الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. جميل تعيلب يكتب: الرشد منهج حياة

صدى البلد

كثيرا ما نسمع جملة سن الرشد ونفهم أن المقصود بها هو بلوغ سن التعقل وتحمل المسئولية كما نقرأ كلمة الرشد فى بعض السور بكتاب الله تعالى وفى مواضع مختلفة ومع كل موضع تذكر فيه كلمة الرشد نجد معنى رائعا للكلمة يجعل منها منهج حياة.

فالرشد ليس فقط دلالة علي استواء العقل، والسداد في الرأي كما فى قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.

بل إن المعنى يختلف مع اختلاف النطق:

للفظ:
الرشُد _ بالضم _ ، والرَشَد _ بالتحريك _ : خلاف الغي { قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }. ويستعمل بمعني الهداية.
وقيل الرشُد _بالضم _: يقال في الأمور الدنيوية والأخروية. والرَشَد: بالتحريك: يقال في الأمور الأخروية فقط.

وقد وردت مادة "ر ش د" في القرأن الكريم في تسعة عشر موضعًا.

والرشد هو الطريق القويم الذي أمرنا الله تعالي أن نطلبه منه، وأن ندعوه به {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}. وهو وصف للأنبياء _عليهم السلام_ :{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}. ويعنى الحجة التي أعطاها الله تعالي له، من مناقشة عبدة الكواكب، وعبدة الأصنام، وعبدة الشيطان، وعبدة البشر.

وسيدنا شعيب _عليه السلام_ قال له قومه على سبيل التهكم والاستهزاء والسخرية: { قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}. ومؤمن آل فرعون كان ينشد لقومه الرشد: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ}.

كما أمر الله تعالي نبيه محمد بطلب الرشد: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}.

وقد يزعم البعض أنه وحده يملك ناصية الرشد، ولا ينازعه فيه أحد، كما قال فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} على حين أنه غير ذلك: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}.

والرشد وطلبه ليس خاصًا ببني آدم فقط، فإن الجن طلبوا الرشد وعلموه عند استماعهم أول مرة للنبي _صلي الله عليه وسلم_: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}. بل بحثوا عن طريقه، ودققوا وتحروا للوصول إليه: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}. وسيدنا موسي _عليه السلام_ تجشم عناء ومشقة السفر، للوصول إلى سيدنا الخضر، ليتعلم منه رشدًا {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.

وأهل الكهف عندما لجأوا إلى الكهف، خوفًا على دينهم قالوا: { رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}. ويدعو النبي _ صلي الله عليه وسلم_ ربه قائلًا: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد).

ولذا فإن الرشد يجب أن يكون منهج حياة للإنسان، فالترشيد من الرشد: "ترشيد الاستهلاك" و"ترشيد الإنفاق" و"ترشيد الكلام" لمن يثرثر بلا فائدة، ويقال لمن يدير الأمور إدارة جيدة "إدارة رشيدة"، وهكذا، مما يعنى أن الرشد هو من الأمور العاصمة للإنسان من الانزلاق في موارد التهلكة.

ولكن كيف نصل إلى الرشد؟
الحديث فى ذلك يطول ولكن للاختصار أذكر هنا أهم الطرق الموصلة إلى الرشد وهى: أولا : الإيمان بالله تعالي وتوحيده مع التمسك بكتاب الله تعالي: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
 
ثانيا: التمسك بسنة النبي مع محبة الإيمان وكراهية الكفر والمعصية: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.

ثالثا: العلم الحق: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}.
نسأل الله تعالي لنا ولكم الرشد والسداد في القول والعمل.

كاتب المقال أ . د جميل إبراهيم تعيلب أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر