الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نوران الراضي تكتب : أيتام فى كلية الطب

صدى البلد

أمام مدرج "أ" دعونا الله أن يشفيه و يبرأ علته ... وأمام نفس المدرج صدمنا خبر وفاته .. أنه دكتور رشيد الذي لم نهنأ بأن نتتلمذ كأطباء صغار على يديه ، فقد كان شامة و علامة يتفاخر بها كل طلبة طب القصر العيني، الذين جلسوا منه مجلس التلميذ لأستاذه و نهلوا العلم من فجوة فمه و عضلة لسانه ..

د.محمد رشيد بهجت .. ملك "البايوكيمستري" .. كانت "المركبات الكميائية" تتراقص بين اصابعه و تطرب "الروابط" بين لسانه .
"وفاة الدكتور محمد رشيد بهجت، رئيس قسم الكيمياء الحيوية بطب القاهرة سابقًا، ورئيس مجلس إدارة معامل ألفا"
هكذا الخبر تم نشره في احدى الجرائد اليومية .. التي تطلعك على الأخبار دون مشاعر.. الخبر صنم .. الخبر جماد .. اسمح لي سيدي أن أنقل لك ما ورائيات هذا الخبر في نفوس طلبة القصر و أساتذته.

هذا الرجل العظيم -عليه رحمة الله -كان في غنى "سنًا و مالًا" ان يستمر في التدريس و القاء المحاضرات في المدرجات لكنه استمر بكل حب يتوافد عليها حتى اهلكه المرض و اودى به .

بدأ عمله في القصر العيني منذ أواخر السبعينيات، و هو يدرس لطلبة الفرقة الأولى و الثانية مادة الكيمياء الحيوية وواصل عطاءه حتى 2014 ما بين العناية المركزة و المدرجات حتى وافته المنية صباح امس .

دكتور رشيد كان يعلم طلبته بالمجان ، لم يتحصل منهم علي أموال بآلاف الجنيهات ليلقنهم علمًا ينفع البشرية ، وذلك على عكس آخرين كورسات المبادئ الطبية البسيطة مقابل "ألف جنيه لكل مادة" على سبيل المثال ، و بالرغم من محاولات الادارة الجادة للحد منها الا ان الكورسات تتفاقم كالعدوى .

طلبة القصر مهمومون و حزانى ،  حيارى ، تسمع منهم و ترى الدمع في اعينهم يلمع و البسمة لذكرياتهم معه تغلب على حديثهم ، هم يعشقون هذا الرجل لما قدمه للطلبة من تواضع في العلم و المعرفة ، و ابتهاج لتلقينهم العلم النافع و الجيد .. حرص على ان تصور محاضراته لينتفع بها جميع طلبة الطب في مصر . و كان اسبق الناس حضورا الى المدرجات ولا يثنيه السقم ولا المرض .

دفعة 2016 و ما بعدها حرمت من كنز ثمين للعلم .. من عالم كبير. كنا نتمني لو عاصرناه ونهلنا من علمه .
و من المحقق ان نقول لولا وجود نماذج مثله مشرفة للأطباء  ما كانت للقصر العيني  هذه المكانة في مصر ولا في افريقيا ولا العالم . فالقصر يحتل المركز الثاني بين كليات الطب في آسيا و افريقيا . و المركز ال240 بين كليات الطب في العالم ذلك ما صرح الدكتور فتحي خضير عميد كلية الطب قصر عيني في المؤتمر السنوي لاستقبال الطلاب الجدد.

اخبرتني طالبة طب اقليمية من الفرقة الاولى امس انها تريد ان تصبح مجدي يعقوب الغد ، فتساءلت ولماذا مجدي يعقوب  / فبهتت لم تجب يحزنني ان يكون تفاخرنا بأعلام العلم قد حولهم لأدوات للمجد ، لا للنفع . يحزنني ان آمالنا و طموحاتنا تُساق وراء إعلانات التلفزيون والراديو لا تحركها افكارنا و شغفنا او حبنا للاطلاع و الاستزادة و العطاء. يحزنني ان نواصل محاكاة اجدادنا دون وعي منا بما يجب ان يكون و ما يُحتم علينا الحاضر فعله . ربما تحقق هذه الفتاة الطموحة ما حققه مجدي يعقوب في تخصص اخر غير جراحة القلب مثلا . او مجال اخر كالصحافة فتنقل الخبر و مجريات الاحداث بصدق و شفافية . ليس على المرء ان يماثل غيره و يخطو خطواته . لكن ماذا عسانا ان نقول الطرق الممهدة اكثر جذبا من غيرها . و ربما تكون مثل عالمنا دكتور رشيد . تدرس الطلبة مادة بسيطة و هي الكيمياء الحيوية ليست جراحة اوعية دموعية و لا مادة النسا ولا الباطنة التي تفزع جميع الطلاب .

لقد استطاع أن يكون علمًا و رمزًا باقيًا دون مخططات للمجد ولا الشهرة . نفع الجميع دون ان يوجه مجهوداته لغير اتقان ما يعمل ، هو ببساطة أثر .. و الاثر لا يزول .
رحمك الله و غفر لك و نفع بعلمك من عرفك و من لم يعرفك .