الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أهل الأعراف فى مصر


كنا صغارا حين كان رمضان يأتينا صيفا محملا بالبهجة والمتعة والبساطة. لم تكن الحياة معقده كما هو حالها الان. لم نكن نحمل في صدورنا هما ولا احزانا. كانت الضحكة تخرج من قلوبنا لا أفواهنا . كنا صغارا وكانت احلامنا صغيره وكان الكون حولنا صغير جدا وبسيط او هكذا كنا نراه ..

في الثمانينات من القرن المنقضى كان رمضان يأتينا بكل ما هو بسيط وجميل ومستصاغ ونتذكر اعلاناته الخفيفة على قلب المشاهد وعلى جيبه ايضا فأقراني بالتأكيد يتذكرون مثلى اعلانات جيلي كولا رسمة ازازة وشوكولاتة جيرسي واكله الجو ومامتي وخالتي وطنطى حريفة لبان هارتى وبنبون سيما وسر شويبس والشمعدان زى مابتحبه بيحبك كمان وكمان وربما كان اكثر تلك الاعلانات عنصريه اعلان كوتشى اميجو اللى بينور حيث كان موجه للطبقة الثرية او الفوق متوسطة لان سعره كان يصل لحوالي عشرين جنيها مصريا (أي ما يعادل ثلاثون دولار أخضر) "اه والله " مش غلطة مطبعية !

بالطبع لم تكن تلك المقدمة النوستاليجيه من باب الحنين للماضي و الحسرة عليه ولا للتنكيد على سيادتكم وتذكيركم بالذي مضى ولكن ولأنى منذ بدأ الشهر الفضيل اعانى بشدة من اكتئاب حاد وشعور بعجز كلى يزداد حدته وتتضاعف وتيرته كلما شاهدت تلك الاعلانات الطبقية جدا والتي تتحدث كلها عن مجتمع من الاثرياء ..لا بل من المليونيرات _ وحتى هذا المصطلح لا يليق ابدا حاليا_ انهم يخاطبون مجتمع من المليارديرات .. نعم مجتمعهم هذا به شعب اخر. شعب لا يعاني من أي مشاكل على الاطلاق. مصر التي في الاعلانات شعبها يتسابق لشراء فيلا بماونتن فيو سعرها عشرين مليون .. شعبها يقضى الصيف في شاليه بسيدي عبدالرحمن بينما الشتاء في لمنتجع بلو بلو في السخنة ..شعبها اخيرا وجد ضالته ووصل الى حل اعظم مشاكله المتمثل في فيلا ب 3 جناين !! ..

وعلى النقيض ولأجل اكتمال اعراض الشيزوفرينيا عند هذا الشعب تتحفنا الحكومة بحملة اعلانية توعوية بقيادة الظاهرة " بيومى فؤاد " تطالبنا فيها نحن المبذرين من ابناء الشعب المطحون بتوفير الطاقه وتحاول اقناعنا بأن "اللمبة الألاووظ " المنوره نهارا هى السبب في وصول سعر القميص ل 600 جنيه .. ولا ادرى هل اضحك ام ابكى فهذا هو الهم المضحك حين تجد اعلانات توفير الطاقه مثبته على عمدان كهرباء مضاءه نهارا.. !!

ليس حقدا ولا حسدا ولكنه فقط تسليط الضوء على ظاهرة خطيرة بدأت تنتشر وتتوغل بشدة في مجتمع يعيش اغلب مواطنيه على خط الفقر او تحته بقليل او في رحاب الفقر ذاته بينما يطفو على سطحه فئة اخرى تتزايد عددا وثروه ونفوذا وتأثيرا .. وفى ظل تلك التركيبة السكانية الجديدة بدأت رويدا رويدا تندثر تلك الطبقة المسماة بالطبقة الوسطى والتي كنت ومعى الكثير من سيادتكم ننتمى اليها حتى وقتٍ ليس بالبعيد والتي ما عاد لها وجود الان "الا قليلا" .. فكل من كانوا محسوبين على هذه الطبقة يتم توزيعهم الان وبشكل تلقائى على الطبقات الاخرى سواء الثرية والاكثر ثراءً او الفقيرة والاكثر فقرا أما أولئك المتمسكون بوسطية طبقتهم فهؤلاء صاروا اشبه بأهل الاعراف في الارض كلما صرفت ابصارهم تلقاء الطبقة الثرية يدعون ربهم ان يكونوا معهم وما ان ينظرون الى مأساة الفقراء في هذا الوطن يستعيذون بالله ان يصيروا منهم ..عسى الها ان يرحمنا واياهم من ذل العزيز ووحشة الاغتراب على ارض الوطن ...




المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط