الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الفاشوش في تاريخ "قراقوش"


الوزير قراقوش هو أحد الشخصيات التاريخية التي ارتبطت في وجدان المصريين بالظٌلم والطغيان فصار يُضرب به الأمثال حتى يومنا هذا فيُقال "حكم قراقوش" كناية عن القهر والجبروت، وهو خطأ تاريخي شائع سجلت العديد من الأبحاث العلمية تصحيحا له إلا ان مازال جمهور العوام يغفل هذه المحاولات ويصر على الظلم التاريخي للرجل كما هو الحال في جُل كتابات التاريخ الاسلامي التي اعتمدت بالاساس على الافتراءات التي جاءت بحق الرجل في كتاب كتبه "ابن مماتي"وهو خصمه السياسي إبان فترة صلاح الدين.

وكان ابن مماتي اديبا يترأس ديوان الجيش في الدولة، في حين كان قراقوش وزير صلاح الدين المُقرب، ولقد سمى ابن مماتي كتابه هذا باسم "الفاشوش في معرفة أخبار قراقوش" ثم بدأت تتناقل ما جاء فيه الاجيال تلو الاخرى وهي المشكلة التي لطالما تحدثنا عنها مرارا وهي كتابة التاريخ وفق الهوى والاهواء.

ولقد انصفه بعض المؤرخين في كتاباتهم ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما ذكره المؤرخ المصري الشهير ابن إياس في مؤلفه الجامع "بدائع الزهور في وقائع الدهور":"كان قراقوش القائم بأمور الملك،يسوس الرعية في أيامه أحسن سياسة،وأحبته الرعية ودعوا له بطول البقاء". كذلك المؤرخ الدمشقي المعروف ابن خلكان في واحد من افضل التراجم العربية "وفيات الاعيان وأنباء أبناء الزمان": "كان حسن المقاصد،جميل النية،وكان له حقوق كثيرة على السلطان وعلى الإسلام والمسلمين".

وقراقوش هو الوزير المقرب للقائد المغوار صلاح الدين الايوبي، ويعني اسمه بالتركية النسر الأسود، وولد قراقوش في اقليم آسيا الصغرى، ودخل مصر في جيش أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي في نهاية العصر الفاطمي.

وعندما آلت الامور في مصر الى صلاح الدين بعد وفاة اخر الخلفاء الفاطميين الخليفة العاضد، اختار صلاح الدين قراقوش مسئولا عن الكنوز الهائلة في خزائن القصور الفاطمية، كما اسند اليه مهمة هندسية من طراز فريد وهي الاشراف على إقامة قلعة الجبل (قلعة صلاح الدين) فوق المقطم، كذلك بنى قلعة المقياس في منيل الروضة، كما قام قراقوش ببناء سور كبير يحيط بالجيزة ناحية الصحراء الغربية هو السور الثالث الذي أحاط بالقاهرة وكان من الحجارة ، على خلاف الطوب اللبن الذي منه كل من سور جوهر الصقلي مؤسس القاهرة، وسور بدر الدين الجمالي الوزير الفاطمي الشهير.

كما تؤكد المراجع التاريخية ان صلاح الدين قد اسند اليه مهمة إعادة بناء سور عكا المتهدم بعد أن استردَّ صلاح الدين المدينة، كما اعتاد صلاح الدين ان يُنيب وزيره المخلص على البلاد عند خروجه للقتال وهي العادة التي استمرت في عهد العزيز بعد وفاة صلاح الدين، مما يشير وبقوة الى ثقة سلاطين الدولة الايوبية في الرجل الذي نجح في إحباط مؤامرة العادل لخلع العزيز بالله وافسد الانقلاب عليه.

ومن الحوادث الشهيرة التي يذكرها مؤرخو التاريخ الايوبي وباحثوه هي موقف قراقوش في الدفاع عن الخليفة الأفضل من محاولات العادل للانقلاب عليه..وقتها قال له قراقوش نصا: "لا تخف يا مولاي، فنحن جندك وجند أبيك من قبلك، مرني أحفظ لك قلعة الجبل، ثم مرني أحفر لك ما بقي من سور البلد، ثم مرني أتعمق الحفر، حتى أصل إلى الصخر، وأن أجعل التراب على حافة الحفر؛ فيبدو كأنه حائط آخر، ودعني أفعل ذلك فيما بين البحر وقلعة المقسي، وبذلك لا يبقى لمصر طريق إلا من بابها الذي يصعب أن يفتحه العدو".ولكن العادل استولى على مصر، وفر الأفضل من وجهه إلى الشام، وقام العادل باعفاء الوزير قراقوش فلزم بيته حتى مات في شهر رجب من سنة 597 هـ بعد حياة مليئة بالانجازات الهندسية والعسكرية والسياسية توارات بين افتراءات وادعاءات بعض كتب التاريخ التي آن للناس ان يدحضوها وينتصروا لتاريخ الرجل.

هكذا كان قراقوش وزيرا مخلصا لسلاطين الدولة الايوبية وموضع ثقة منهم ومهندسهم الفذ وقائد جيوشهم المحنك حتى جاء العادل وكتب صديقه المقرب "ابن مماتي" تاريخ الرجل فزيف وعدل وبدل حتى انه سمى كتابه الفاشوش في اخبار قراقوش رغم ان الواقع ان كل ماكتبه كان فاشوشا في تاريخ قراقوش.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط