الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شنودة رزق الله فهيم يكتب: قصة حقيقية «هلال وصليب»

صدى البلد

ذات يوم كنت ذاهبًا إلى القاهرة كعادتى التى لا أستطيع التخلص منها منذ تسجيلى للدكتوراة، فشاهدته نائمًا فاتحًا فمه، حيث تظهر أسنانه ناصعة البياض ولكنها قليلة، والتى تشكل مع شعره الناعم المشتعل الشيب لونا براقا فتجاهلته، إذ إننى لا أعرفه، وقد جلست على كرسي بجواره بعد أن احتضنت صديقى القادم من سوهاج الذى أوانى، حيث يسكن فى القاهرة العظمى، والذى يسمى محمد، ولكن ليس الحديث عنه اليوم، فعلاقتى بأصدقائى وأغلبهم بنفس الاسم تقريبا أمر مفروغ منه، وإذا تحدثت عنهم فلن أجد ما أعبر به من كلام، فلى معهم علاقة قوية جدا أدعو من الله أن تمتد وتزيد ولا يفرقنا شيء أبدا، ومن منطلق هذه الصداقة تعمدت ألا أذكر فى مقالى هذا كلمة مسيحى أو مسلم.

أما عن الرجل الذى كان يرقد بجانبى فى قطار بزي مميز من الدرجة الثالثة والتابع لشركة "سافر حاتموت مقتول"، فقد كان رجلا مسنا للغاية لا يستطيع أن يتحمل أعباء السفر، بل إنه لا يتحمل حتى السير فى القطار حتى يذهب إلى دورة المياه، إذ إنه كان يرفع عصاه الجريد التى يتوكئ عليها وحين ترتفع قدمه لتستقر الأخرى على أرضية القطار، تنغرز العصا فى أجساد الراقدين فى الطرقة فينبطح على وجهه المجعد البسيط.

وهنا انتابنى الفضول، فأخذت أتحدث معه عن سبب سفره فى قطار مثل هذا، ودون أن يعرفنى أو يحاول أن يكشف عن اسمى فيعرف ديانتى، وضع يديه ليمسح بها ذقنه الأبيض، وقال لى وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة تنم عن سعادته بعمل ذلك، إنه من أسيوط وكان له جار يدعى الأستاذ منير، ولكنه ترك أسيوط منذ زمن بعيد منتقلا إلى القاهرة ليقطن فى العباسية، وإنه ذاهب إليه ومعه كرتونة محملة بالهدايا - والتى لا يستطيع هذا الشيخ الضعيف تحملها من ثقل وزنها - لكى يعيد عليه وعلى أسرته ويتناول معهم العشاء ثم يبيت عندهم، وفى صباح اليوم التالى يغادر القاهرة عائدا إلى بلده فى أسيوط.

وإنه فى كل سنة وفى نفس الميعاد بعد حلول السنة الجديدة وقبل الاحتفال بعيد الميلاد وأيضا فى باقى الأعياد والمناسبات الخاصة بجاره هذا، يذهب إلى القاهرة ليهادى جاره ويعيد عليه وعلى أسرته، وهنا قاطعه شخص بجوارنا وقال له: "بعض شيوخ المسلمين يحرمون التعييد على أمثال هؤلاء"، فطفق يقول له إن النبى صلى الله عليه وسلم (عليه أفضل الصلاة والسلام) وصى على سابع جار دون أن يحدد هوية هذا الجار مسيحيا كان أو يهوديا أو غيره، فكل السبعة جيرانه وقد وصى بهم جميعا بصرف النظر عن دينهم.