارضة مقرها في الولايات المتحدة، عام 1996، أظهرت التسجيلات الصوتية كلام أحد الطيارين الكوبيين وهو يتباهى قائلا: "لقد أفقدناه خصيتيه" في إشارة إلى إسقاط إحدى الطائرات.

لترد أولبرايت على ذلك لوسائل الإعلام قائلة:"إزالة الخصيتين، بصراحة ليست شجاعة بل جبن"، لتنجح ضغوطها بعد ذلك على الأمم المتحدة لتدين بشدة التصرف الكوبي حيث أثبتت البيانات الأمريكية أنه حدث في المجال الجوي الدولي، ليشيدبها كلينتون على الملأ، ويقول إن اقتباس أولبرايت لكلمة الخصية بالإسبانية ربما كان "الأكثر فاعلية" في استراتيجية إدارته على صعيد السياسة الخارجية.

رائدة دبلوماسية "الدبابيس"

لم تقتصر طريقة أولبرايت الدبلوماسية فقط على البيانات أو التصريحات أو المفاوضات في الغرف المغلقة، بل كان لها طريقتها الخاصة للغاية في إيصال الرسائل السياسية لنظرائها، وخاصة أولئك الذين كان تتسم العلاقات معهم بالتوتر أو الخصومة، ألا وهي "الدبابيس".

جاءت فكرة توظيف أولبرايت لدبابيسها في إيصال رسائل دبلوماسية من قبل "الإعلام العراقي" الذي كان يصفها بـ"الأفعى" وذلك نظرا لموقفها تجاه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بعد حرب الخليج الأولى.

كانت اولبرايت تمتلك مجموعة متنوعة من دبابيس الزينة

وقالت أولبرايت لإحدى المحطات الإذاعية الأمريكية في عام 2009: "كان لدي دبوس قديم رائع على شكل ثعبان وعندما كنا نتعامل مع العراق كنت أرتدي ذلك الدبوس".

وأضافت أولبرايت أنها رأت أن هذا تكتيك وأسلوب فعال لإيصال الرسالة التي تبتغيها للطرف الآخر، كذلك الحال مع تلك الدبابيس التي كانت على شكل سلاحف أو زهور أو بالونات كان لها تفسيرات خاصة بها.

وفي إحدى المناسبات ارتدت أولبرايت دبوساً على شكل حشرة عملاقة عندما اتضح أن الروس متورطون في فضيحة "تنصت".

وتذكرت لقاء فاتراً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ارتدت خلاله دبوساً على شكل قرد في إشارة ضمنية إلى مقولة "لا ترى ولا تتحدث ولا تسمع الشر" الممثلة بثلاثة قرود أحدهم لا يتحدث والآخر لا يرى والثالث لا يسمع، وكان الهدف إيصال رسالة إلى بوتين مضمونها أن العالم يرى ويسمع ويتحدث عما يجري في جمهورية الشيشان.

ما بعد التقاعد.. وصول ترامب للرئاسة..تسجيل إسلامها

بعد ترك منصبها في مطلع الألفية، أسست أولبرايت شركة استشارية وعملت لفترة وجيزة مديرة لمجلس إدارة بورصة نيويورك، وواصلت رئاسة مؤسسات والتحدث في المناسبات العامة وظهرت بنفسها في برامج تلفزيونية أمريكية.

كذلك أقامت علاقة وثيقة مع هيلاري كلينتون عندما كان زوجها رئيسا لدورتين وأيدتها في حملتيها الرئاسيتين عامي 2008 و2016.

واصلت أولبرايت الكتابة حتى سنواتها الأخيرة. في عام 2018 وعندما كانت في الواحدة والثمانين من العمر نشرت كتابها "الفاشية: تحذير" شجبت فيه ما رأت أنه صعود للنزعات السلطوية في جميع أنحاء العالم.

أثناء الترويج لكتابها حول العالم وصفت الرئيس دونالد ترامب مراراً وتكراراً بأنه الرئيس "الأقل ديمقراطية" الذي عرفته الولايات المتحدة على الإطلاق.

وفي يناير 2017، هاجمت أولبرايت خطة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للهجرة والتي استهدفت المسلمين إلى حد بعيد، وقالت أولبرايت بحسب "رويترز" إنها مستعدة لتسجيل نفسها كمسلمة " إذا أنشأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مثل هذا السجل في إطار خطته الخاصة بالهجرة".

وكتبت أولبرايت تغريدة على موقع تويتر تقول فيها "نشأت كاثوليكية وأصبحت أسقفية واكتشفت في وقت لاحق أن أسرتي كانت يهودية. أنا مستعدة لأن أسجل نفسي كمسلمة للتضامن إذا وصل الأمر إلى ذلك".


-