الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمراء حرب لبنان والأزلام


من المتعارف عليه أنه وبعد انتهاء الحروب ينصرف الزعماء وبغض النظر عن ربحهم أو خسارتهم للحرب إلى احتضان المقربين منهم ومساعدتهم لبدء حياة جديدة بعيدا عن الرصاص والدمار، وذلك بالدعم المعنوي أو المادي أو كلاهما معا، إلا أن الأمر في لبنان مغاير تماما، فالمقربون من بعض الزعماء يتحولون إلى مجرد رداء بالٍ ينبغي خلعه والتخلص منه بأسرع ما يمكن.

فقد شهد لبنان خلال الأشهر الأخيرة وقائع من الممكن إضافتها إلى العديد من الوقائع التي حصلت في السنوات السابقة، وتتمثل بتخلص بعض الزعماء أو أمراء الحرب من أقرب المعاونين، حتى إن البعض منهم كان لهم الدور المحوري والأساسي للمحافظة على كرسي هذا الزعيم أو ذاك، بالإضافة إلى تأمين حمايته الشخصية وتأمين الأموال الطائلة له، حتى إن دفة الأمور كانت تعدل من قبلهم إذا ما أحس الزعيم بخطر يداهمه وحزبه بشكل قد يخرجه من الصورة.

أحد أمراء الحرب دأب منذ سنوات على التخلص من أقرب المقربين له، ومنذ أسابيع قليلة تخلص من مجموعة جديدة على رأسها أحد أتباعه الذين قدموا الدماء عربون وقاء له، وأتى هذا الاستغناء من خلال تلفيق تهمة تم تقديمها أمام القضاء اللبناني.

وبعد التدقيق تبين أن الأمر يعود إلى قيام هذا التابع بتشكيل خلية سياسية معارضة لهذا الزعيم، مع مد خيوط اتصال مع الجماعات المعارضة في سوريا، وهو ما لم يرق للزعيم هذا الذي أحس بأن هيبته تضيع، علما بأنه لدى التمعن بالقرار الاتهامي الذي تم تسريبه إلى الإعلام يتبين ضعف الفبركة، أقله فيما يتعلق بالسلاح الذي كان من المفترض أن يذهب إلى الجماعات المسلحة في سوريا، حيث تبين أن أحد مسئولي حزب الله هو الذي باع هذا السلاح بغض النظر عن كميته والأموال التي دفعت مقابله، علما أن أحد المتهمين المتورطين في هذه القضية (السلاح) كان قد أمن نفسه بشكل قانوني بشكل يخرجه من أي ورطة بتنازله عن بعض الممتلكات مقابل الأموال التي تلقاها مقابل السلاح، إلا أن هذه الجزئية طويت لإبعاد تورط حزب الله في القضية، مع التذكير بأن أحد الوسطاء والمعروف بالوسيط القطري (سوري الأصل) تم إبعاده أيضا عن القضية مع أنه كان الأساس في عملية تأمين الأموال لشراء السلاح، بالإضافة إلى أمور أخرى.

بالإضافة إلى أن المتهم الأساسي اتهم بالتعامل مع إسرائيل، وهو الذي تبين أنه وراء إطلاق سراح 18 مختطفا من أبناء طائفته كانوا لدى إحدى الجماعات المسلحة السورية، والذين عجز الزعيم عن إطلاقهم، فأتى الانتقام قويا للتجرؤ على هز مصداقية وقدرة الزعيم.

الواقعة الثانية كانت مع زعيم آخر، تجرأ أحد أعوانه الأقوياء على معارضة سياساته الجديدة المتقلبة التي لا تتلاءم مع الخطوط التاريخية للحزب الذي ينتمون إليه، فتم تدبير تهمة تجارة المخدرات وتحول من بطل في مجتمعه إلى فار مطلوب للعدالة.

الزعيمان كانا على طرفي النقيض خلال الحرب الأهلية في لبنان، التي طوت صفحتها العسكرية وبقيت سياسيا، لكن يبدو أن الجامع المشترك بين الزعيمين الروج "القذرة" التي يتم فيها التعامل مع المقربين، حيث يتم التخلص منهم أول بأول خوفا من اتساع نفوذهم، علما أنهم وخلال الحرب الأهلية قاما وكل في منطقته بتصفية العديد من المقربين للتخلص منهم، حتى إن واحدا منهم قام بتسليم ضباطه المقربين إلى العدو الأول وقام بالموافقة على تصفية آخرين.

هذا هو لبنان الحقيقي الذي يدار من قبل مجموعة من أمراء الحرب، يدار بعقلية زعماء العصابات وليس زعماء الأحزاب، فبقي الزعماء يحكمون وينهبون وبقي الأعوان أعوانا، بعضهم فوق التراب وآخرون تحته، ويبدو أن الأمر مستمر في ظل التوريث السياسي لدى جميع أمراء الحرب وزعماء العصابات دون استثناء، حتى إن بعض التجمعات المدنية الشبابية التي طالبت ببعض الحقوق البسيطة تم التعامل معها بنفس العقلية الميليشياوية وتحول النشطاء الشباب إلى عملاء وأعداء للوطن والمواطنين إلى أن تم إجهاض حملاتهم دون تحقيق أي تقدم يذكر سوى المجاهرة ببعض الأصوات التي تخبت تدريجيا.

وللحديث تتمة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط