الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

12 /11


زلزال فجر الأربعاء ١١/٩ الذى استيقظ عليه العالم كان مركزه الولايات المتحدة الأمريكية، وشعوب تنتمى لدول عديدة من العالم، بالإضافة إلى نصف الشعب الأمريكى – على الأقل – جميعهم أبدوا انزعاجهم وقلقهم من فوز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية ووصوله إلى حكم سيدة العالم أمريكا، وعلى العكس من هؤلاء نزل خبر ترامب بردًا وسلامًا على قلوب أغلبية المصريين، وأزاح عن كثير منها شعورا بالقلق كان ينتابها بشأن يوم الجمعة 11/11.

ولا أحد يستطيع أن ينكر ما سبق، هذا على الرغم من عدم توقع البعض لوقوع أحداث جسام فى هذا التاريخ، وعلى الرغم أيضًا من الضغط العصبى من آلات التحريض المختلفة ومحاولاتها المستميتة فى إقناع المصريين بالخروج والثورة فى هذا اليوم بعد تصوير الأمر على أن مصر خربت (والعياذ بالله) أو فى طريقها للخراب غدًا أو بعد غد بالكثير. .. ما علاقة زلزال ١١/٩ بتاريخ ١١/١١؟! أسأل وأجاوب مع ملاحظة ضرورية وهى أننى أكتب هذا الكلام الخميس ١١/١٠ وهو اليوم الفارق ما بين التاريخين لكنى أنتظر إشراقة صباح أجمل يوم ١١/١٢ إذا شاء رب العباد.

(١) جاءت رياح ترامب بما لا تشتهى حركة الملاحة العالمية، والدليل الأول على هذا هو أن مجرد الإعلان عن فوز هذا البعبع سبب حالة ارتباك لأسواق المال العالمية، نتج عنها خسائر فى عدد من البورصات وخاصة الخليجية منها، وطيرت وكالات الأنباء أنه فى يوم الأربعاء ١١/٨ تلونت مؤشرات هذه البورصات باللون الأحمر علامة على التراجع.

على سبيل المثال بورصة المملكة السعودية تراجعت بمقدار ٣% فى عمليات البيع وبورصة قطر تراجعت ٢% والكويت ٠,٦%، أما أكثر البورصات التى خسرت فكانت بورصة الإخوان السياسية، وقد بات الأخيرون ليلة الثلاثاء على حلم هيلارى واستيقظوا فجر الأربعاء على كابوس ترامب لذلك جاءت ردود أفعالهم الأولى على الحدث تعبر عن قلق كبير وانعكس هذا بشدة على الارتباك الخططى بشأن يوم ١١/١١ وامتد إلى تصريحات أشبه بالهذيان اللفظى.  

ولم تمض ساعات قليلة على إعلان فوز ترامب حتى تم تداول خبر منسوب إلى حركة «غلابة» التى صنعها وتبناها الإخوان تعلن فيه تأجيل النزول يوم ١١/١١ وبعد مرور عدة ساعات تم نفى الخبر ولم يمض كثير حتى تم نفى النفى لكن كل ما سبق لم يغير من الواقع الذى يشير إلى فشل الإخوان الآن فى الحشد والتعبئة والتأثير على الشارع المصرى ولا حتى التعبير عن أنفسهم إلا بشكل هابط بلغ هبوطه درجة من الانحطاط والسفالة غير مسبوقة وأوضح ما يكون هذا فى خطاب الفضائيات المعبرة عنهم والمساندة لهم والتى لا تعكس الآن إلا مزيدا من الإفلاس والافتقار إلى الحجة والمنطق.

 وها قد جاءهم ترامب ليسد ما تبقى أمامهم من أفق، ويغير كثيرا من المعادلات على الأرض حال تنفيذه لتهديداته بعد استلامه السلطة فى شهر يناير القادم وأقربها للتنفيذ إدراجهم على لائحة الجماعات الإرهابية. وكان الكونجرس قد وضع فى وقت سابق قانونًا فى هذا الشأن وعطل صدوره الرئيس أوباما، ووعد ترامب أنه سوف يعيد الكرة ويتقدم مرة أخرى للكونجرس بالقانون ثم يصدره ولن يكتفى ترامب بهذا، لكنه سوف يصعّد حربه باتجاه المؤسسات التى عملت فى الماضى وما زالت تعمل فى الداخل الأمريكى لصالح الإخوان ومنها مؤسسات توصل للجماعة الدعم المالى من جهات خارج الولايات المتحدة ودول مثل قطر.وسوف تكشف الأيام القادمة كثير من الأسرار والمفاجآت فى هذا الشأن.

 (٢) «ترامب لن يفعل هذا مع الإخوان».. هذا تصريح طيرته وكالة الأناضول التركية على لسان إبراهيم منير الملياردير الإخوانى السائح فى بلاد الخواجات منذ زمن بعيد، والمصنف من شباب الجماعة المنقسمة على نفسها حاليًا كواحد من رجال الحرس القديم وكادره نائب مرشد الجماعة، «ترامب لن يفعل» مجرد تصريح أشبه بمرهم ملطف للالتهاب الذى أصاب عقل الجماعة فجر ١١/٩. 

وفاتنى أن أوضح أن ما يقصده منير أن ترامب لن يسعى لإدراج الجماعة على قائمة أمريكا للإرهاب والإرهابيين، وفى نشرة المرهم خاصته يأتى تفسير منير الذى يريد أن يصدقه داخل الجماعة قبل خارجها، أما عن مستقبله وجماعته مع ترامب فيقول منير: «إن قرار وضع الجماعة على قوائم الإرهاب لا نرجوه ولا نخشاه ووراءه محاولة تخويف تصدر غالبًا ممن يتمنونه.

 ولكن لا أتصور أن سياسة دولة كأمريكا ليس من السهل أن ينفرد الرئيس أيًا كان بهذا القرار» .. ودعونا ننبه نائب المرشد أن صدور قرار ضد الجماعة حظى بالقبول من المؤسسة التشريعية فى أمريكا وهو الآن رهين توقيع الرئيس القادم، وإن الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه هذا الرئيس ما زال يحظى بالأغلبية فى الكونجرس وهو ما يعنى سهولة تمرير القرار إذا عرض عليه مجددا.

 وإذ أقول هذا فأنا لا أخوف الإخوان ولكنى أقرأ الواقع على معطيات صحيحة لا أكذَب فيها هذا الواقع أو أكذب على الآخرين مثل نائب المرشد الذى أنهى تصريحاته لوكالة الأنباء التركية بالتوجه إلى أمريكا ترامب يطالبها أن تحترم مطالب شعوب المنطقة وأضاف مزيدا من الكذب فقال: «نحن مع مطالب المصريين ونحن (يقصد بالطبع الإخوان) جزء منهم ونتمسك بمطالب الحرية والعدل والتغيير بإرادة المصريين.

(يا راجل؟!). وليس بعيدًا عن موضوع فوز ترامب والإخوان ولكن فى سياق مختلف جاء تعليق قيادى الإخوان جمال حشمت فى «بوست» على صفحته الخاصة يصف علاجًا آخر للابتلاء الجديد الذى حل بالجماعة فقال إنه يحتاج حُسن التوجه إلى الله لإعادة الحسابات بعيدًا عن الفرقة والخلاف.. وتوقفت عند عبارة «حُسن التوجه إلى الله» لأسأل: وكيف كان توجه الجماعة إلى الله فى الماضى القريب أو البعيد؟! 

(٣) لست من هواة المبالغة أو النظر إلى ترامب على أنه مالك الأقدار القادم على هذا الكوكب لكن كونه حاكم لأمريكا قد يكون سببًا لترتيب أقدار لأمريكا ولغيرها من الدول، أما الإعلام ورجال الفكر فى أمريكا فقد وضعوا منذ زمن تصوراتهم عما يمكن أن يحدث حال وصول ترامب للحكم، ولم ينتظروا وقوع الكارثة أو يربطوا – مثلنا - أدمغتهم على نجاح هيلارى التى رشحتها مؤسسات الدولة الأمريكية العميقة بما فيها الإعلام واستطلاعات الرأى التى كانت فى جزء منها مفبركة للتأثير على توجهات الرأى العام. 

(٤) وعلى الأساس السابق باتت سياسات وتوجهات ترامب معروفة ومتداولة على نطاق واسع تتناول رؤيته للداخل الأمريكى والسياسة الخارجية وخاصة علاقاته مع الاتحاد الروسى والصين وباقى أعداء أمريكا وحلفائها فى منطقة اللعب الكبير القادمة أوراسيا، تلك المنطقة التى خطفت الأضواء من الشرق الأوسط، وما يتعلق بها من صراعات مثل الصراع العربى الإسرائيلى أو سوريا والصراع الدائر فيها أو علاقات أمريكا بدول مثل إيران والمملكة السعودية، وتبدو توجهات ترامب نحوها واضحة إلى حد كبير، وتبقى ثلاث دول تقع – من وجهة نظرى - فى المنطقة الرمادية حيث لم تتضح رؤيته كاملة تجاهها بسبب تعقيدات المواقف التى سوف تستجد بعد استلامه للسلطة والدول الثلاثة المعنية هى: مصر، وتركيا، وقطر، ولكل دولة من الثلاثة - فى رأيى أيضا - مسار خاص فى العلاقات مع أمريكا ترامب لكن هذه المسارات لابد سوف تتماس وتحتك بفعل مشترك بينها هو الإخوان، وباختصار وحتى إشعار آخر أستطيع أن ألخص رؤيتى للمستقبل فى الآتى: أولًا مصر: سوف ينقلب ترامب تمامًا على مخططات الربيع العربى كما وضعها المحافظون الجدد المتحالفون مع الفكر الصهيونى ونفذتها كالعميان الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ جورج بوش الأب وحتى أوباما.. هذه المخططات التى كانت هيلارى سوف تعيد تدويرها حال وصولها للسلطة، لكن ما سبق لن يمنع ترامب من المحافظة على مصالح إسرائيل فى المنطقة فى المقام الأول، وهو ما سوف يحدد تقاربه أو ابتعاده عن مصر على الأقل على المستوى السياسى لكن سيفعل ذلك فى إخراج مشهدى جديد لم تنتجه بعد عقلية ترامب ولا مستشاريه ولا المؤسسات «الثنك تانك» التى سوف تعاونه. ثانيًا تركيا: أتصور أنه قد انتهى دورها فى منطقة الشرق الأوسط هذا الدور الذى سبق وأن رسمته أيضا الدوائر التى خططت للربيع العربى والفوضى، ودعم الإرهاب، وحتى الشكل الذى قدمت به تركيا فى السنوات الأخيرة نفسها للغرب كممثلة للإسلام الوسطى ودعمها للحلف السنى فى المنطقة عبر تحالفها مع السعودية ضد الحلف الشيعى، ومع رفض ترامب هذه السياسات يقلل - كل ما سبق - من أسهم تركيا فى المعادلة الأمريكية القادمة فى الشرق الأوسط ولا أستبعد أن تتحول تركيا إلى خانة الأعداء المحتملين لـ «أمريكا ترامب» مع تعقيدات قادمة فى المواقف.

أما قطر فلا تنسوا أن أمريكا تمتلك فيها أكبر قواعد عسكرية لها فى الشرق الأوسط (قاعدتى السيلية والعديد) لكن سياسات قطر فى السنوات السابقة من دعمها للإرهاب وانخراطها فى مخططات الربيع الجهنمية سوف تدعو ترامب إلى تأديبها مع الاحتفاظ بها فى ذات الوقت للاستفادة بثروتها التى لا يعرف أمير البلاد الحالى – مثل أبيه – كيف ينفقها وفيما ينفقها.. ومن جانبها فإن قطر التى يحكمها ابن الأمير حمد وزوجة الأمير حمد و«بروكينجز» الأمريكية وسلاح الجو الأمريكى، قطر هذه لن تعدم الحيلة فى الوصول إلى ترامب والجلوس عند قدميه والتمسح فيهما كقطة سيامى دخلت فى وصلة غزل مع صاحبها حتى لا يعاقبها لأنها قضت حاجتها فى غير المكان المخصص لها.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط