الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر .. والإعلام المضاد


واحدة من أخطر الأزمات التى تواجه بلادى مصر خلال السنوات الأخيرة، هى أزمة الإعلام المضاد للدولة المصرية ، والذى يريد أن يفت من عضد المواطنين ، وينخر فى جسد الدولة ، حتى تتهالك قواها وتخر ساجدة أمام الأعداء.

فبجانب الإعلام الذى يعمل ضد خطط الدولة ، وينشر عنها الأكاذيب ، ويروج للشائعات من خارج الحدود المصرية، والذى تمثله آلة الدعاية التابعة لجماعة الإخوان المسلحين – المسلمين سابقا – وما يعاونها من آلات أخرى ، يوجد الإعلام المضاد من الداخل المصرى أيضا ، وتمثله كثير من المواقع الإلكترونية والجرائد التى تتستر برداء الأخبار والصحافة ، رافعة شعار حرية الرأى والتعبير أحيانا ، وحق النقد فى أحيان كثيرة ، فى حين أنها تقدم إعلاما يخدم أعداء الدولة فى الداخل المصرى وخارجه ، هذا بجانب الكتائب الالكترونية التى تمارس عداوتها على مواقع التواصل الاجتماعى ، وكلها تهدف فى النهاية إلى إحداث حالة من انكسار الإرادة وهيبة الدولة ، وتأليب الرأى العام ضد سياساتها وخططها.

ورغم وضوح الهدف لهذا النوع من الإعلام المضاد ، غضت الدولة ، وما زالت تغض ، الطرف عنها وتجاهلتها، رغم ما تشكله من خطورة على تزييف الحقائق لدى الرأى العام ، وإن كانت هناك إجراءات قانونية ، من حق الدولة اتباعها، غير أنها لا تلقى اهتماما من الدولة، التى هى بالأساس أكبر من تلك الآلة ومن يمولها من منظمات وأفراد ودول وجماعات.

وتلك الأنواع من الإعلام المضاد للدولة ليست خافية على الدولة أو على أجهزتها ، لا من حيث المكان ولا التوجه ولا الهدف، وقد أعلنت الدولة موقفها منها بعد أن أرسلت برسائل عدة، وبطرق غير مباشرة ، بأنها لن تنال من الدولة قيد أنملة.

غير أن الخطر الأكبر يكمن فى آلة الدعاية الإعلامية التابعة للدولة، والذى يمثله اتحاد الاذاعة والتليفزيون "ماسبيرو" الذى يتعامل الجميع وينظر إليه على أنه الجهاز الإعلامى الرسمى للدولة، الناطق باسمها ، الداعم لخططها ، المؤيد لسياساتها ، وهو الجهاز الذى أثبت الواقع العملى خلال الفترة الماضية ، وتحديدا منذ الاطاحة بنظام الجماعة المسلحة وإزاحتها من سدة الحكم بالثورة الشعبية فى 30 يونيو من العام 2013 حيث استمرت أخطاء الجهاز ، واستمر فى ممارسة إعلام أقل مايوصف به بأنه "ضعيف هزيل لا يليق بالدولة المصرية" ، فلا محتوى للرسالة الإعلامية يعبر عن ثقافة وإدراك لمدى خطورة الأوضاع التى تمر بها الدولة المصرية، ولا طبيعة التحديات التى تواجهها، ولا طبيعة الأخطار التى تحيطها من الخارج ، وتفت فى عضدها من الداخل ، وتريد أن تحولها الى ساحة قتال داخلية ودولية ، هذا ناهيك عن الأخطاء الفنية الكثيرة التى وقعت خلال الفترة التالية للاطاحة بحكم جماعة الإرهاب والشيطان.

ومن الملاحظ أن جميع الأخطاء التى تصدر عن "ماسبيرو" تظهر وبشكل واضح فى الأمور المتعلقة بشكل مباشر بالقيادة السياسية ، كخطأ فى إذاعة حوارات الرئيس السيسى ، وأخطاء أخرى منها قطع الإرسال فى بعض الأحيان عن أحداث أو كلمات هامة ، أو إذاعة أجزاء اضافية خارج المضمون ، وغيرها من الأخطاء الفادحة التى ارتكبها جهاز الإعلام الرسمى للدولة.

واذا كانت الأخطاء الفنية ، حسبما وصفها مسئولون بالقطاع وغيره ، أمرا طبيعيا فى الحالات العادية، فإنها لا تكون طبيعية عندما تتعلق برمز الدولة المصرية، سواء كان ذلك الأمر فى فعاليات يتابعها الإعلام الرسمى، أو فى إذاعة حوارات أو كلمات أو بيانات، فهى كلمات محسوبة ولها مدلولاتها الهامة، وأى خطأ فى أسلوب أو طريقة إيصالها للمواطنين فى الداخل ، أو المتلقين للرسالة فى الخارج ، من شأنه أن يفتح الباب للأقاويل ، مما يعمل فى النهاية على فتح المجال أمام الهجوم غير المبرر على الدولة المصرية وعلى قيادتها السياسية ، التى تريد أن تنهض بالدولة ، وتضعها على المسار الصحيح ، بعد تخلف لسنوات ، ساهمت فيه جماعة الإرهاب والشيطان فى تغييب حضورها الاقليمى والدولى.

ولا تقل ممارسات جهاز الإعلام الرسمى خطورة عن الإعلام المضاد للدولة ، فمواجهته أمر صعب ، لأنه الجهاز الممثل للدولة ، والمفترض فيه أنه يعمل لصالح الدولة ، ولا أقول صالح القيادة السياسية ، حتى لانفتح المجال لحدث آخر عن مطالبات بفرض الوصاية على الإعلام ، وهو أمر مرفوض لدينا تماما ، غير أن الرسالة الرسمية يجب أن تكون قوية فى مضمونها وفى محتواها وفى هدفها وفى نتائجها أيضا.

وحينما تتعلق أخطاء الجهاز الرسمى للدولة بشخص الرئيس ، فان ذلك يفتح المجال للحديث عن وجود من يعمل بهذا الجهاز ويخدم الأعداء ، وهو أمر يستند إليه البعض ، مسترجعا تاريخ هذا الجهاز حينما كان على رأسه وزير تابع لجماعة الارهاب والتضليل ، وسمح بوجود سيارات تابعة للتليفزيون الرسمى ببث اعتصام رابعة ، الذى شكلته الجماعة لممارسة الضغط على الدولة بعد الاطاحة بالمتهم محمد مرسى من سدة الحكم ، بل وزادت خطورة الموقف أن سيارة التليفزيون ساعدت وسائل إعلام خارجية ، ومدتها بمادة حية للبث المباشر ، فى محاولة لتأليب الرأى العام ضد الدولة المصرية.

وكل ذلك يؤكد أن الجهاز الإعلامى الرسمى للدولة فى حاجة الى تطهير سريع ، ليس فقط من العناصر التى تخدم الأعداء ، ولكن أيضا من هؤلاء الذين يتسمون بالجهل الثقافى ، وعدم إدراك الظروف التى تمر بها مصر، فبجانب ضرور تطهيره من الفساد يجب تطهيره من بقايا الجهل والتخلف الثقافى.

الدولة المصرية إذن تواجه بآلة دعاية إعلامية مضادة ، اشترك فيها الخارج والداخل وهو ما يجب التنبه إليه ، ليس فقط من جانب أجهزة الدولة، ولكن أيضا من جانب الجهات الأخرى المستقلة التى تدافع عن استقلال الصحافة وحرية الإعلام ، ودعم الدولة إعلاميا ، باعتبار الإعلام آلة قوية يمكن استخدامها إما لخدمة الدولة أو للتشجيع على هدمها ، وقد سبق وأن طالبنا فى لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة ، وهى لجنة مستقلة ، بضرورة إعادة النظر فى المنظومة الإعلامية ، سواء كانت التابعة للقطاع الخاص ، أو حتى تلك التابعة للدولة ، فكلاهما يجب أن يكون مكملا للآخر ، خاصة أن مصر تسعى جاهدة لإعادة البناء ، حتى تعود لمكانتها العربية والاقليمية والدولية ، وهو مايتوجب على الإعلاميين ضرورة العمل على تبنى رسالة إعلامية جيدة ، بما تتطلبه من وجود النقد الهادف الذى يساعد فى البناء وليس الهدم أو خدمة أعداء بلادى مصر.

===========
[email protected]
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط