الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قلق وخوف.. بعد ليلة سعيدة!


« كما أن المواطن مطالب بربط أحزمة الإنفاق.. فإن على المسئولين والمستشارين أن يربطوا هم أيضًا أحزمة الاستشارات والاقتراحات والأفكار والقرارات التى تهدف لزيادة الرسوم وتحميل المواطن العبء الأكبر لتعويض عجز الميزانية».

الكلام ما بين الأقواس ينطبق تمامًا على الحالة المصرية، لكن هل تصدق أنه ليس موجهًا للمسئولين الحكوميين والمستشارين والتنفيذيين المصريين، ولكن لنظرائهم السعوديين.. ومن لا يصدق يمكنه الاطلاع على مقال خالد السليمان المنشور على موقع صحيفة عكاظ يوم الخميس الماضى بتاريخ 3 / 11 / 2016 تحت عنوان : «المواطن وفاتورة التقشف» يا الله .. لقد عشت حتى رأيت المملكة العربية السعودية تطلب من مواطنيها ربط الأحزمة والتقشف.. وعشت حتى سمعت ورأيت العاهل السعودى الملك سلمان يحكى لأجيال الشباب ما كان فى الماضى الذى عاشه صغيرا هو وإخوته أبناء الملك عبدالعزيز، ولم يخجل أن يذكر أنه وإخوته فى هذا الزمن كانوا يذوقون أطايب الطعام بالسلف والدين وقصرا على مواسم الرخاء القليلة، وما ذكره الملك الحالى لا يقلل من قدره بل هو مكرمة وعظة وعبرة لأجيال ولدت وفى فمها ملعقة من ذهب.
(١)

وفى المقال المشار إليه لفت نظرى أيضًا طلب الكاتب السعودى من حكومته ترشيد الإنفاق ومن الدولة مراجعة بعض سياساتها التى تؤدى إلى الهدر المالى وتنبيه الكاتب على أمر آخر خطير بدا كأنه يقرأ فيه الواقع المصرى حين قال: إنه لا يمكن أن نبدأ بتقليص مخصصات دعم وسلع وخدمات تتعلق بمعيشة المواطن فى الوقت الذى تستمر فيه مخصصات لفئات دون غيرها فى المجتمع.

وقال أيضًا باختصار إن المواطن يدرك متطلبات التقشف فى هذه المرحلة الانتقالية الطارئة ومستعد للمساهمة فى دفع قيمة الفاتورة، لكنه لا يريد أن يتحمل غرامة قرارات خاطئة تسببت بالهدر على مدى عقود من الزمن اتخذها مسئولون ومستشارون حكوميون دون أن يكون له (للمواطن) رأى فيها.

حثتنى نفسى وأنا أقرأ ما سبق فقالت : يبدو أننا – نحن العرب - كلنا فى الهم شرق .. وتذكرت المثل: «خذ من التل يختل» وإذا كانت المملكة السعودية إحدى أغنى الدول ليس فقط على المستوى العربى أو الإقليمى، ولكن العالمى، تراجع سياساتها الاقتصادية الحالية والموروثة، وتفتح حوارًا مجتمعيًا يستجلب الماضى القريب ويذكرهم فيه ملك البلاد بأيام الندرة وضيق الحال، ولا يضيق أحد بكلام أهل الرأى الذين كاشفوا فيه الحكومة بأخطائها وطالبوها بتصحيح أوضاعها ودافعوا عن حق المواطن (السعودى) والمجتمع (السعودى) فى التمتع بالعدالة الاجتماعية.. وفعلوا هذا دون خشية أو خوف من سلطة، ودون تزيد على المواطنين أو إغفال لحقوقهم لنفاق المسئولين، وجرى الحوار المجتمعى على هذا النحو هادئا فى المملكة على كل المستويات بينما نفتقد نحن – للأسف – بشدة حوارا مثله فى مجتمعنا، والاستثناء الوحيد كان مؤتمر الشباب الذى أتمنى أن يتكرر حتى يؤسس لثقافة الحوار وقبول الاختلاف (وليس الخلاف) التى نفتقدها منذ عقود.
(٢)

.. وكأنه صار قدرًا محتوما على المصريين خلال السنوات الخمس الماضية أن يعيشوا فى بؤرة دائمة من التوتر تتخللها ذرى (جمع ذروة) درامية أشبه بمسلسل «أكشن» مكتوب له السيناريو سلفا ويديره عدد من المخرجين لا يريدون للمسلسل أن ينتهى نهاية سعيدة.

ثورة 25 يناير 2011 قامت على سياسات اقتصادية خاطئة للدولة كان قد نتج عنها تكديس الثروة بشكل خرافى فى أيدى عدد من الأفراد ينتمون لعدد من العائلات وصلت فى أعلى تقدير لعدها 50 عائلة، ومع الثروة احتكر هؤلاء الأشخاص المحظوظون وعائلاتهم السلطة بجوار المال فتمتعوا بنفوذ سمح لهم بالسيطرة على صناعة قرارات الدولة وتوجيهها للتخديم على مصالحهم، وهناك عشرات الأمثلة التى يمكن أن نذكرها فى هذا الصدد على سبيل تنشيط الذاكرة الجمعية ما كان يحدث بشأن تخصيص أراضى الدولة لمشاريع هؤلاء المحاسيب ومنحهم الأراضى بقروش، ومنهم من قام بتسقيعها وصار ليبيعها بآلاف الجنيهات التى تجاوزت بالأرقام فئة الآحاد إلى العشرات، أو وجهوا هذه الأراضى لمشاريع لا تخدم إلا طبقة الأغنياء من فئة المليونيرات التى تلى الطبقة التى ينتمى إليها الأولون.

وأضاف هؤلاء المحتكرون إلى أصولهم ما تنازلت عنه الدولة من المصانع واحتكروا بعض الصناعات ومنها صناعات استراتيجية مثل الحديد والصلب التى سيطر على سوقها رجل الأعمال السياسى الذى أشعلت ممارساته الجهنمية فتيل الثورة وقد اشتهر أنه حصل على مصنع الحديد المملوك للدولة فى عملية مشبوهة مقابل أن ينفق بعضا من أرباحه على الحزب الذى حمل اسم (الوطنى).. وهذا الشخص نفسه بنفوذه وسطوته على برلمانات ماقبل الثورة عطّل صدور قانون المنافسة ومنع الاحتكار، وسعى لوضع العراقيل فى وجه الجهاز المنوط بحماية المنافسة الذى أنشأته الدولة عام 2004 فحوله بقدرة قادر إلى قطة أليفة لا تستطيع أن تخربش أحد بأظافرها لا هو ولا أحد من أنصاره رجال الأعمال الذين اشتروا مقاعد البرلمان عبر الحزب الحاكم وسيطروا على الحزب عبر لجنة السياسات وعاثوا فى الحياة السياسية فسادًا وفى القلب منها سياسات الاقتصاد التى دعمتها مؤسسات العولمة وتدخلت فى تسيير وإدارة الاقتصاد المصرى من التسعينيات - عبر صندوق النقد والبنك الدوليين - بسياسات إعادة الهيكلة والتثبيت وأقنعت النظام الحاكم بسياسات الخصخصة وبيع الأصول الوطنية.

ومع وزارة عاطف عبيد التى تولت السلطة منذ عام 1999 لمدة خمس سنوات اندفعت الحكومة فيما يشبه الحمى لبيع شركات القطاع العام فى عمليات أزكمت رائحة عفونتها أنوف المصريين، راحت حكومة عاطف عبيد ومن بعده حكومة أحمد نظيف مدعومة بالبرلمان تتنازل عن الأصول التى تمتلكها الدولة بأبخس الأثمان إما بقصد إتاحة الفرصة لبعض المحاسيب للتربح الفاحش، أو بقصد التخلص من امتلاك الدولة لهذه الشركات وأصولها لتصل إلى تحقيق نظريات الذين يديرون الاقتصاد من الخارج بعد أن أقنعوا القائمين على حكمنا أن وظيفة الدولة فى الاقتصاد الإدارة فقط (دون امتلاك أصول) وتم إقناع مسئولينا الكبار أيضا بنظرية النمو التى تعتمد على الأرباح المتساقطة من استثمارات القطاع الخاص على رؤوس الشعب المصرى (!!) وأثبتت الممارسة العملية أنها نظريات خبيثة أشبه بالخلايا السرطانية زرعتها مؤسسات العولمة فى جسد الاقتصاد المصرى لتصل به إلى الوضع الذى قامت عليه ثورة يناير تطالب بالعيش والعدالة الاجتماعية بجوار الحرية.
(٣)

وخلال سنوات عديدة منذ أن بدأت مصر فى انتهاج سياسات الـ OPEN DOOR POLICY التى اشتهرت بالانفتاح وارتمت فى حضن الصندوق والبنك الدوليين وطبقت برامجهما زادت ديون مصر الخارجية وبالطبع زادت تكلفة خدمة هذه الديون وانخدع من انخدع فى أرقام زائفة للنمو (نموا وليس تنمية) نتجت عن التسهيلات المالية الممنوحة لمصر فى شكل قروض وإعادة جدولة للديون، وتزامن مع هذا زيادة الأعباء على الفئات الاجتماعية من محدودى الدخل والفقراء وزاد شعورهم بوطأة الفقر وإهدار العدالة الاجتماعية، بينما يقارنون حالهم بحال المليارديرات والمليونيرات الذين سكنوا «الكمبوندات» واقتنوا السيارات الفارهة بأعداد أكبر ممن يمتلكونها فى بلد المنشأ (المرسيدس مثالا) وصارت هذه الطبقة المستفزة تزور الفقراء والجائعين فى بيوتهم عبر شاشات الدراما والبرامج التليفزيونية فترسخ فى نفوسهم الإحساس بالظلم وتزيد الاستقطاب وتشعل نيران الحقد الطبقى التى مازال البعض يؤججها إلى الآن فى دعوات صريحة لما أسموه ثورة الجياع.
(٤)

هذا هو الماضى القريب الذى ينسحب جزء كبير منه إلى الحاضر الذى يشهد تحديا يصل إلى حد المعركة بين المصريين وإرادتهم وأعداء الوطن، وأحدث معركة فى هذه الحرب دارت فصولها خلال الساعات الماضية وبلغت ذروتها وكان موضوعها الدولار وأسعار صرفه مقابل الجنيه، والهدف منها أن يشتعل سعر الدولار فتشتعل معه الأسعار وتصرخ اللجان الإلكترونية للإخوان وقنواتهم الفضائية مرددة أن السيسى فشل فى إدارة الاقتصاد ومصر خربت .. إلى آخر أناشيد «المندبة» الجنائزية، والناس معذورة ليس فقط الفقراء منهم لكن أيضا الطبقات المتوسطة أو المستورة وكاتب هذه السطور واحد منهم، وقد بات كثيرون منهم لا يستطيعون أن يدبروا أمورهم ناهيك عن طموحات البعض المتعلقة بتأمين عيشة كريمة لأسرته وأولاده.. والدعوة إلى الصبر لم تعد دواء يمكن الاعتماد عليه مع غيم الرؤية المتعمد ودعايات التحريض التى لا تنقطع ليلًا نهارًا.. وتساهم فيها وسائل التواصل الاجتماعى بشكل واضح وصريح ويكفى أن تنظر إلى يسار صفحة «الفيس بوك» الخاصة بك أو يمين صفحة «اليوتيوب» وتلاحظ العناوين التى يقترحها القائمون على الموقعين من إعلانات أو بوستات ومشاركات وكليبات فيديو.. بالتأكيد هذا تحريض مدروس بعناية فائقة .. إنهم علينا وليسوا معنا وهذا أمر ليس بجديد، إنهم يواصلون ما بدأوه من قبل 25 يناير 2011 وبعده من دفع المصريين للثورة .. أولاد الشياطين هؤلاء لايريدون لنا أن نهدأ أو نبيت ليلة واحدة فرحين بهبوط أسعار الدولار واسترداد الجنيه لبعض من قيمته المهدرة.. ليلة واحدة سعيدة قضيتها مساء الأربعاء 3/11 الماضى لأصحو على خبر تعويم الجنيه فيتملكنى مجددًا القلق على القادم وأتمنى لو يمحى من الوجود اسم صندوق النقد الدولى وبنكه!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط