الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الديانات في أفريقيا السوداء


صدر هذا الكتاب عن المركز القومي للترجمة عام 2011 لمؤلف فرنسي يدعي Hubert Deschamps لأصل يحمل عنوان Les Religions De L”afrique Noire.

والمؤلف أستاذ بمعهد الأجناس البشرية ومعهد الدراسات السياسية بجامعة باريس وشغل منصب حاكم المستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا ، وترجمه للعربية حمدي أحمد صادق وراجعه محمد عبدالله دراز وقام بتقديم الكتاب لبيب مصطفي الذي أكد علي أن العنوان يدل علي دراسة شعوب أفريقيا الغربية والشرقية والاستوائية وأعالي النيل وجنوب القارة مؤكدا في الوقت ذاته ضرورة مراعاة التطور اللاحق لهذا الكتاب لأن الوضع الراهن يمثل تغييرا واقعا علي ما أورده وشاهده المؤلف بنفسه منذ 70 عاما.

والكتاب يتناول الحياة الدينية عند الأفارقة وذلك من خلال القسم الأول تحت عنوان "العقائد الموروثة" من خلال فصول أربعة ... يتناول الفصل الأول والذي يحمل عنوان "الشخص والأسلاف والطبيعة ، ومحاور الأفكار في هذا الفصل تدور حول أهمية القوي الحيوية التي ترتكز في البدن وهي واضحة عند قبائل البانتو ومنتشرة عند كثير من القبائل الأفريقية الأخري ، وتناول المؤلف بشيء من التفصيل فكرة القوي الحيوية عند قبائل الأقزام وقبائل الدوجون وقبائل الماندنج ثم انتقل بعد ذلك إلي محور آخر هو تعدد الأنفس عند السودانيين والقصد هنا السودان الفرنسي والسنغال وغينيا الداخلية والنيجر الفرنسي ونيجيريا الشمالية وهي أقرب ما يكون إلي فكرة الجسد والروح وهناك من يري أن للإنسان ثلاث أنفس كما عند قبائل اليوربا ، أما المحور الهام فجاء تحت عنوان الجماعة ومكانة السلف منها وهو يؤكد علي قوة الأسلاف حتي بعد موتهم وتظل روح الأسلاف حاضرة ويتم تقديم القرابين التزاما من الأحياء ناحية الأسلاف وكذلك تقديم الزيارات والمؤلف يظهر في هذا الجزء واقعا شاهده يؤكد علي وجود نظام اجتماعي للقبائل وكذلك هيبة للملوك وقوي خارقة لهم.

وتحت عنوان عبادة الطبيعة كان تأصيل المؤلف لعبادة الأفارقة للحيوان والنبات والمعادن والأشياء الأخري مع وصفه لذلك وصفا دقيقا وذهب من خلال ما شاهده إلي تقديس بعض الأفارقة للأفعي وقدرة البعض الآخر علي التشبه بالحيوان ، كما توجد أشكال أخري من العبادات منها عبادة الأرض والنجوم.

أما الفصل الثاني تناول فكرة الآلهة الكبري وأنواع العبادات وفكرة نشأة الكون والأصل كما تحدث أن شعوب أفريقيا تعرف الإله الواحد خالق الكون وهو بعيد عنهم ولكنه يصرف جميع أمورهم والاتصال به يكون من خلال آلهة صغري أو وكلاء والكتاب به وصف لطرق العبادة وأشكال الآلهة في هذا الفصل في مناطق أفريقية عديدة منها ساحل غينيا وأفريقيا الاستوائية وأعالي النيل وشرق القارة وجنوبها وانتهي الكاتب في هذا الفصل بتوضيح بعض الأفكار المرتبطة بنشأة الخليقة في حد ذاته مؤكدا علي اختلاف الأفكار من بيئة لأخري والقصد هنا القبائل بطبيعة الحال.

والفصل الثالث تناول علم السحر وتلقين الأسرار من خلال مظاهر الطلاء والغناء والرقص التي تشتهر بها القارة الأفريقية وعادة الختان وعمليات التلقين من مظاهر هذا العالم المليء بالأسرار والغموض ثم انتقل لأمر آخر وهو الكهانة وتعليم السحر مستعرضا صورا كثيرة من أفعال السحرة والعرافين وهي صناعة الهدف منها الحفاظ علي القوي الحيوية ووصف الدواء للداء.

أما الفصل الرابع تحت عنوان "خصائص العقائد الوثنية وتطورها" يؤكد الكاتب علي أن الأساس في هذه الديانات هو عمق الإحساس بالبيئة وعدم معارضتها وخوفه من القوي الخفية عليه والرجل يقول نصا في كتابه "إن الديانات الوثنية أدركت الكون وفهمته علي أنه وحدة واحدة لا تتجزأ أساسها الإخوة الشاملة" مؤكدا في الوقت ذاته أن ارتباط الزنجي بالطبيعة يعني ارتباطه بالمجتمع والدليل الترابط الحادث بين الآباء والأجداد وينتقل إليي محور آخر في ذات الفصل تحت تساؤل كيف نسمي الديانات الأفريقية؟؟ وكانت الإجابة من خلال محاولة الأوربيين تسمية الديانات الأفريقية علي ضوء واقع شاهدوه ولكنهم اختلفوا فيما بينهم فمنهم من سمي هذه الديانات عبادة التماثيل في البداية لأنهم رأوا الأفارقة يؤدون طقوسا لدمي وتماثيل صغيرة ولكن ذلك لم يكن بصحيح لأن هذه التماثيل كانت تمثل الأجداد والآباء وما زال الكلام للمؤلف لتأكيد خطأ هذه التسمية عندما قارن بين هذا الإدعاء وما يطلق علي الكاثوليك بأنهم عُباد الصليب ، وأطلق البعض أيضا علي الديانات الأفريقية بأنها "عبادة الحياة" ثم "عبادة الطبيعة". 
 
وبعد ذلك انطلق المؤلف إلي المقارنة بين الديانات الأفريقية التي وصفها بالوثنية والديانات الأخري مثل ديانة الإغريق القدماء والديانة المصرية القديمة مؤكدا أن هذا التشابه مازال موجودا حتي الآن من خلال التفاعل والاتصال.
 
انتهي القسم الأول من الكتاب علي واقع تطور المعتقدات الزنجية في الوقت الحاضر وتقلص سلطات الزعماء من القبائل وضعف القدسية التي كانوا عليها سابقا كنتيجة للاستعمار الذي حقق الأمن (وجهة نظر الكاتب) بالإضافة إلي التعليم ومظاهر المدنية الأخري مما أدي في النهاية إلي حدوث بعض مظاهر التفكك لهذه الديانات مع ظهور الدين الإسلامي والمسيحي (أديان الوحي السماوى).

أما القسم الثاني من الكتاب فجاء علي فصلين تناول الفصل الأول الإسلام وكيفية انتشاره في غرب أفريقيا ووسائل انتشار الدعوة وتناول بشيء من التفصيل الإسلام في شرق السودان والمناطق الإسلامية وقت تأليف الكتاب منذ 70 عاما مستعرضا مظاهر خاصة بالإسلام بين الزنوج ، والشيء اللافت للنظر يقين الكاتب بأن الجيوش الإسلامية في فتوحاتها خيرت الأفارقة بين الإسلام أو الجزية أو الحرب والكلام للكاتب أن الدعوة الإسلامية في غالب الظروف لم تقم علي القسر وإنما قامت علي الإقناع منذ إقامة دولة المرابطين في مراكش والممالك المجاورة معترفا بأن الإنتساب للإسلام كان شيئا يسيرا ولا يتطلب سوي الشهادتين وأكد علي التشابه بين عقيدة التوحيد التي أتي بها الإسلام وعقائدهم القديمة مع وجود مسحة صوفية تميز بها الإسلام في القارة.

والجزء الأخير من الكتاب تناول تساؤلا رئيسيا وهو كيف دخلت المسيحية أفريقيا والجهود التبشيرية التي بذلت لوصول المسيحية إلي القارة منذ القرن 17 ومع توغل حركة الكشوف الجغرافية وبداية البعثات التبشيرية أصبح هذا القرن هو قرن التبشير بالدين المسيحي في أفريقيا ، وانتشرت المسيحية علي واقع اعتناق زعماء القبائل لهذا الدين، وكان انتشار الدين يمثل تبديلا لحياة الزنوج من حيث التعاليم المسيحية وفي نهاية الفصل استعرض المؤلف وضع الكنائس في أفريقيا.

تبقي لنا في النهاية كلمة أساسها أن الكتاب يعبر عن واقع شاهده مؤلفه وليس من رأي كمن سمع وتأصيل المؤلف جاء كاشفا وواضحا وأتمني أن يساهم في محو الصورة الذهنية عن الديانات الأفريقية التي عانت من سوء الفهم ومازالت.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط