الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نوران الراضي تكتب: بلاهة فتفاؤل ونجاح

صدى البلد

صدقني يا عزيزي ، لن اماطل ولن اجادل بعد اليوم . لا سبب غير ادراكي -واخيرا -ان الكلمات تتراقص بنغمات رنانة و شفرات مبعثرة . و الكلمة كرؤية العين . وليس العيون سواء . تختلف جهات النظر -واقصد المعنى المادي-بتعدد زوايا الرؤية و عامل البعد و القرب و الجينات الوراثية . و كذلك نطاق النظر و مداه . والمعنى الحسي يتفق تماما و يتجانس . فالاراء متعددة متباعدة . قد تتشابه- لا شك- بامتزاج الفكرة و الثقافة و الزمن . لكن المسلم به : لا احد يفكر فيما تفكر في نفس الثانية .. و هذه نعمة تميز بعضا على بعض .
كنت في كورس في المعهد البريطاني بالعجوزة، و قرر المعلم ان نشاركه لعبة ، يعلمنا فيها فن الاقناع . يسير جدا ان تقنع احدهم شيئا تحبه. غير انه من الشائك و المسلي اكثر الا تكون مقتنعا .
فأنت تحب اللون الاحمر ، اقنع صديقك ان الاخضر اجمل و ارق . انت تراه قبيحا و كلون فضلات الطيور . لكنك مجبر ان ترى الجميل فيه . فتقول انه لون الحدائق و النخيل و الزيتون اللذيذ و النعناع المنعش المنشط للعقل و المداوي لتقلصات البطن . و ان اقتنع تكسب !
المثمر في الامر ايجاد الايجابيات في كل شيء . فيما تراه و فيما يصفه غيرك . في النعم و البلاء . ان ترى الجميل و ان بغضته نفسك اقصى انواع الضبط و الحكمة . و يقول ايليا ابو ماضي : "كن جميلا تر الوجود جميلا "
و ورد ما يشابه في السيرة الذاتية لرضوى العاشور الكاتبة الكبيرة ، رحمها الله :
" عندما ارتبك المسار لم يهتز اليقين لأنني ساذجة ؟ لأنني متفائلة إلى حد البلاهة ؟ لأنني اؤمن بقشة الغريق فلا أفلتها أبدا من يدي ؟ ربما"
لا بأس من قليل من البلاهة و السذاجة يا استاذتي ان كان يعقبه التفاؤل . و رب متفائل رزقه الله ما تمنى و بعد عنه ما خشى .
جميل ان نتعلق بقشة الغريق . لا نعلم الماورائيات فعلام الجزع ما دمنا نجهل ؟ . و "ربما " هي اجمل ما قيل و اصدق ما يقال فعلا . ربما الخير يأتينا فنفرح و ربما تأخر سعيه ولكنه لن يضل . فالخير سهم لينا منبسطا اخره ممغنط ينجذب لفرد واحد من البشر -ليس مميزا عن غيره شيئا - لا يسلك مسارا غير مساره اذا كُتب له . فربما ، و ربما .ان كان هناك شيئا يستدعي اليقين ان الله لن يخيبنا ابدا. هذه الحكمة فيما اقول ... الحكمة تأني . و التأني يتطلب الكثير من المرونة و الاقناع و الرفق . كذلك يجب ان تكون علاقة الاباء بالابناء . اساسها اللين و عمادها الخبرة و الدين .
انيس منصور يحكي عن علاقة توفيق الحكيم بابنه . نعم الاب هو . يؤدبه و يصادقه . و يلين معه و يشترط عليه . كسر اسماعيل مرة جيتاره ، تحطم ارضا . فطلب من ابيه مبلغا يأتي بغيره . و الحت امه . فما كان رد الحكيم ؟
عقد صفقة مرحة بينه و بين اسماعيل . بان يبدله جيتارا جديدا . على ان يرد ثمنه قسطا قسطا . 200 جنيه مع بداية كل شهر . و ابرم الاتفاق . ورضى الجميع . و فرح الاب بأمانة ابنه و همته العالية فلم يتأخر مرة و لم يتحجج اخرى . و المبلغ يأتيه دون تبرم و لا سخط . لم يكن الحكيم بخيلا . و لا شديد الفقر و لكنه كان حريصا على تنشأة ابنه صلبا و ابيا و ذكيا و ان كان للحق . فاسماعيل ذكي للغاية .
اما رأي انيس منصور فرحة توفيق الحكيم بابنه، سأله عم يفعل معه . فقال: "لقد علمته الأدب. والصدق في المعاملة. أنا أنتظره. ويمد يده يعطي الفلوس.. وقد أوشك على سداد الدين كاملا.. هاها. ". و نكمل على كلام الحكيم العظيم انه علمه الذكاء و الحنكة و سرعة البديهة و القدرة على المواجهة . حيث افصح اسماعيل عن مصدر المال في مجلس ضاحكا :" بابا رجل طيب.. إنني فعلا أعطيه اللفافة.. ويعطيها لأمي.. وأمي تعطيها لي.. وهذه اللفافة تدور بيننا منذ ثلاث سنوات. ولو نظر إليها لوجدها هي هي.. ولكنه لا يفعل. "
لم يفعل و لو عرف لن يفعل . و اذا كنت الحكيم يا عزيزي لن تفعل . لان الاباء جميعهم طيبون . و جمال العلاقة بين الاب و ابنه الثقة و الرفق .. ان وجدت رفعته مكانة و زادته خلقا .
وعلى سيرة العظماء ،كتب صلاح جاهين قصيدة عامية بسيطة غنتها السندريلا سعاد حسني يقول : الضحك ده مزيكا
كهربا على ميكانيكا ..اضحك ع الشيكا بيكا.
و اذا دققت في حياتك تجد الكثير من الشيكا بيكا . و هي كل ما لا تحبه النفس و لا تستهويه من مشاغل و هموم و مشاكل ربما تصل للمصائب نعوذ بالله . و مواجهة الشيكا بيكا كالآتي : الحزن و التشاؤم و السعي لزيادة الغم غم .او الضحك المعتمد على الصبر و تأمل الحكمة و التسليم و اليقين.
دعني اجمع شتات ما سلف فلا تتوه مني ، اقول لك بكل اريحية القليل من البلاهة و الصداقة و الضحك على الشيكا بيكا لا تضر .

-