الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حبس انفرادى


كل جيل منا له حقبته الخاصة، هناك حقبة السبعينيات وحقبة الثمانينيات وحقبة الستينيات وحقبة التسعينيات، وما أدراك ما التسعينيات، إنها وقت شرائط الكوكتيل والمشى على بلاج المعمورة مع صدور "شريط كاسيت"، أيوه اسمه "شريط كاسيت"، وقتها لعمرو دياب أو محمد فؤاد، فقد كان أبى يعتبرنى من الخوارج لأنى استمع إلى تلك الأغانى من وجهة نظره.

وكيف أنسى حفلات ليالى التليفزيون التى كنا نذهب فى اليوم التالى إلى المدرسة ولا حديث لنا سوى عن ظهور المطرب الجديد وائل كافورى أو المطرب الجديد كاظم الساهر.

وعندما كنا فى السابعة أو الثامنة من العمر ننتظر أمام التليفزيون المصرى برنامج "العلم والإيمان"، كنا فى تلك السن المبكرة نعلم من هو الدكتور مصطفى محمود، أو برنامج "جولة الكاميرا" تقديم القديرة هند أبو السعود.

كنا نبحث عن العلم بالرغم من قلة أبواب البحث، فأنت لا تملك سوى ثلاث قنوات فى التليفزيون وينتهى إرسالها فى الثانية عشرة ليلًا أو الواحدة صباحًا أو الكتاب، فلابد أن تقرأ لتجد ما تبحث عنه.

ولن أذكر طبعا مسلسل الساعة السابعة مساء على القناة الأولى والوحيد الذى تنتظره طوال اليوم عقب إذاعة جلسات مجلس الشعب التى كنت أستمع إليها بالمناسبة لأنى أنتظر مسلسل السابعة.

ولن أصف شعورى الذى مازلت أذكره حتى كتابة هذه السطور عندما تخرج مذيعة الربط فى ذلك الوقت لتعلن عدم إذاعة حلقة اليوم من المسلسل العربي لإطالة مدة عرض جلسات مجلس الشعب، وكانت دائما تكون المذيعة حياة عبدون هى التى تذيع ذلك الاعتذار، فقد تسببت لجيلنا بعقدة نفسية.

نعم إنها ذكرياتنا ولكن لو تأملتها قليلا ما الجميل فى تلك الذكريات ولماذا تثير كل تلك السعادة بداخلى؟

لقد كنا نشاهد طوال شهر رمضان مسلسلين لا يعرض غيرهما؛ "ليالى الحلمية" و"رأفت الهجان"، واليوم يعرض أكثر من سبعين مسلسلا "لقد ظلمنا على فكرة"، ولكنها حقبتى أنا وذكرياتى أنا وعالمى أنا.

ولقد آثرت الحديث عنه بمناسبة الحديث دائمًا عن الشباب بأنهم يفتقرون إلى النضج والوعى السياسي أو الثقافى كما يطلق عليهم فى كل حقبة، وعلى فكرة لم توجد فترة زمنية لم يقال على الشباب هذا جيل جديد فاسد أو لا يتحمل المسئولية حتى أعظم الأجيال الستينيات والخمسنيات بالنسبة إلينا أجيال مقدسة وما قبلها أجيال تعلم قيمة العمل والتفانى فيه، ولكن أتحدى أنه لا يوجد ممن سبقوهم لم يخبروا قصصًا عن فسادهم من وجهة نظر الكبار، إنه اختلاف الأجيال دائمًا وفى كل زمان.

فلنتوقف عن ظلم شبابنا، نعم هناك الكثير من المغلوطات فى أفكارهم، ولكنها سنة الحياة وتوالى الأجيال المحتم حدوثه.

ولكن يظل الإنسان يرى سنوات شبابه وعمره الأول وحقبته التى عاشها هى أجمل فترات العمر وكل الذكريات تصبح جميلة حتى لو عانيت فى وقتها من بعض المنغصات مثل الأصدقاء السيئين، وعدم اندماجك فى مدرسة جديدة، وتسلط البعض لأنك متسامح.

ولكن مع الوقت وعندما تكتشف مفاجآت الحياة لك تصبح تلك المشاكل أجمل وأحلى ما مر بك، أول حب أجمل صداقة إحساس وأول لمسة وصعود مطربك المفضل مع أغانيه الجديدة، ولأنك مع تقدم العمر لا تجد الوقت لمتابعة صعود مطربين جدد تظل حبيس أغانيك وذكرياتك أنت، إنه حبس انفرادى واختيارى محبب لكل ماضيك، ليست الأغانى والأفلام والموسيقى فقط، لكن لا تفرض صلاحيته وأفضليته على أصحاب الذكريات الجديدة فهم من حقهم أيضًا أن يملكوا حقبتهم الخاصة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط