الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

يا مسلم .. كيف تحب رسولك؟


إليك ياحبيبى وصفى وإمامى وحجتى وشفيعى ونبراسى ودليلى وقائدى وعترتى ونورى وهدايتى، محمد يانبى الله صلاة وسلاما عليك يا صاحب الرسالة الخاتمة والمقام المحمود يا رحمة مهداة ونعمة مسداة فى ذكرى تشريفك للأرض فجرا ونورا يبدد ظلمات جهلها ويبعث فى الإنسانية روح الإنسانية كما أرادها الخالق سبحانه وتعالى ويرسى ميزانا للعدل وقد ملئت ظلما وجورا ..

(١)
عند المسلمين لم تعد روح الإسلام هى الحاكمة والقائدة للسلوك فى حياتهم، وعند أعداء الإسلام لم يعد حرب الإسلام مجرد هواية وعبث متفرق ولكن أصبح حرفة منظمة وخطة ممنهجة يمتهنها قرود الإنسانية فى الشرق والغرب هؤلاء الذين انقلبوا من قبل على عقيدتهم الأساسية (الإسلام والمسيحية) بعد أن ساروا وراء شياطين الإنس قبل الجن وصاروا يورثونها لأجيال ترضع الجهل مخلوطا بسم الكرهية والغرض.

وما بين حرب المسلمين ضد أنفسهم وحرب أعدائهم ضدهم توأد عن عمد الاجتهادات الجادة لتنقية الخطاب والتراث المنسوب للدين بينما يتم تمجيد وتعظيم القباحات التى تدعى أنها تتصدى للمهمة وهى فى الحقيقة تهدم وتشكك وتجتر شبهات أعداء الإسلام كما تجتر الماعز ورق الشجر اليابس بحثا عن شبع بعد جوع وفقر، ويدور السجال على هذا الحال والناس تبيع نهارها بالسهر ليلا مكدرة تتابع أشباه الرجال ومدعى العلم ينابذون محاوريهم بالألقاب والأثم الفسوق ويغيظونهم بالطعن فى العقيدة تحت دعوى التجديد مفتقدين شرط التأدب مع الله ورسوله قبل التصدى للكلام فى الرسالة والرسول (ص).. وإلى هؤلاء الأفسال ومن قبلهم الباحثين عن مثال لنصرة الحق والحقيقة .. دين الله وسيرة رسوله (ص) أعيد نشر الآتى الذى كتبته قبل 4 سنوات (بقليل من التصرف) لعله يجد صداه غيرة واقتداء لمن يرنو للتصدى للسيرة العطرة .

(٢)
مؤرخ مسلم هندى يدعى بركات أحمد أجرى بحثا باللغة الإنجليزية نال عنه درجة الدكتوراة وعنوانه :
muhammad and the jews - a new examination
وفيما بعد حوّل الرسالة إلى كتاب أصدرت الهيئة العامة للكتاب ترجمة له تحت عنوان : «محمد واليهود – نظرة جديدة» ومنذ طالعت هذا البحث الرائع قبل عدة سنوات وأنا أتمنى أن أكتب عن موضوعه ومؤلفه، وأدعو كل مسلم غيور على دينه أن يطّلع عليه، وأوصى بطبعه وإقراره للدراسة فى مرحلة من مراحل التعليم قبل الجامعى لتأهيل عقلية الطلاب على مثل هذا النوع من الدراسات.

 وأن يتخذه رجال الدين مرجعا ليس فقط فى الموضوع - وهو علاقة نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بيهود شبه الجزيرة العربية بعد الهجرة إلى المدينة - ولكن أيضا فى المنهج الذى اعتمد عليه د. بركات أحمد فى الفحص والنقد والتصحيح لمصادر وروايات السيرة المحمدية، وموضوعيته المستلهمة فى الأساس من عالم الاجتماع والمؤرخ العربى المسلم الأشهر ابن خلدون الذى سبق علماء الغرب أنفسهم فى وضع مناهج البحث فى علم الاجتماع ونبه إلى الأخطاء التى يمكن أن يقع فيها المؤرخون من أئمة النقل المغالط فى الحكايات والوقائع بسبب اعتمادهم على مجرد النقل غثًا وسمين، ودون اللجوء لعرض هذه الحكايات والوقائع على أصولها وقياسها على ما يشبهها من حكايات وعدم تحكيم النظر والبصيرة فى الأخبار التى ينقلون عنها لمجرد أنها وردت فى مخطوط قديم أو كتاب يوصف بأنه تاريخى .

(٣)
ومن هذه الحكايات التى تتصل اتصالا مباشرا بعلاقة نبى الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم باليهود ماجاء فى كتب السيرة والمغازى (جمع غزوة) عن صدام الرسول صلى الله عليه وسلم بيهود قبيلة بنى قريظة الذين ساكنوا المسلمين فى يثرب «المدينة» عصر البعثة.

 وقد وقع هذا الصدام بعد أن خانت هذه القبيلة عهودها مع المسلمين والرسول وانضموا إلى الأحزاب التى اندفعت لحصار المدينة بغية الفتك بالمسلمين فيما اشتهر تاريخيا بغزوة الخندق، وكان ذلك فى العام السادس من هجرة الرسول (ص)، وتهددت المدينة بالأعداء من الجنوب والشمال إلى حد أن الأعداء كان يمكنهم القضاء على المسلمين كلهم قضاء مبرما ليس المحاربون منهم فقط ولكن المدنيون أيضا من النساء والرجال العجائز والصبيان الذين تخلفوا فى المدينة التى خرج الرجال منها إلى جبهة القتال يحاربون أحزاب الكفر، ووصف القرآن هذا المشهد الخطر فى آيتين من قوله تعالى : «إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم» (الآية ...)، «وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون. هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا» (الآية...)

لكن الضعفاء انتصروا وفكت قريش وغطفان وباقى الأحزاب الحصار بعد يأس ورحلوا، وقبل أن ينصرف المسلمون من جبهة القتال دعاهم الرسول (ص) إلى معركة أخرى مناديا : «من يؤمن بالله ورسوله فلا يصلين العصر إلا فى بنى قريظة» وكان النداء يعنى التحرك فورا لإنزال العقاب بهذا العدو الذى هدد المسلمين بالإبادة، فاستدار جيش المسلمين متوجها لحصار بنى قريظة فى حصونهم واستمر الحصار لأكثر من أسبوعين وبعد مداولات ومشاورات وقبول اليهود حكما بينهم وبين المسلمين من مواليهم وهو سعد بن معاذ من قبيلة الأوس، فتحوا حصونهم واستسلموا أسرى للمسلمين.

وباقى الحكاية كما وردت فى روايات المؤرخين المسلمين ومدونى السيرة أن رسول الله (ص) أمر بقتل المحاربين الرجال من بنى قريظة، وفى سيرة ابن هشام أن رسول الله (ص) خرج إلى سوق المدينة وأمر بحفر خنادق ثم بعث إلى الرجال فضرب أعناقهم فى تلك الخنادق وكان عددهم بين 600 إلى 900 رجل محارب، وتعود الروايات فتختلف حول من أصدر هذا الحكم الرهيب حيث تشير بعضها إلى أنه الرسول (ص) وتشير أخرى إلى إنه حكم سعد بن معاذ الذى أرتضاه اليهود حكما، ويذكر د. بركات أنه جاء فى البخارى ومسلم حديثان متناقضان بشأن هذا الحكم، وتضيف الروايات أن سعد بن معاذ حكم أيضا بتقسيم أموال بنى قريظة بين المسلمين وسبى ذراريهم ونسائهم!!

(٤)
هذه الرواية التى وردت فى كتب رواة السيرة المشهورة من ابن هشام إلى ابن عباس نقلا عن ابن اسحاق وتضاربت وتناقضت تفاصيلها لتنتهى إلى نتيجة واحدة فى كل الحالات يمكن تلخيصها فى أن الرسول (ص) والمسلمين الأوائل ارتكبوا تلك المذبحة البشعة، وقد شاهدت على إحدى شاشات الفضائيات رجل دين أزهري لا ينفى الواقعة كما وردت فى كتب السيرة لكن يرد عليها باتهام مضاد يهاجم فيه اليهود بذكر مذابحهم ووحشيتهم كما جاء ذكرها فى سفر اللاويين المشهور بسفر الإبادة الذى يخبر عن إبادة بنى إسرائيل لأعدائهم وقتلهم لكل مظاهر الحياة من شجر وطير وحيوان حين دخولهم فلسطين أول مرة بقيادة يوشع بن نون .. وعندما يقول رجل الدين الإسلامى هذا فيأتى كلامه بمثابة إقرار بأن الرسول (ص) المشهود له من رب العالمين بالرحمة قد أمر بارتكاب مثل هذه المجزرة .. وحاشا لله أن يكون الرحمة المهداة جلادا أو حفار قبور، وأن يقبل مفكرو الأمة مثل هذه الرواية المتهافتة بينما ينقدها مفكرون وكتّاب من الغرب فيكتب ر .ا نيكلسون فى مؤلفه المعنون بتاريخ آداب العرب : « إن التمحيص التفصيلى يثبت أن قصة هذه المذبحة بأكملها قصة لا تقف على قدميها »، فهذه وصمة تأتى دراسة د. بركات أحمد لتجلو حقيقتها فتثبت بالأدلة العقلية والنقلية سقوطها وتهافتها وينتهى إلى أنها مجرد أسطورة وينتهى إلى تصحيح الواقعة كالآتى:
الذين تم توقيع العقاب عليهم من بنى قريظة هم فقط زعماء المقاتلين والقادة ولا يمكن أن يزيدوا بأى حال من الأحوال على 16 إلى 17 شخصًا، وأن هذا العقاب يتوافق مع مبدأ القصاص العادل «العين بالعين والنفس بالنفس» ومبدأ العيش المشترك «لا يكسب كاسب إلا على نفسه» هذا المبدأ الذى اتفقت عليه عناصر الأمة الثلاثة المهاجرون والأنصار واليهود فى صحيفة المدينة منذ هاجر إليها رسول الله (ص) وبقى أن نشير إلى أن روايات السيرة - سالفة الذكر - أسندت تنفيذ حكم الإعدام فى رجال بنى قريظة إلى شخصين هما على بن أبى طالب والزبير بن العوام، ولكم أن تتخيلوا أن يقوم هذان الصحابيان بقتل هذا العدد الهائل من البشر فى ساعات قليلة دون أن يصابا بصدمة أو مرض نفسى يصاحبهما فيما تبقى من حياتهما أو حتى يشتكيان من تعب أو نصب أو ترد فى تلك الروايات حكاية عن سيف كسر أو نصل تلم أو أن هؤلاء القتلى الذين تخندقوا بين سكان المدينة تسببوا فى إصابة جوها فيما بعد بالأوبئة والأمراض .. ويكون السؤال بعد ذلك أى عقل يمكن أن يقبل بهذ الروايات؟! إلا أن رواة السيرة من المسلمين انتحلوا بعض الروايات انتحالا لتشكيل حكاياتهم التاريخية تشكيلا متميزا.
.. وتبقى القضية لا تتعلق فقط بتصحيح واقعة بنى قريظة ولكن بما يمكن أن يسهم به رجال الإسلام فى تصحيح العلاقة بين الإسلام والإنسانية، والإسلام وأهل الكتاب، والإسلام واليهود بدلا من أن نترك الأمر للمستشرقين وأعداء الإسلام.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط