الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المصريون والترويح عن الذات


أخذتنى الذاكرة إلى الوراء عندما كنت صغيرًا، وتذكرت أيام الطفولة مع أسرتى، عندما كان لدينا كمصريين ثقافة الترفيه.

تذكرت عندما كنا نتنزه فى الحدائق العامة فى الإجازة الأسبوعية، كانت شيئا مقدسا بالنسبة لنا ولغالبية الأسر من الطبقة المتوسطة والفقيرة أيضًا، كان بالنسبة لنا الذهاب إلى السينما مرة فى الشهر أو مرتين، اللعب فى الحدائق العامة وإقامة المسابقات بين أشقائى ووالدى وتناول الطعام، والتزاور مع أصدقاء الأسرة والخروج كصحبة إلى أهرامات الجيزة، والمتحف المصرى، وحدائق الحيوانات، والسيرك القومى، والملاهى، ومتحف الشمع بحلوان، والمتحف الزراعى بالدقى، وقلعة صلاح الدين، ومتحف السكة الحديد برمسيس، والذهاب إلى حفلات موسيقية متعددة ومتنوعة، وبحيرة قارون والسبع سواقى، والقناطر الخيرية حيث الخضرة والمناظر الطبيعية.

كنا نشعر بالطاقة والحيوية والنشاط كبارا وصغارا، الكل يضحك ولديه تفاؤل، لدينا أمل فى الغد، نظرتنا موضوعية لإمكانيات والدنا المادية كلنا رضا وإيجابية، طعامنا بسيط ولكن إعداده جيد، متوافر به المكونات الغذائية السليمة، طعام صحى سليم، نمارس الرياضة والحركة، لدينا علاقات بالأهل والجيران والأصدقاء بشكل جيد جدًا، نتزاور معهم، نقيم حفلات أعياد الميلاد لأصدقائنا من مصروفنا الشخصى مع مساندة بسيطة من الأهل، نصطحب بعض فى الإجازات الصيفيه لنعمل فى أى مهنة تشعرنا برجولتنا، والتنافس فيما بيننا على العمل وقيمة العمل، هذا كان حال أسرتنا وغالبية الأسر المجاورة لنا، بل هذا كان حال غالبية الشعب المصرى المحب للحياة، الشعب الذى يقدر الآخر ويحترمه، شعب يستطيع خلق جو من الرفاهية بأقل الإمكانيات، لديه قدرة على التحايل على أحلك الظروف وأصعبها.

وعندما أرجع بذاكرتى إلى الوضع الراهن، وما أصبحنا عليه من عشوائية وفوضى وكره للذات والآخر، وعدائية تجاه الآخر، وتفشي الأمراض النفسية والاجتماعية فى المجتمع بشكل أصبح ينحر فى بناء هذا الشعب الكريم، أصاب بحالة من التشوش والارتباك والمجهولية لمصير هذا الشعب العظيم.. ما هذا الكم الهائل من الفوضى فى كل شيء؟

وحينها أتوقف وأعود كمهنى متخصص فى رصد وتحليل الظواهر النفسية والاجتماعية والبيئية، لأجد أننا أصبحنا شعب توقف عن الزمن، أصابه فيروس اليأس والتخلى عن الأمل والحلم والهدف، أصبح كل همه البحث عن الطعام وزجاجة الزيت وكيس السكر، شعب أصبح شغله الشاغل الطعام والبحث عن لقمة العيش، تحولنا لبطون كبيرة.

أتفق مع آراء ونظريات كثيرة أن أهم شيء سد الحاجات الأساسية للبشر من طعام وملبس ومسكن، ولكن بالنظر إلى ماضينا كنا نواجه ظروفا أصعب وأقسى من تلك التى نعانيها فى الوقت الحاضر، ولكن كان لدينا الأمل، ولدينا الفكر الجمعى والوحدة الوطنية التى تشعرنا بدفء الجماعة فى نظرتها للمصير المشترك المبنى على القوة والإراده والعزيمة.

أرى أن من أهم الأشياء التى أرهقت كاهل المصريين بجانب الأزمات الاقتصادية والصحية والتعليمية، أن المصرى أصبح منشغلا بلقمة العيش فقط، وتناسى الدعم والمساندة الاجتماعية من الأهل والأصدقاء والجيران، أصبحنا نشعر باغتراب نفسي كبير داخل وطننا، أصبحنا لا نضحك، أصبح الهم يكسو جبهاتنا، نسير بثقل على الأرض، أصبحت أجسامنا بها تشوه فى البناء بسبب عدم الحركة والنشاط، لانشعر بالهدوء ولا الاطمئنان.

وأعود لتوجيه رسالتى إلى المسئولين القائمين على رعاية وتوفير الخدمات لهذا الشعب، أعلم جيدًا أن هناك مؤسسات وحدائق وهيئات ومتاحف ونوادٍ ومراكز شباب وهيئات ثقافية على أرض هذا الوطن.

وأنتم جميعكم من أبناء هذا الوطن العظيم؛ ألا يستحق المواطن المصرى أن يذهب إلى مركز شباب تتوافر به كل الإمكانيات من صالات رياضية بها صيانة دورية ومفعل نشاطها وحمامات سباحة نظيفة وأدوات رياضية سليمة؟ لماذا يقتصر دور بعض مراكز الشباب المفعل نشاطها على الشباب ولماذا لا تستوعب كل أعضاء الأسرة عوضًا عن النوادى باهظة التكاليف؟ لماذا لم تفعلوا قصور الثقافة فى المناطق الشعبية والقرى؟

المصرى محتاج لتذوق الموسيقى ومشاهدة الفنون لعودة الذوق الراقى من جديد، لماذا لم يفعل دور المكتبات العامة وإحياء مبادرة القراءة للجميع بأسلوب أكثر جدية؟ أليس المصرى محتاجا فى هذا التوقيت وغيره للقراءة والاطلاع وتعلم الكمبيوتر ومشاهدة الأفلام الوثائقية والعلمية؟ لماذا لم ننشئ المزيد من الحدائق العامة فى ظل الاختناق والتلوث الرهيب الذى نعيشه منذ نصف قرن، هل نحن كمؤسسات بالدولة نشجع على السياحة الداخلية الترفيهية للشعب المصرى؟ هل شعبنا يحتاج إلى ثقافة الترفيه حاليًا؟ أم أن ما أقوله حاليًا ضرب من الجنون؟ فى ظل الظروف الصعبة التى نعيشها.

الشعب المصرى بجانب أنه فى حاجة إلى تعليم وصحة وغذاء جيد، أيضًا يحتاج إلى مزيد من عودة التفاؤل والنشاط والإيجابية من خلال عودة تذوق الفنون والاستمتاع بالحياة ولو بأقل القليل، يحتاج إلى قليل من الرفاهية فى حياته ليستطيع شحذ قوته لمجابهة الظروف المعيشية الصعبة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط