الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الاحتواء الناعم للعرب.. أسرار قديمة فى مخطط الشرق الأوسط الجديد


كثير من الوقائع التالية كانت تجرى أمام أعيننا فى السنوات السابقة على ثورة 25 يناير 2011 سنوات حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وعلى الرغم من هذا لم تلفت نظر الكثيرين، ولم تأخذ الاهتمام الكافى عند من عرفوا بها، وبعبارة أخرى لم يتوقف إلا القليلون جدا أمامها، ومن توقفوا أمامها لم يفهموا حقيقتها أو مراميها.


بعض من هذه الوقائع اتسمت بالسرية، بمعنى حجب أخبارها عمدا عن الشعب المصرى، وعن وسائل الإعلام، واتسم بعضها الآخر بنقص المعلومات المتاحة عنها، وحتى ما أتيح عن بعضها من معلومات، كانت ناقصة أو مبتورة وعلى خطورتها لم يعرها أحد إلا قليلون جدا الاهتمام أو الانتباه الكافى، بسبب انفصال المصريين عن شئون وطنهم اختيارا أو عمدا مع نهايات عصر مبارك، وعدم إدراك النخب لخطورة تلك الوقائع على الأمن القومى المصرى والعربى بل ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها، والملاحظة المهمة فى هذا الصدد أن بعض هذه الوقائع يتم طمسها على شبكة المعلومات ومواقع البحث الإلكترونى عمدا لكتم أخبارها.

‫(١)‬

مبادرات ودراسات غربية وصهيونية عديدة صدرت خلال القرن العشرين توصى وتهدف لإقامة نظام إقليمى جديد للشرق الأوسط يؤسس لفرض الهيمنة الأمريكية والصهيونية على الوطن العربى وإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى والقضاء على رواسبه النفسية والسياسية والاجتماعية، لعل آخر هذه الدراسات - فى الترتيب الزمنى - والتى حركت الأمور نحو عقد مؤتمر مدريد للسلام «المنعقد فى شهر أكتوبر 1991» كانت تلك التى أعدتها «مجموعة الدراسات الاستراتيجية التابعة لمعهد واشنطن للسياسة الأمريكية فى الشرق الأدنى - الخارج من عباءة منظمة إيباك - وحملت عنوان: «مواصلة البحث عن السلام».

وفى هذه الدراسة تم الربط بين هدفين، الأول: تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة العربية، والثانى: الوصول إلى اتفاق بين إسرائيل وجيرانها العرب القريبين المتمثلين فى دول المواجهة وكذا البعيدين جغرافيا مثل دول الخليج والمغرب العربى.

وأوصت الدراسة بجمع هذه الدول على مائدة مفاوضات واحدة مع قادة إسرائيل وساستها لمناقشة المسائل الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط، وتطوير رؤية عامة للسلام وخلق الثقة المتبادلة من خلال بناء الإجراءات لتوفير الأمن وخلق واقع جديد من الرفاة الاقتصادية.. وهذا ما قيل أو أعلن للعرب وهو لا يمثل إلا الجزء الصغير من الحقيقة أو هو طٌعم الصنارة الذى سوف يلقى فيما بعد إلى دول المنطقة لاصطيادها لصالح إسرائيل ولصالح إدخالها حظيرة الغرب، أو قل هو الجزء الطافى من جبل الجليد الغاطس من مخطط الشرق الأوسط الجديد المطلوب خلقه طوعا أو كرها فى الشرق الأوسط لتنفيذ ما يمكن أن نطلق عليه: «الاحتواء الناعم» لدول المنطقة، واختراقها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا للوصول إلى المشهد الختامى فى الصراع العربى الإسرائيلى كما يريده الغرب بعد دفع الأطراف العربية للجلوس مع إسرائيل واحتواء كل طرف على حدة وعزل مسارات التفاوض العربية وتمرير الشروط الإسرائيلية من خلال الضغط الأمريكى والغربى لتفكيك الحد الأدنى من التضامن العربى.

وهذا الهدف الأخير بالطبع لايتعارض أو ينفصل عن تحقيق مصالح الغرب الأمريكى الرأسمالى، ولن يتأتى كل هذا إلا من خلال خلق واقع جديد على المستوى الجيوسياسى والاقتصادى والاجتماعى، أخطر ما فيه رسم خريطة جديدة يتم فيها تفتيت دول المنطقة التى تمثل بكياناتها السوبر - مثل العراق ومصر والسودان والمملكة العربية السعودية - خطرا أو تهديدا محتملا أو خصومة تاريخية لإسرائيل، وفى ذات الوقت الترتيب للدولة العبرية لتتقدم فى المستقبل القريب الصفوف وتقود المنطقة العربية بديلا عن مصر التى فشلت فى قيادتها لمدة 50 عاما من قبل حسب زعم شيمون بيريز أحد أبرز الساسة وخبراء الحرب والإستراتيجية الإسرائليين.

(٢)

فى دراسة معهد واشنطن المشار إليها ودراسات سابقة عليها كان المخطط أن تسير المفاوضات الرسمية المزمع عقدها على مستوى دول وحكومات منطقة الشرق الأوسط فى مسارين متوازيين؛ الأول يتم فيه جمع إسرائيل بممثلين عن السلطة الفلسطينية - وعلى رأسها ياسر عرفات - ويتم الاعتراف بهذه السلطة إسرائيليا لأول مرة ممثلة للشعب الفلسطينى وهذا المسار من المفاوضات أطلق عليه المفاوضات المباشرة ( بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية فقط )، على أن يكون هناك مسار ثان فى شكل مفاوضات متعددة الأطراف يتم فيها جمع عدد من الدول الغربية إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا على سبيل الرعاية بالإضافة لدول الشرق الأوسط وإسرائيل والدول العربية ويتم من خلال هذا المسار التفاوض على عدد من أخطر قضايا المنطقة مثل الحد من التسلح والأمن الإقليمى، والمياه، واللاجئين، والبيئة، والتنمية الاقتصادية.

‫(٣)‬


وغير المفاوضات المباشرة ومتعددة الأطراف كان هناك مسار ثالث من المفاوضات تجرى فى السر، أطلق على هذا المسار تسمية المفاوضات الموازية، واتفق المنظمون لهذه المفاوضات مع الأطراف والأشخاص المشاركة فيها والراعية لها بإبعاد أخبارها تماما عن وسائل الإعلام لمصلحة الجميع ( كما قيل للمشاركين ) لذلك تم التعتيم عليها فلم تعرف عنها الشعوب العربية أو الشعب المصرى شيئا .. وكانت هناك حاجة ملحة فى الغرب وإسرائيل لهذا النوع من المفاوضات، التى بدأت واستمرت وتشعبت ولا يزال لها ذيول تعمل مثل الخلايا السرطانية فى الجسد العربى والمصرى إلى يومنا هذا، وعلى أكثر من مستوى للعمل وفى أكثر من مجال.


ومن أجل دفع الأنظمة للقبول بهذا النوع الثالث من المفاوضات تم ربطها بجزرة المساعدات وبرامج الإصلاح والتنمية والاستثمارات وإعادة الهيكلة الاقتصادية لبعض الدول العربية ‫(‬ ومنها مصر ‫)‬ إلى آخره، وتم تمريرها من تحت ذقون الأنظمة العربية، من خلال تحييد تلك الأنظمة بإبعاد الصفة الرسمية عن المفاوضات التى اعتمدت بشكل أساسى على الدبلوماسية الشعبية واستقطاب بعض من قادة الرأى المحليين لاتخاذهم طليعة للتبشير والعمل على التغيير المطلوب فى المواقف والاتجاهات الشعبية، وفيما بعد الضغط على الأنظمة ومتخذى القرار للوصول إلى الأهداف المطلوبة التى غالبا ما تتعارض فى حقيقتها مع المصالح الوطنية‫.‬
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط