الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأزهر الشريف .. وتجديد الخطاب الديني


لا أظن باحثًا منصفًا يشك في أن الإسلام دين ينسجم في مجمله وتفصيله مع فطرة الإنسان وحاجاته، مهما تطوَّر هذا الإنسان في سُلَّم الحضارة صعودًا أو هبوطا؛ فتلك حقيقة واضحة تفرض نفسها على الناس، سواء آمنوا بها أو كفروا. 

لكن وضوح هذه الحقيقة لن يغيِّر ـ وللأسف ـ من مواقف بعض المثقفين شيئا، فهو لن يجعل من الظلام الذي يصفوننا به نورا، ولن يجعل من التنوير الذي يصفون به أنفسهم ظلاما. ولعل قضية «تجديد الخطاب الديني» التي تشتعل على أشدها في هذه الأيام أبلغ دليل على ما نقول.

وحتى نكون على قدم الإنصاف فيما نقول، فينبغي أن نعترف أولًا بأن التجديد شيء من صميم سنن الحياة، بل هو من ضروراتها ومظاهرها، ومتى انقطع معين التجديد والتطوير عن عنصر من عناصر الكون، فليس أمامه حتمًا إلا الدخول في حالة احتضار، يعقبها موت محقق.

لكن الخطاب الديني الذي أعرفه: هو حوار بين طرفين، أحدهما مخاطِب (بكسر الطاء)، والآخر مخاطَب (بفتح الطاء)، ويستند هذا الخطاب إلى مرجعية من أصول دين الإسلام وفروعه، سواءً كان منتِج الخطاب منظمة أو فردًا، طالما يجمعهم الاستناد في خطابهم إلى أصول الدين وفروعه كمرجعية لرؤاهم وأطروحاتهم في إدارة تلك الحياة والتعاطي معها.

وإذا كان الإسلام بحقائقه الثابتة الراسخة، يبعث المسلمين على أن يجدِّدوا أنشطتهم، ويطوِّروا فعالياتهم، وأن يسيروا قدُمًا وَفق ما تقتضيه مصالحهم التي حدَّد لهم معالمها وأنواعها ببيان راسخ، وأقام سُلَّم الأولويات للتنسيق فيما بينها، فلا شك أن المطالبة بتطوير الخطاب الديني أمر لا غضاضة فيه ولا إشكال، بل لا يبعد أن يُضمَّ إلى تلك المطالبة مطالبة أخرى بتطوير الخطاب الإعلامي والفني، وغيرهما من ألوان الخطاب.

وإذا كان الخطاب الديني الجديد سيستند إلى أصول الإسلام وفروعه باعتباره خطابا إسلاميا، فلا إشكال في أن يتولى الأزهر الشريف ـ وهو المؤسسة الدينية المعنية بالحفاظ على أصول الدين وفروعه فهما وتحقيقا وتعليما وتطبيقا ـ تجديد الخطاب الديني بما يحقق مصالح الأمة وسلامتها دنيا وأخرى.

ولقد سار الأزهر إلى ذلك ـ كما أعلن إمامه الأكبر ـ وفق خطة سديدة، ومنهجية رشيدة، تنتظم خطوات المنهج العلمي في تناولها والاقتراب منها‏,‏ حيث تبدأ برسم صورة واضحة وصريحة لمشكلات الأمة ومعضلاتها وعثراتها‏,‏ ثم ترتيبها ترتيبا منهجيا بالنظر إلي مركز كل واحدة منها في البناء الإسلامي المتكامل‏,‏ ثم تحليل كل واحدة منها تحليلا متأنيا في ضوء الدراسة الواقعية المحايدة‏,‏ ثم يأتي أخيرا تحديد خطوات العلاج الذي ينبثق انبثاقا عضويا من الأصول الثوابت في ذلك البناء دون تذويب لها أو التفاف عليها‏.‏

وعلى الرغم من أن تلك الخطوات المنهجية قد تبدو مغرقة في التنظير، لكنها لو حالفها السداد والتوفيق ـ بالتفاف المفكرين من أبناء الأمة حولها، وإعانة الأزهر وإمامه في تحقيقها ـ لكانت بداية واعدة لطريق شاق من شأنه أن يسلمنا إلي خطاب ديني متجدد، تنبض خلاياه بالحيوية في تفاعل خصب ذكي مع مشكلات الأمة وعثراتها وعقباتها‏.‏

لكن المشكلة الكبرى أن بعض المثقفين ـ ممن يحلو لهم توجيه سهام اللوم والتقريع إلى المؤسسة الدينية ـ دائما ما يسعى للتشكيك في إمكانية قيام الأزهر بهذه المهمة، فإذا ما رحت تسأله عن أسباب ذلك التشكيك، راح يهذي بأن كبار علماء الأزهر قد تجاوزت أعمارهم العقد السادس، حتى صار من الصعب عليهم فهم مستجدات العصر، وأنهم يكتفون فقط من تقاليد العلم بالنقل دون إعمال العقل، وأن الأمة على امتداد ألف سنة لم تر من الأزهر ورجاله أي بوادر في إصلاحية الفكر!

وليت شعري لو سمع هذا الكلام رفاعة الطهطاوي، أو محمد عبده، أو مصطفى عبد الرازق، أو مصطفى المراغي، أو خالد محمد خالد، لقاموا جميعا من قبورهم يشهدون عليه بالتزييف والكذب، فهل يقبل عقلاء المثقفين على عرضهم مثل هذا التجني؟!

إن بعض المثقفين لا يزال يعتبر ما قام به إسلام بحيري من تخريب لعقول العامة، وتشويه لحقائق الإسلام، نوعا من التجديد، وكأنهم لا يعرفون الفرق بين العلم والوهم، وبين التجديد والتخريب، وبين النقد والإسفاف. 

وكأنهم لا يعلمون أن ناقد الشعر العربي لا بد أن يحيط علما بالعربية وأساليبها، والشعر وأوزانه وقوافيه، وناقد الفلسفة لا بد أن يتضلع بمعرفة قديمها وجديدها، أما أن يتكلم كل أحد في كل شيء، فليس ذلك من الثقافة أو التجديد في قريب أو بعيد.

[email protected]
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط