الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«ستيف بيكو».. ميراث من النضال والأفكار


كانت جنوب أفريقيا تمثل نموذجا حيا علي الواقع اللاإنساني الذي تجسد عبر سنوات طويلة منذ القرن السادس عشر وحتي الآن ويمكن القول بأنها تمثل شاهدا حيا علي الأفكار البيضاء التي لا يمكن وصفها بأي لفظ حي يجسد واقع المعاناة التي عاني منها السود ولا زالوا ، ويمثل مفكرنا ستيف بيكو علامة فارقة في تاريخ النضال علي هذه الأرض وكذلك تركه لنا ميراثا واسعا من الأفكار التي تعكس نضجا من نوع خاص حازت علي إعجاب الجميع من معظم عقول العالم.

ولد بيكو عام 1946 ومات في سبتمبر 1977 بعد تعرضه لكافة أشكال العذاب والتنكيل من قوات الأمن العنصرية وتم التعتيم علي ذلك وكانت جنازته أقرب لمظاهرة حاشدة ضد هذا النظام العنصري والأغرب كان محاولة هذا النظام منع الآلاف من السود للوصول لحضور جنازة هذا الرجل ، وذلك يجعلنا نتناول بالكثير من التلخيص لنضال الرجل علي الأرض حيث كانت المعاناة مع بداية تعليمه الذي كان في ظل قانون تعليم البانتو الذي كان يهدف إلي التقليص والحد من تعليم السود ويكفي أن نعرف أن هناك سقفا لتعليم السود يقف عنده الجميع والهدف من ذلك أن يكون هؤلاء السود وقودا مستمرا وعمالة لذوي البشرة البيضاء وكذلك القضاء علي أي مستقبل ممكن لأصحاب الديار من السود ، ومع انضمامه للحركات الطلابية التي تناهض النظام العنصري وتدعيمه لأفكار الوعي الأسود التي تعتمد بالأساس علي اكتساب القوة والإندماج من اللون كركيزة أساسية ، وتعرض لكل أشكال التضييق وتم منعه من الحديث لأكثر من شخصين وتحديد إقامته وعلي الرغم من ذلك كان علي تواصل دائم بحركة الوعي الأسود ، وظهرت أفكاره في انتفاضة سوتو عام 1976 حتي تم اعتقاله ومات من آثار التعذيب.

أما عن أفكاره فقد تبلورت في دراسة العنصرية في بلده ومحاولة إيجاد تفسير لهذه الظاهرة وانتهي لكونها ظاهرة اقتصادية الهدف منها سرقة الثروات الأفريقية ثم بدأت تتحرك لتكون اتجاها ومعتقدا ثم أخذت إطارا قانونيا ودستوريا بعد ذلك وقدم نموذجا وحلا للقضاء علي هذه الظاهرة ، ولعبت ماركسيته دورا في ذلك حيث أكد أن العنصرية السوداء هي الوسيلة والنقيض للعنصرية البيضاء والصراع بينهما سيؤدي إلي الاندماج وتحقيق الإنسانية علي حساب الاستغلال.

أما أهم أطروحاته فكانت أيديولوجية الوعي الأسود التي تهدف إلي إعادة الاعتبار للسود وتخليص عقولهم من كل أفكار المستعمر التي زرعت قيم الدونية والشعور بعلو وسيطرة الرجل الأبيض مؤكدا أن الاستقلال السياسي لا يمكن أن يتحقق من دون تحرير هذه العقول من سيطرة هذه المفاهيم التي أدت إلي قهرهم واستعبادهم ولذلك دعا إلي إعادة كتابة التاريخ الأفريقي بأيد سوداء وإعادة الاعتبار لهذا التاريخ وذهب إلي دعوة خالصة للاهوت مسيحي مكافح بعيدا عن الإرساليات المسيحية البيضاء ، وقد عظم بيكو من الديانات التقليدية الأفريقية والقيم الانسانية التي بها وانتهي إلي رفض الثقافة البيضاء الوافدة التي عمادها البرجماتية والمادية وقيم الكسب علي حساب أي قيم أخري، أما الثقافة الأفريقية فهي ثقافة الجماعة والانسانية ، ولذلك رفض كل الحلول البيضاء العنصرية ودعا إلي الالتفاف حول الرابط اللوني حتي تكون المواجهة مع العنصرية البيضاء داعيا إلي أن يتولي السود إدارة أنفسهم علي المستوي السياسي والاقتصادي ولا يأتي ذلك إلا من خلال التعليم والاعتماد علي النفس.

مات ستيف بيكو وترك لنا ميراثا من النضال والأفكار ممتدا وموصولا حتي الآن وهناك الكثيرون من المفكرين الأفارقة سيكون الحديث عنهم لاحقا وهم يمثلون ثروات القارة من العقول التي لابد أن نفخر بها دائما.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط