الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قبح بحجم مساحة البلد


دعونا نعترف أن الجهل والتخلُّف أصابا البلد كلها.. لقد أصبح الجهل والتخلف الاجتماعي مثله مثل الخلية السرطانية التي لم تُستأصّل منذ قديم الأزل فانتشرت وتكاثرت وتشعّبت حتى صارت قُبحًا كبيرًا يحتل بقعة بحجم مساحة البلد.

يعتبر الأغلبية القراءة رفاهية وشيئاً جانبيًا ليس عليهم الالتفات إليه إلا للتسلية في أوقات الفراغ، وهذا لن يحدث إلا إذا ملّوا من وسائل الترفيه المعتادة فأحبوا أن يكسروا الروتين بقراءة كتاب.. وهذا الكتاب لا بد أن يكون رومانسياً أو كوميديا ساخرا باللغة العامية كي لا يكلفهم عناء التركيز والتفكُّر والتعمق في الفكرة المطروحة!! هؤلاء الأغلبية أكثرهم مسلمون، قال إلاههم في أول كلمة يُخاطبهم بها بنفسه "إقرأ".. ألا يُعد هذا تخلفاً وقُبحاً؟

الأغلبية مزوّدون بخاصية "اللوم" التلقائية! هذه الخاصية تجعلهم كلما تعرضوا لمشكلة ما يسارعون بالنطق بجملة محفوظة ومفهومة ومحفورة في عقولهم ألا وهي "أنت السبب"، أو "فلان السبب" أو "المجتمع هو السبب" ويخلون مسئوليتهم تمامًا من واقع حالهم، ويلغون عقولهم وشخصياتهم ليصبحون أداة جامدة لا عقل لها ولا شخصية تتحمل المسئولية وتسعى إلى التغيير والتحسين والترقّي.. أليس هذا قُبحًا؟

الكثيرون يثرثرون وينتقدون ويتغامزون ويغتابون ويهاجمون ويتشاجرون دون أن يفعلوا شيئًا.. مجرد كلام وثرثرة.. والجميع يعرف جيدًا أن من لديه رسالة ما وهدف ما وعمل ما يجتهد على إتقانه وإخراجه بأفضل صورة ممكنة لا وقت لديه للثرثرة!.. أليس هذا قُبحًا؟

الكثيرون يشكّكون في دين وأخلاق وتربية ومصداقية كل الناجحين المشهورين، سواء كانوا فنانين أو كُتّابًا أو رجال دين شبابًا أو أطباء أو مهندسين إلى آخره من المهن والفنون.. طالما أن فلانًا مشهورًا وثريًا ويظهر على شاشة التلفاز إذن هو منافق ومخادع وكذاب ووصولي وانتهازي وكافر وسيخصص الله له مكانًا في الجحيم.. أليس هذا قُبحًا؟

الكثيرون يعتقدون أن الرياضة غرضها الوحيد هو التخسيس، واتخاذ قرار ممارسة الرياضة لا يمكن أن يتم إلا بعد تخطي حاجز الـ «90» كيلو جرامًا.. أما ثقافة ممارسة الرياضة كل يوم من أجل الصحة والوقاية من الأمراض والحفاظ على سلامة القلب والجسم والعقل والطاقة.. إلخ كل هذا هراء.. يصل الأمر إلى التهكم والسخرية من ممارسي الرياضة الذين يتمتعون باللياقة والرشاقة.. يسخرون ويتعجبون لماذا يفعل ذلك هذا المجنون؟ هل يريد أن يخسر وزنًا أكثر من ذلك؟ سيختفي!.. أليس هذا قُبحًا؟

الكثيرون يعتقدون أن كل شيء له علاقة بفقر حالهم.. لن أقرأ لأنني فقير، ولن أمارس الرياضة لأنني فقير، ولن أحلم بحلم كبير لأنني فقير، ولن أفرح لأنني فقير، ولن أعيش لأنني فقير، ولن أنجب أطفالاً لأنني فقير.. هؤلاء مسلمون، وهؤلاء قال لهم إلاههم: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق نَحْنُ نَرْزُقهُمْ وَإِيَّاكُمْ) .
فكرة أن الله هو الرزاق وليس عليك إلا السعي، وأن فقرك أنت من صنعته بيدك، بشخصيتك، بسلبيتك واستسلامك وطريقة تفكيرك في الدنيا كلها هي فكرة مرفوضة خيالية سخيفة بالنسبة للكثيرين.. ولا يهم كل الآيات القرآنية التي قال الله فيها إنه هو الذي يرزق، ليس عليك السعي إلى الرزق وإنما السعي إلى التعمير والإصلاح والإتقان والإحسان.. وقتها فقط سيرزقك الله من حيث لا تحتسب.. أليس هذا قُبحًا؟

عندما يكون التحرش واجباً وفريضة على كل فتاة ارتدت ملابس ضيقة أو قصيرة، والتحجج المتبجح الفاحش بأن "هي السبب" وتفعيل خاصية اللوم عليها من أجل تبرير مرضك وقلة إيمانك وحيوانيتك.. أليس هذا قُبحًا..

وهناك الكثير والكثير من أمثلة القبح المنتشرة في البلد، لو كتبنا عنها مئات المقالات لما انتهينا.. متى نستفيق ومتى نتطهر من كل ذلك؟ متى نصبح بلدًا راقيًا جميلًا خاليًا من كل هذا القبح؟ متى يكون الشعب "على خُلُق"؟ متى نكون شعبًا خلوقًا ومثقفًا؟ أنا لا أعلم.. رغم ذلك لن أخسر تفاؤلي.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط