الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هيئة الأمر بالمعروف اللبنانية


من تابع خطة حزب الله للانتشار في لبنان بعد العام 1984 لا شك أنه لم ولا ولن يستغرب المرحلة الثانية من الانتشار التي بدأها الحزب في السنوات القليلة المنصرمة، والتي بدأت تنكشف في الفترة القريبة الماضية.

فحزب الله وبموازاة انتشاره العسكري، دأب منذ نشاته على نشر أفكاره وعقيدته المتمثلة بفتاوى الولي الفقيه من خلال تغليفها بغطاء اجتماعي غريب عن طبيعة المجتمع اللبناني، بدأها بنشر الفتاوى من إيران وفرض الحجاب والتشادور للنساء والملابس السوداء للرجال، ومنع الموسيقى في المجتمعات التي سيطر عليها في بيروت والجنوب وبعض المناطق الأخرى، وانتشرت بالتوازي الأناشيد الإيرانية والعراقية ولهجة جديدة تتضمن الفاظا وتصرفات خاصة بمجتمع ولي الفقيه التي سبق وتم نشرها في إيران والعراق والبحرين والكويت.

ووصلت الأمور إلى حد السيطرة على المساجد والحسينيات ومنع أي اجتماعات أو مناسبات لا تتوافق مع العقيدة الوافدة، حتى أنه تم منع إحياء مناسبات دينية في الحسينيات لشهداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وحصر تسمية الشهيد لقتلى الحزب وحدهم دون سواهم، والأدلة على هذه الوقائع كثيرة.

أما اليوم وبعد أن أمن حزب الله مناطق خاصة به في بيروت والجنوب والبقاع، وبعد أن فرض هيمنته بسلاحه مخالفا اتفاق الطائف الذي نص على حل جميع الميليشيات اللبنانية ودمج من يرغب من عناصرها في القوى الأمنية لإعادة التأهيل والدمج، وبعد أن سيطر الحزب أيضا على الأدوات السياسية، خصوصا مجلسي النواب والوزراء، يبدو أنه بات في المرحلة الثانية من الانتشار، والتي تقضي بفرض أسلوب الحياة الخاص باتباع الولي الفقيه على عموم الأراضي اللبنانية والدولة اللبنانية ومؤسساتها، حيث سجلت بعض الأحداث مؤخرا من المستحيل اعتبارها فردية وغير تابعة لمخطط كبير يجري تنفيذه.

الحادثة الأولى حصلت في الجامعة اللبنانية، حيث تم منع أغاني السيدة فيروز خلال احتفال تأبيني لأحد الطلاب، والمانع كان اتحاد الطلاب الذي يسيطر عليه عناصر الحزب، أما الحادثة الثانية فكانت في بلدة كفر رمان الجنوبية، حيث تم إقفال متاجر المشروبات الكحولية من قبل البلدية التي يسيطر عليها الحزب، علما أن هذه المحلات مرخصة من الحكومة اللبنانية وتدفع ما يتوجب عليها من ضرائب، ونصل إلى الحادثة الثالثة، حيث تم منع تقديم وصلة موسيقية في قصر الأونيسكو خلال حفل تذكاري للزعيم الكوبي فيدل كاسترو بحجة أن موسيقى العود محرمة، وذلك بسبب وجود نواب ووزراء من الحزب بين المدعوين.

من هذه الوقائع الثلاثة يتأكد أن الأمر ليس اعتباطيا، حيث من المتوقع فرض طقوس ولي الفقيه بعد استغلال انتشار الحزب، وقريبا جدا سيتم إقفال محلات المشروب في الكثير من المناطق تفاديا للمشكلات مع عناصر الحزب، وسيمنع الطلاب من أحياء أي حفل غنائي، وسيفرض وجود نواب ووزراء الحزب منع الموسيقى في أي احتفال رسمي خوفا ومحاباة للحزب، علما أن المدارس في مناطق سيطرة الحزب لا تذيع النشيد الوطني اللبناني منذ سنوات طويلة.

وسنرى بطريقة أو بأخرى تغيرا جذريا في الواجهة اللبنانية المعتادة والتقليدية، بمساعدة طبعا من المؤسسات الحكومية والرئاسية، وبمساندة من الرئاسة نفسها، والتي لولا التبعية المطلقة لإيران وممثلها في لبنان لما رأت النور، بالإضافة إلى استحالة اللجوء إلى مجلس النواب أو مجلس الوزراء بسبب سيطرة الحزب وأتباعه على الأغلبية.

وفي الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات لإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البلاد التي لا تزال تتمسك بها، سنرى في لبنان، أو بمعنى أصح، نرى في لبنان ولادة لهذه الهيئة التي ستقضي على ما تبقى من وجه حضاري علماني لهذا البلد الذي كان لقبه "سويسرا الشرق" ومثالا للديمقراطية والتعددية والتنوع، علما أن الجهة المقابلة، أي أحزاب الطائفة السنية، سيستغلون هذه الأحداث دون شك للقيام بالمثل في مناطقهم.. وعلى لبنان السلام.

وللحديث تتمة...
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط