الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المستطيل الأخضر .. والملهاة الكبرى ...!!


دعوني أقرر في البداية لمواجهة موجات التشنج والإساءة .. أنني مغرم ببلادي ... وسعيد بكل إنجاز تحققه في أي مجال كان يجعل علمها فوق الخارطة بارزا دائما في اتجاه الواجهة ..

غير أن سعادتي تبقى دائما متوازية مع شعوري بإمكانيات الوطن وما يستحقه ليبقى كل إنجاز يحققه أمرا يلتقي مع مكانته وموقعه في الجغرافيا والتاريخ ...

ليظل التهليل خارج المنظومة عندما يكون زائدا عن الحاجة ليس إلا تعبيرا عن هزيمة نفسية متوطنة اصطدمت بواقع جديد لم تكن تتوقعه وهي إساءة للوعي والضمير الجمعي عندما يجهل إلى هذا الحد مكانة الأمة التي ينتمي إليها ..

هذه مقدمة لابد من الإشارة إليها والبدء بها تعقيبا على صعود مصر لنهائيات كأس الأمم الأفريقية 2017م وما اجتاح الشارع المصري والإعلام التجاري معه من زفة هائلة تجاوزت طبيعة الإنجاز وحجمه لتقذفنا أمام الحقيقة ...

هل نحن دولة تافهة وشعب ضعيف حد الإسفاف لا يملك أي مقدرات نجاح في أي ملف كان حتى إذا ما جاءته فرصة للفوز تحول إلى إنشاء مهرجان يجوب الكون ..؟!!

هل فقدنا إلى هذا الحد الثقة في أنفسنا وأصبحنا في حاجة ماسة لمن يعيد إلينا الاعتبار ولو بهز الشباك في مباراة لكرة القدم ؟..

لك أن تسعد بالوطن .. وتشجع الجهد .. وتحتفي بكل نتيجة تضيف إليك ولا تأخذ منك .. ولكن يبقى الاحتفال حجمه وطبيعته لا يمكن له أن يتجاوز التعبير عن نتيجة نجاح لطالب لا يعرف أبدا الطريق ناحية الإخفاق ...!

وما يزيد عن ذلك يتحول إلى مرثية في هيئة احتفال ... وإخفاق في صورة إنجاز ... وهو مالا نرضاه لنا وصفا وحالة ...

كان لابد أن يكون هناك سطور تصور المشهد الذى صنعه المستطيل الأخضر بعد طوفان الإخفاق الخانق الذى يحاصر الوطن في أكثر من ملف ليخطف الناس من الاهتمام به والتحلق حوله والبحث عن مسبباته والإقلاع ناحية الفكاك من نتائجه لتأتي مباراة لكرة القدم فتأخذ الناس إلى هناك وتسطح الوعي بشكل جعل الحماس الوطني حول هذا المستطيل الأخضر أكثر من الحماس الوطني حول برامج النهضة والابتكار والتطور ..!!

وأخذ الناس ليرصهم أمام الشاشات بعدما أخفق نفس الحماس ليرصهم حول منصات الإنتاج ....!!

وخطف الناس بكل إخلاص للتركيز على نتيجة المباراة بعدما بعثر وعيهم وشتت إخلاصهم عن التركيز على نتيجة العمل المتقن من أجل مستقبل بلادهم وأبنائهم ورفع علم أمتهم خفاقا فوق مراكز البحث العلمي ومشاريع النهوض بالبلاد في أمة كسد فيها كل شيء إلا كتابة المضابط اليومية على يد رجال الرقابة الإدارية حول حالات اختلاس وسرقات وتزوير ونهب لا تتوقف في كل قطاعات الدولة تقريبا وجهازها الإداري ..!!

فما الذى يحدث بربكم ...؟
وكيف سرقنا المستطيل الأخضر وأصبح ملهاة كبرى تلعب بالوعي الجمعي للجماهير ...؟
للدرجة التي أصبح فيها الاهتمام بمباراة لكرة القدم أهم بكثير من كل الملفات التي تحدد مستقبل الوطن ووجهته ..!!
وكيف تحول الإعلام إلى مُسوق تجاري لتلميع حارس مرمى أو لاعب في خط الوسط وقد مرر بين الجماهير الجهل بكل تاريخ الوطن ... فغاب عن وعي الناس صناعة العلماء وجهد الخبراء وما قدمه الكبار السابقون من كفاح وعرق من أجل أن يستمر الوطن في محاولات البقاء والتصدي وسط محنة الحصار ودعاوي العدو علينا بالانتصار ..!!

هل توقف دور رجل الدين القديم الذى يخدم بملامحه المنبطحة في تفسير النص الخام تمدد الاستبداد وتبرير القهر بنص من الكتاب ليصبح المستطيل الأخضر وصيفا جديدا يعمل على تشتيت وعي الجماهير وصرف انتباهها عما يجب أن تكون عليه بلادها ..؟

يحق لنا أن نفرح لبلادنا ونفرح ببلادنا ... وحتى ونحن في وسط المحنة .. ولكنها فرحة لا تنسينا مكانة الوطن الطبيعية الموجبة لحصد النجاح وتحقيق الإنجازات ..

وفرحة لا تنسينا بؤس ما نعيشه من تحد وكفاح .. وفرحة بحدها الطبيعي الذى لا يطغى أبدا على فرحة يستحقها عَلم مصري يرفرف على أعظم مركز علمي للأبحاث ....

فنسقوا مشاعركم .. ولا تجعلوا المستطيل الأخضر يتحول إلى ملهاة تخطف مستقبلكم .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط