الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أفريقيا بين حديث الواقع والظلم


تظهر القارة السوداء دائما علي غير الحقيقة لمن لا يعرفها أو لمن يراها في الاعلام الذي يكرس لمشاهد متكررة لهذه القارة في صورة دائمة الحضور في كل وسائل الاعلام تكرس للصراعات ومشاهد المجاعات والأمراض ومظاهر التخلف الأخري.

فأصبحت هذه المشاهد ترتبط شرطيا بكل الشعوب الأفريقية التي تعاني ولا تزال وعلي الرغم من أن هذه المشاهد تعكس بعض الحقيقة إلا أنها لا تمثل الصورة المكتملة عن القارة ولذلك يجب طرح هذا السؤال لنبدأ بعدها رصد الحقائق عن تلك القارة والسؤال هل القارة الأفريقية بالفعل علي نحو ما نراها في الاعلام؟

وإذا كانت كذلك لماذا هذا التنافس الدولي الذي يصل إلي حد السباق للوصول إلي كل شبر في أركان القارة؟

فرنسا تحاول الوصول والعودة إلي مستعمراتها التقليدية القديمة وخصوصا في الغرب الأفريقي وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية تبحث في كل مكان في القارة السمراء عن علاقات يمكن وصفها بالاستراتيجية وتصل إلي درجة التحالف مع معظم دول القارة عقب تبني الرأسمالية كأساس للتنمية في القارة وكذلك اليابان والصين وإيران وبريطانيا وكوبا والبرتغال وإسبانيا والبرازيل والدول العربية أيضا ، فهل كل هذه الدول تتنافس علي العدم ؟!

والإجابة في أبسط صورة تتمثل في عبارة واضحة كالشمس وهي أن القارة منجم العالم وسلة غذائه الآن وغدا فالقارة الأفريقية تمتلك الموارد من كل شكل ولون وتمتلك كذلك الشباب الأفريقي الذي مازال يحلم بتغير الحال والنهضة الأفريقية الموعودة بعد معاناة الأجداد من آثار وتداعيات شهد عليها العالم واستمر لسنوات طويلة استغلال الإنسان الأفريقي واستهدافه في بدنه وعقله ولذلك تأصيل وحكايات سوداء بالمعني الواسع لهذا اللفظ أما السواد في حد ذاته مصدر فخر وعزة لمن لا يعرفه.

وأستعير هنا كلمات المهاتما غاندي الإنسان الذي عرفه العالم بزهده وعقله فقد قال الرجل نصا في مجلس العموم البريطاني " أنا في مجلسكم أشعر بالعار لأنه شاهد عليكم فهذا البناء تم علي عظام وحطام الأفارقة وإذا نظرتم بداخله رأيتم جواهر الهند المنهوبة " كلمات ثاقبة تعكس مدي الظلم الذي عاني منه الإنسان الأفريقي طوال تاريخه حتي التاريخ تم استهدافه من قبل المؤرخين والمفكرين وعلي رأسهم هيجل الذي كان يري أن القارة الأفريقية بلا تاريخ وإن كان من تأريخ فإن ذلك يكون للإنسان الأبيض الذي أتي إليها لنشر المدنية والحضارة وحتي لا يكون الكلام في صورة بكائية علي وضع حالي أو سابق للقارة فذلك في تصوري تأصيل لابد منه ورد منا علي مزاعم كاذبة اكتسبت الصدق من التكرار المستمر لها.

وإلي هيجل أتحدث : إذا كانت القارة الأفريقية بلا تاريخ فيكفي أن نقول له أن المرجعية الحضارية للثقافة الأفريقية هي الحضارة المصرية القديمة وهو فخر لا ندعيه بصفتي مصري أفريقي ولكن الأمر تم تناوله بأدلة علمية ومعملية لفرعون المعرفة الأفريقي الشيخ أنتاجوب السنغالي الشهير وبالتالي فإن الحضارة المصرية الأفريقية أضاءت سماء أفريقيا بالمعرفة والثقافة وأشكال الحضارات الأخري قبل أن تري أوروبا هذا النور أو تعرفه.

 كما أن الكيانات الأفريقية كانت واقعة وشاهدة علي وجود تنظيم سياسي تقليدي ألا وهو القبيلة وكل ما يرتبط بها من زعامة ونشاطات دينية تعكس الولاء للكبير وتقديس أرواح الأجداد وحب الحياة والحرص علي معاني البطولة التي كانت ومازالت مرتبطة بقلب الأفريقي حتي وهو خارج الديار والذي مزق هذه الكيانات ومنع تطورها الطبيعي بالأساس هو حضور الإنسان الأبيض مستكشفا بالبداية ومستعمرا بعد ذلك تحت رايات كاذبة لنشر المدنية وما يرتبط بها لذلك لم يكن غريبا أن يصدق الأفريقي هذه الدعاوي وقبل بها ورحب بالإنسان الأبيض الذي ذاق منه الويلات بعد ذلك ولم تكن ظاهرة الرق إلا شاهد عيان علي كذب هذه الإدعاءات وتتمثل في ممارسات وطقوس مارسها الإنسان الأبيض في صيد العبيد الأفارقة مع رفضي لهذه الألفاظ إلا أنها كانت واقع الحال في هذه الزمان واستمر الاستنزاف في الحقبة الاستعمارية وتعمد الاستعمار خلق النعرات الإثنية وتغليب إثنية علي أخري لضمان استمرار الصراعات وفق مبدأ استعماري واضح وهو " فرق تسد " وتعمد قبل رحيله إلي رسم حدود بين الدول الأفريقية تحقق التداخل الإثني الذي يؤدي إلي استمرار الصراعات بين حين وآخر.

أليس كل ذلك دليلا علي الاستنزاف وتعمد ذلك حتي بعد رحيل الاستعمار ترك أعوانه من الأفارقة ، تغير اللون فقط واستمرت التبعية ، كل هذا وأكثر يحمل دليلا علي أن القارة ليست كما نراها في الاعلام فموارد القارة كثيرة ومتجددة وعلي رأسها البترول والمعادن الأخري والماس والذهب والنحاس واليورانيوم والكاكاو في صورته الخام يذهب كل ذلك إلي الغرب ليعود مصنعا والضحية الشعوب التي عانت ومازالت من صراعات علي واقع إثني متعدد تلك التعددية التي تؤدي بالأساس إلي التقدم لو تم ارساء قيم العدل في كل شئ يتحقق بعدها الاندماج الوطني الحلم الذي لم يتحقق حتي الآن لمعظم دول القارة.

وفي النهاية أعتقد أننا عرفنا ولو بنسبة ما أفريقيا المعاناة وأفريقيا الاستنزاف وأفريقيا التي لا تزال تحاول الاستقلال الحقيقي ومصر ليست بعيدة عنها فهي إحدي دول القارة ولابد من علاقات مصرية أفريقية تقوم علي أساس المساواة وليس المساعدة ، تلك الطرق التي ستمنحنا مدخلا جديدا لعلاقات فاعلة لأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا والوقت يداهمنا.

فقد كانت ممارسات الاهمال عقب حقبة الرئيس جمال عبدالناصر واضحة للعيان وكرست لمدركات سلبية في العقل الأفريقي عن مصر منها أن مصر تمارس الاستعلاء علي الأفارقة والتقارب وقت الحاجة وهي أمور ولي زمانها في العلاقات الدولية وعلي صانع القرار المصري ادراك ذلك وأطالب بمفوضية عليا للعلاقات المصرية الأفريقية تؤسس علي واقع فاعل وليس مؤسسي فقط والبعد عن كل السياقات والأشكال التي تكرس للعلاقات علي الورق فقط.

فقد سبقنا وأخذ مكاننا في القارة الكثيرين وهو فعل محمود في السياسة فالكل يبحث عن مصالحه ولابد من تقارب ثقافي واعلامي فاعل والسعي مع الدول الأفريقية لتحقيق حلم طال انتظاره عبر سنوات طويلة ألا وهو الوحدة الأفريقية حلم آباء الاستقلال الذي لم يتحقق فهل يسمع لهم أحد حتي يتحقق الأمن والتنمية والتقدم في القريب .....وإلي حديث أفريقي آخر لاحقا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط