الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر والعراق .. عندما يصب النيل في نهر الفرات ..!


دائما للتاريخ والجغرافيا قضاء وقدر وحدهما القادران على حياكة أمان المستقبل واستقراره ..والشعوب كعادتها تكسب من الأرض هويتها ... فلا تستقيم طبيعة شعب صحراوي مع شعب نهري أبدا .. ولا تتآلف طبيعة شعب جبلي مع شعب بحري مطلقا ..

ولا يمكن أن تتفق طبيعة شعب كل تاريخه مدح للسرقات ونهب للخصوم وغزو للمخالفين من أجل الحصول على ما بأيديهم من نعاج أو أرانب برية مع شعب آخر مستقر كل تاريخه الفخر باختراع الزراعة والصناعة وتوطين الحضارة وما أهدى للعالم من الابتكارات والفنون في كل شأن من شئون الحياة ..!

التاريخ يلوى عنق الواقع ويدفع الجميع لأن يستقيم مع من يشبهه .. وهنا يأتي أثر الحضارة عزيزا غزيرا عندما يجعل الشعوب الحضارية تألف بعضها فيما الشعوب الناهبة تُعرف بمكرها فما تألف غير نفسها ..

نهر النيل ينبع من الجنوب إلى الشمال في رحلة طويلة قامت حولها الحضارات ليكون هواها الجنوبي شمالي ... فيما دجلة والفرات ينبعان من الشمال ويسيران ناحية الجنوب في العراق ليجعلا في هذا البلد كل هو شمالي هناك ذا هوى جنوبي وهنا يكتمل الجنوب مع الشمال عندما يصبح جنوب العراق شمال مصر وشمال مصر جنوب العراق وحولهما قد نشأت أقدم وأعرق الحضارات ..!

الحضارة التي هي كل ما أنتجته فاعلية الإنسان الخيرة وجدناها هنا في حالات تلاقي وتمازج تكشف عنها الآثار التي تركها الآشوريون والأكاديون والسومريون وما خلفه قدماء المصريين العظام ... في النقش والأدوات وشكل وطبيعة الفكر والعمران ... فالزراعة التي اخترعتها حضارة العراق وطورها المصريون لتكون طعاما للناس تنقلهم من قطف الاشجار إلى تنوع الموائد وصلت العالم كله من هنا ... ومن حول هذا التعاون التاريخي الحضاري بين البلدين..

والكتابة التصويرية التي فكت شفرات الحضارة العراقية والمصرية القديمة قد شهدت بالألفة بين الحضارتين في أكثر من فن ومجال وهو تاريخ قادر على أن يعيد نفسه ويجعل اللقاء الحتمي بين العراق ومصر جزءا من منظومة القضاء والقدر لكلا البلدين والشعبين تدفعهما ألا يفترقا لأي سبب وتجعل من اجتماعهما خيرا مشتركا ..!

وهذا حقيقة قد وجدناها وحدها تقول بما يكفي أنه عندما غاب العراق عن مصر وانفصلت مصر عن العراق بوشايات الأعراب والأغراب حل الخراب على كل الإقليم والعالم فلم يستثنِ أحدا ..!

وقد ذهب البعض للنفخ في مناطق القبائل التي احتلت البلدين قديما فنشأ النزاع في بلاد ما بين النهرين وما حولها في مناطق القبائل التي حملت من الصحاري مكرها وطبيعة شعوبها الكارهة للتحضر والولاء للوطن وكما صار في بيئة القبائل التي عملت على تحلل وإسقاط الاستقرار في العراق وبلاد الشام انتقلت عدواها إلى نفس النطاق في سيناء وليبيا وغيرها من البقاع ...!

فيما الكتل الشعبية المنحدرة من نسج الحضارة بعمقها في حواضر بغداد ودمشق والقاهرة ظلت على وفائها للأمان والسلم الأهلي صابرة..

ولكم تمنيت أن تفهم العواصم الثلاث أن نجاتها من الخراب لن يكون إلا باجتماعها في مركبة واحدة رايتها التاريخ بدفئه .. وخشبتها الواقع برفقه .. وبحرها الآمال بتطلعها لغد يكف عن العراك ويتوقف عن الإنصات لصوت سلفي يجوث خلال الديار فلا يحيلها بمكره إلا إلى خراب يذهب بالاستقرار حين يجند الأشرار ..

ولربما فطنت القاهرة مؤخرا لبعض السطور عندما طار وزير البترول المصري من الأردن إلى بغداد من أجل توقيع اتفاق ضخم لنقل نفط البصرة إلى مصر لتكريره ثم العودة به لمواجهة احتياج العراق في فترة حربه الضروس مع الإرهاب النازح بفكره ومكره وفتاويه وحملة خناجره وحناجره من بعض دول الجوار .. وقد تطور الاتفاق إلى تزويد العراق لمصر بمليون برميل نفط شهريا ستصل أولى بواخره إلى القاهرة خلال أيام عوضا عن قطع النفط السعودي عن مصر في لحظة حرجة أريد منها الضغط والابتزاز وإسقاط الدولة المصرية في وسط محنة الضغوط الاقتصادية الخانقة ..!!

ولتكون بداية لتعاون يعيد إلى الواجهة تآزر حضارتين عظيمتين انارت للعالم طريقه بقانون الماعت الأخلاقي المصري وقوانين حمورابي العراقية التي لا تقبل ظلما ولا ضيما وكانت أول قوانين مكتوبة في العالم تعمل على تنظيم الحياة طلبا للاستقرار والأمن.

هذه الأجواء التي تعيش فيها شعوب نهرية تتشابه وزراعية تتآلف وحضارية تتآخى هي وحدها القادرة بالاستثمار فيها على إنبات الأمان من جديد وردع تطلع المتآمرين الأتراك ومن حولهم من الأعراب وحلفائهم من الغزاة الصحراويين الطارئين على هذه الجغرافيا من أجل النجاة بكامل المنطقة من السقوط في بحور دماء واشلاء لن يكون ضحاياها بحال سكان القصور بقدر ما ستنهش من لحم أبناء الحضارات التعساء بجوار هؤلاء المندسين الأشقياء .. نحن حيال حتمية إعادة المشهد إلى زواياه الأولى حتى يصل لسان من النيل ليصب في نهر الفرات مجددا من أجل إنقاذ المستقبل من تهور المراهنين على تنشيط الفتن الطائفية وأبواقهم من حملة الشيكات المكتوبة بالدم أملا في فوضى تشعل المنطقة لتأخذ أجندتهم مكانها بين ضجيج السقوط ..

اليوم لا يزال الأمل كبيرا في تعاون فعال بين اصحاب الحضارات في الإقليم التعيس بمروجي الفتن من أهل الطرح والعاهات ... فهل نُقبل على ذلك الطريق بإرادة وروح فرق الإنقاذ قبل أن تخطفنا الفوضى في دوامة تتوه حولها المسارات ....؟.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط