الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد البحراوي يكتب: نجنى الكثير فى الغربة

صدى البلد

نبني أحلامنا ونرسم صورة للمستقبل، ثم نحزم امتعتنا ونتوجه إلى المطار ويتوجه كل شخص إلى وجهته الخاصة، لا تصدق أحدا يقول لك إننا لا نجني الكثير، فهو كاذب فنحن نجني الكثير في الغربة، وأكثر مما تتخيل.

نجني الكثير من الفراق والبعاد عن اُسرنا وعائلتنا وأصدقائنا فحين تصل إلى وجهتك تصبح وحيدًا في مكان ليس لديك فيه أي شخص تعرفه، ونجني الكثير من الأمراض التي تأتي على عاتق التفكير المستمر في الأحلام التي تتحول إلى سراب وأنت مكتف الأيدي أمامها والذي يوثر بالسلب على صحتك التي لا تحسد عليها.

نجني الكثر من القهر والظلم لكسب الرزق الحلال ولكي تحسن معيشتك والتي تكتشف بعد مرور سنين أنك لم تتحرك خطوة واحدة للأمام فراتبك فقد يكفيك لآخر شهرك وفي أغلب الأوقات تتعثر في نهاية الشهر ولا يبقى معك ما يلبي احتياجاتك سواء كنت لوحدك أو لديك أسرة تعولها.

نجني الكثير من الحرمان وكسر القلوب، تخيل معي تعيش في بلد تبعد آلاف الأميال عن بلدك وتستيقظ في منتصف الليل على صوت هاتفك وتتلقى مكالمة، الو، البقاء لله، لو تعلمون مدى الوجع والآلام التي يشعر بها الشخص عندما يسمع هاتين الكلمتين، في بضع ثواني يتذكر كل غالي لديه وكلما تذكر أحد دعا الله ألا يكون هو، يتذكر والدته ويتذكر والده وأخوته وزوجته وابنائه وأصدقائه، عفوا لم استمر في الوصف فمهما وصفت لم يشعر بها إلا من عاشها.

نجني الكثير من الحقد والحسد على أشياء ليست صحيحة، فينظر لنا الناس في موطننا كأننا نعيش في رفاهية وفي رخاء وليس لدينا أي مشاكل ولدينا من الأموال ما يكفي لنعيش مستقبلا مشرقا، ينظرون الى صورة تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وانت مبتسم ويظنون أن هذه حياتك، لا يعلمون كم من الوقت قضيت للبحث عن صورة لك بابتسامة لا تحمل أوجاعا وأحزانا، ليس لديهم أي علاقة بكل هذا فقط حكمهم من خلال صورة نشرتها، ينظرون إلى سيارتك ويقولون (بيدعي الفقر وراكب عربية بالشيء الفلاني)، وهم لا يعلمون أن سعرها في البلد التي تقيم بها لا يساوي سعر أقل سيارة في مصر، لا يعلمون كيف حصلت على أموالها ولا يعلمون كم من السنوات القادمة ستستمر في دفع اقساطها، ليس لهم علاقة بكل هذا فقط علاقتهم كم تساوي في مصر.

نجني الكثير من الحزن على شبابك الذي تلتهمه سنوات الغربة دون أن تشعر فتأتي وأنت في روعان شبابك وتعود لتستقر في بلدك وقد شاب رأسك وربما لم يتبق من الشعر شيء ليشيب.

نجني الكثير من الجفاء فعندما نغادر بدلنا تكون آخر صورة لها باقية في أذهاننا ونظن أننا عندما نعود سنرى كل شيء كمان تركناه، ولكن للأسف تعود وكل شيء قد تغير تعود ولم تر مكانتك عند أهلك واصدقائك كما كانت فتشعر أنهم يعاملوك كضيف جالس لبعض الوقت ثم تعود من حيث أتيت.

هذا ما نجنيه في غربتنا فاحمد الله على النعمة التي تعيش فيها ويكفي أنك جالس بجوار والديك واخوتك واصدقائك، حينما شعرت بالاشتياق لأي شخص فيهم يمكنك الذهاب اليه والجلوس معه، أفضل من أن تبعد عنهم وعندما تعود تتمنى رؤيتهم ولكن لم تستطع أن ترى إلا قبورهم.

الغربة مرض، وقوي الإرادة هو من يتغلب على المرض.