الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اقتُلني بألف طريقة


أغلَب من في بلادي قَتَلة.. ونحن الجثث التي تمشي في الطرقات بلا أنفُس تسكُنها. لا أعلم إذا كنتُ قد قتلت أحدًا من قبل أم لا! ولكنّه احتمال وارد. القَتل في بلدي أسهل من تناول طعام الغداء، وأبرز من التنفُّس وأهم من الأكسجين. تلك التي تُحدّثكم قد قُتِلَت من قبل. نعم، لا تستعجب.. قتلي لا يستلزم وفاتي. القتل ليس نتيجة لغرس أحدهم سكينًا في صميم قلبك، أو لفّ حبل سميك خشن حول رقبتك، أو كتم أنفاسك بمنديل مبلل، أو إطلاق رصاصة حيّة لتصيب دماغك.. هناك وسائل أخرى كثيرة للقتل لا تسبب الوفاة الفورية. تلك الوسائل المباركة المبجلة من قِبَل الكثيرين في بلادي..

أطعمني سمكة قد تغذّت على مياه الصرف الصحي والحيوانات النافقة الملقاه في المياه وستكون قد قتلتني! امنع عني الدواء تمامًا لتكون قد ساهمت في قتلي. يمكنك أيضًا أن تترك القطط لتعبث في غُرف التعقيم وغرف العمليات كما تشاء، قطة تقفز فوق بطن المريض وأخرى تلثم الإبرة وثالثة تموء في أذن هذا المسكين المستسلم للقضاء. لا تكتفي بذلك، اجعلني أتأكّد أنني مجنونة لأني أستنكر وجود القطط والذباب في المطاعم. اتهمني بالدلال الزائد لو أحببت. اقنعني أنه لا بأس إذا وجدت حشرة في الطعام، أو في كأس العصير.

اطغَ في الميزان وتجشّع واعبد المال عبادةً.. تأكد قبل أن تسمح للمريض بالحصول على سرير في المشفى أنه سيتمكن من دفع المال أولًا وقبل أي شيء. لا تأخذك به شفقة ولا رحمة، ولا ترأف بدموعه وصراخه والدم النازف منه. الدّفع قبل أي شيء، والرحمة لها إله يتولّى توزيعها على البشر بمعرفته.

ارمِ القمامة على جوانب الأرصفة وكدّسها واتركها تتعفّن، أو احرقها واجعلني أستنشق السمّ وأُشبِع منه الرئتين. انزع الشجر وابنِ بيتًا من طوبٍ متعدد الأدوار، احرص أن يكون بلا رخصة وآيلًا للسقوط. اهمل في عملك وإياك والاتقان، فإنه آفة المجتمعات الكافرة. أما نحن فمسلمون ومسيحيّون.. لنا ديننا ولهم دين. لوّث، وافسِد، وامشِ في الأرض مختالًا مرِحًا بما تتقاضاه من مال على حساب الموتى.

نحن أموات نتجرّع الموت قبل وبعد كل وجبة، وفي وجبات طعامنا سم، وفي طريق أحلامنا ألف عائق، وفي مرضنا موت.. نحن لا علاج لنا إلا الاعتياد على تناول السمّ، والتعايش مع السم، واعتياده، حتى نصير سمًّا لا يميته السم! والسؤال الغيبي هنا: إلى متى؟ إلى متى سنتجرع كل تلك السموم؟
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط