الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

داعش.. شركة متعددة الجنسيات وعابرة للحدود



ابتليت شعوب المنطقة بداء يفتك بكل ما هو حي وجامد ولم يسلم منه شيء لا البشر ولا الشجر ولا الحجر ولا حتى عقولنا التي ما زالت تحلل وتفسر وتستنبط عن أسباب ظهور هذا الداء وماهية الدواء للقضاء عليه.

نعيش في مجتمع استهلاكي وسريع حتى أننا اقتنعنا وأقنعنا انفسنا وفوق ذلك نقنع الآخرين أن العالم أصبح كقرية صغيرة نتيجة التطور التكنولوجي والمعرفي الذي أصاب عقول البشر في المنطقة وخاصة منهم ممن أدعى ويدعي الثقافة والعلم والمعرفة، مع العلم أن ثقافة الاستهلاك وتنميط المجتمع هو أساس هذه القرية الصغيرة مع أن الانسان بحد ذاته لم يكتشف لحد هذه اللحظة في الكثير من النواحي.

إن كنا قد اقتنعنا وأقنعونا عبر الغزو الاعلامي أن العالم بات قرية صغيرة فهذا يقودنا إلى طرح بعض الاسئلة والاستفسارات والتي لم نرى لها أجوبة لهذه اللحظة، اسئلة بديهية وهي من أين جاءت داعش ولماذا تمددت في هذه القرية الصغيرة في لحظة كنّا فيها في غفلة من الزمن وحالة من الهيجان وسكرة التكنولوجيا الافتراضية التي جعلتنا نعيش بعيدًا عن الواقع ونبحث عن الحقيقة في واقع افتراضي غير موجود إلا في حواسيبنا وهواتفنا التي باتت إلينا أقرب من حبل الوريد ومرتبطين بها أكثر من الذي هو بالفعل أقرب إلينا من حبل الوريد ألا وهو الله.

اقنعتنا قوى الحداثة الرأسمالية بأنها نهاية التاريخ في أدبياتها وأنها هي فقط التاريخ والحاضر والمستقبل وأنه لا حياة لمن يخرج عن مسارها وطاعتها، لذا تفرض علينا وعبر الكثير من طرقها وأساليبها أن الحياة ليست سوى عن تقسيم المجتمع إلى قسم يشجع هذا النادي الرياضي أو ذاك، قسم يقلد هذا أو هذه الفنان أو الفنانة وقسم يكون هدفه في الحياة تأمين لقمة عيشه ولا يعرف من الرياضة والفن شيء لأنه وهو تحت خط الفقر يبحث عن لقمة خبز يأكلها وكأنه يقول للآخرين أني ما زلت على قيد الحياة، ولكن أي حياة.

داعش، هي صناعة عقولنا السطحية والساذجة عبر التاريخ والتي لا تعي منه سوى التكرار الأعمى لما كان عليه آباءنا وأجدادنا من دون سؤال أو تفسير، وبقدر تقليدك لهم بقدر ما تكون الإبن الصالح وبقدر سكوتك واقتناعك أن العالم بات كقرية صغيرة وأن مختار القرية أو الأغا أو رئيس العشيرة وحتى الرئيس المفدى الخالد إلى الأبد هو العالم بكل شيء وهو الحكيم وهو من يفكر عنّا وما نحن سوى دمى ننفذ ما يُطلب منّا، بقدر ما نكون ضحايا لنظام أقنعونا أنه ن دونه لا يمكنك أن تعيش.

داعش هي صنيعة ثقافتنا وموروثنا وعاداتنا التي لم نطورها وأبقيناها على ما هي عليه على أنها من التابوهات المقدسة منذ آلاف السنين وحتى راهننا، هي صناعة القوى المركزية للحداثة الرأسمالية التي هي بالذات من انتجت وروجت لداء السرطان والايدز وجنون البقر وانفلونزا الطيور حتى أقنعونا بأنها الحقيقة، وذهبنا نحن السذج بنحر الأبقار وحرق الطيور.

داعش، هي صناعة ثوى الحداثة الرأسمالية المركزية التي لا همًّ لها سوى الاستحواذ على كل شيء وجعل الشعوب عقيمة ومستهلكة ونمطية كي تستمر في ديمومتها، هي عبارة عن مخلفات قوى الحداثة الرأسمالية وهي شركة متعددة الجنسيات وعابرة للحدود، وهذا ما يثبت أنها ولدت من رحم قوى الحداثة الرأسمالية وأذيالها في المنطقة والتي تنفذ ما يطلب منها.

داعش، حالة وظيفية ظهرت وستختفي وستظهر في جغرافيا أخرى بنفس الجوهر ولكن بشكل آخر، حالها كحال القاعدة والنصرة وما فرخته من فصائل مرتزقة عديدة في العراق وسوريا ومصر والاردن واليمن وافريقيا.

منطقتنا كانت، أقول كانت وبكل حزن، مهد الحضارة الانسانية التي علمت العالم الثقافة والفن والفلك والطب وكل شيء، والآن اصبحنا نقتل بعضنا البعض ونشرب كأس النصر ونغني نصرة لله.

القضاء على داعش يبدأ من الذات والداخل وذلك بالقضاء على أسبابها وكلنا يعلمها وهي أن المعرفة والعلم واحترام الآخر مهما كان وأساس كل هذا هو الاخلاق، فبدونه لن نستطيع عمل شي، علينا بناء مجتمع أخلاقي وسياسي يعتمد أخوة الشعوب أساسًا له.

نعم، الحل يكمن فينا وليس الاستنجاد بالآخر كي يأتوا باسلحتهم ويقتلوننا تحت مسمى محاربة داعش وهم الذين رعوها بحقن هرمونات الرأسمالية الانانية، ولا نستطيع لومهم لأننا كنا التربة الخصبة لإنتاشهم.

لهذا علينا أن نغير من قناعاتنا بعض الشئ وإن كانت الحقيقة مرّة ولكنها الدواء المرّ الذي لا بد من تناوله الآن، عاجلًا أم آجلًا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط