الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا انخفض الدولار !


من المتعارف عليه لدى دارسي أبسط مبادئ الاقتصاد، أن العملة النقدية تؤدي عدة وظائف، أهمها الوساطة في عمليات التبادل وقياس القيم للسلع والخدمات المختلفة، ويشتق من هاتين الوظيفتين وظيفتان فرعيتان، وهما وظيفة الدفع الأجل لتسوية الديون، وأخيرًا أن تكون مستودعا للقيمة ومخزنا للثروة.

لكن أن يفقد الدولار وظيفته الأساسية كوسط للتبادل ويصبح مخزنا للثروة، بل أن يصل الأمر بالبعض لبيع أصولهم الثابتة لشراء دولارات، فهذا الأمر يصعب تصديقه، ففكرة أن يعامل الدولار كأصل من الأصول التي تصلح كمستودع للقيمة بشكل دائم يخل بدوره كوسيط للتبادل في أحيان كثيرة، هو ما دفع الرئيس السيسي ليقول كلمته الشهيرة عن الدولار في مؤتمر شرم الشيخ للشباب قبل قرارات التعويم حين قال إن "فكرة وجود فرق ضخم بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية أمر لا يمكن قبول استمراره"، وخاطب المصريين قائلًا: "أنتم من ستحددون مستقبل مصر".

وقال الرئيس إنه مع تراجع عوائد السياحة ونقص الدولار، ترتب على ذلك تحوله لسلعة تجارية تقتنى، وإن الحكومة بحاجة لتتخذ إجراءً تنهي به فكرة أن يظل الدولار سلعة يمكن اقتناؤها والمضاربة عليها، فقد قال: "حرفيا لابد من نسف فكرة أن يظل الدولار سلعة، ولن ينتهي الأمر إلا بأن تنسف الفكرة بإجراءات سريعة، فلا يمكن الانتظار لإجراءات قد تستغرق سنتين أو أكثر، بل لابد من مراعاة عامل الوقت والقضاء على الحالة الضاغطة، بنسف هذه الفكرة"، وأكد الكلمة عدة مرات.

وكان تعويم سعر الصرف هو ما نسف فكرة استمرار الدولار كسلعة، حيث خضع الدولار لظروف العرض والطلب، وبلا شك أن ارتفاع سعر الصرف بعد التعويم ليصل لعشرين جنيها كان أمرًا مبالغًا فيه، ولكنه كان متوقعًا وفقًا لتجارب جميع الدول التي تحولت لنظم التعويم الحر، لكنه كان سعرًا غير حقيقي ولا يعكس القيمة العادلة له.

فوصول سعره لـ 19 جنيها أو عشرين جنيها، بل وتخطي ذلك، لا يتفق مع القوة الشرائية للمجتمع، الأمر الذى أدى إلى انخفاض الطلب على سلع كثيرة مستوردة، وهو ما أدى إلى وقف استيرادها وضعف الطلب على هذه السلع منع المستوردين من استيرادها.

فقد كان ارتفاع الأسعار مبالغا فيه لعدم وجود فارق كبير بين سعر الدولار في السوق الموازية وبين سعر الدولار عقب قرار تحرير سعر صرف الجنيه، فلم تكن زيادة الأسعار خلال الفترة السابقة مبررة بارتفاع سعر صرف الدولار، لأنه كان مقاربًا لسعره في السوق الموازية قبل التعويم، وبالتالي لابد من الاتفاق على أن أي سعر مبالغ فيه لم يكن ليستمر فترة طويلة.

ومع انخفاض الطلب على الدولار نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة بشكل غير مبرر، انخفضت نسبة استيراد السلع من الخارج بنسبة 95% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، خاصة فى ظل تخوف المستوردين من الاستيراد بسعر 20 جنيها للدولار وانخفاض القدرة الشرائية للمصريين بسبب ارتفاع قيمة السلع، وهو ما ساهم فى تراجع الطلب على الدولار أيضا.

وتزامن ذلك مع ارتفاع الاحتياطى الأجنبى بأكثر من مليارى دولار الشهر الماضى، ليصل إلى 26.4 مليار دولار، مقابل 24.3 مليار دولار فى ديسمبر، كما ساهم بيع سندات دولارية بقيمة 4 مليارات دولار فى هذه القفزة للاحتياطى الأجنبى، وقد كان إصدار السندات الدولية والتغطية الكبيرة لهذه السندات وحجم الاستثمار في أدوات الدين المحلي بثلاثة أضعاف المبالغ المطلوبة مؤشرًا لزيادة الثقة في الاقتصاد المصري، وهو ما دفع لتحويل عدد من المواطنين ما لديهم من أرصدة دولارية للجنيه المصري.

ولا يمكن إغفال آثار مخاوف المضاربين من احتمال تدخل الدولة لضبط سوق الصرف، فقد كان لها دور كبير في دفع العديد من حائزى الدولار للتخلى عن العملة الخضراء خوفا من مزيد من التدهور فى قيمتها، خاصة مع شعورهم أن الدولار فى مرحلة النزول، وذلك في ظل حزمة متكاملة من الأمور أدت إلى التراجع، أهمها زيادة تحويلات المصريين فى الخارج بنسبة 15.4% لتصل إلى 1.6 مليار دولار فى ديسمبر الماضى، مقارنة بـ1.4 مليار فى ديسمبر 2015، ما يعكس تزايد ثقة المصريين بالخارج فى القطاع المصرفى المصرى بعد تعويم الجنيه فى مطلع نوفمبر الماضى، وهو ما كان حافزًا لهم لتحويل مدخراتهم الدولارية بل وإقبالهم على زيادة ودائعهم بالجنيه المصري للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة على الجنيه، والتي وصلت إلى 20% على بعض الشهادات الاستثمارية، فالملاحظ أن حوالى 72% من تحويلات الربع الأخير، أى نحو 3.3 مليار دولار، جاء بعد قرار التعويم.

ومن المؤشرات الدالة على ما سبق، أن مشتريات الأجانب من السندات المحلية المصرية قفزت الأحد الماضى، لأكثر من 250 مليون دولار. ولا يمكن أيضًا إغفال أن الشركات الصينية توقفت عن العمل لمدة شهر بسبب إجازة رأس السنة فى الصين، والتى تبدأ من منتصف يناير إلى 15 فبراير، فضلا عن انخفاض قيمة الدولار عالميا.

ويتوقع الخبراء هبوط الدولار مقابل الجنيه قبل حلول يوليو المقبل إلى مستويات تتراوح بين 14 و15.5 جنيه، مرجحين أن يبقى الدولار فى حدود 16 جنيها خلال النصف الأول من 2017.

وبلا شك أن التوقعات بعودة السياحة، خاصة بعد أن رفعت الدنمارك حظر الطيران إلى مصر، ساهمت بقدر كبير في توقع المزيد من تدفقات النقد الأجنبي، ناهيك عن التدفقات الاستثمارية التى دخلت البلاد خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تنمية الاستثمارات التركية فى مصر، والتى تجاوزت 5 مليارات دولار، وكذلك الاستثمارات الصينية، ويمكن إرجاع ذلك لعدم قدرة هذه الدول على تصدير منتجاتها للسوق المصرية في ظل ارتفاع أسعار السلع المستوردة منها بدرجة كبيرة، و هو ما دفعها للبدء في تنفيذ استثمارات في مصر وفقًا لاشتراطات المكون المحلية المنصوص عليها من منظمة التجارة العالمية.

وإذا ما أضفنا لما سبق دخول مصر حاليا على موسم التصدير، ولمدة قد تتجاوز ستة أشهر، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة التدفقات الدولارية، خاصة من تصدير الحاصلات الزراعية للأسواق الأوروبية وغيرها، ومع صعوبة التكهن بالمستقبل، إلا أنه في ظل الأحداث والأمور سالفة الذكر يمكن القول إن الدولار سيشهد هبوطا أو على الأقل استقرارا خلال الأيام المقبلة، قبل أن يبدأ موجة جديدة تحددها المتغيرات التي ستحدث على الصعيد الدولي وحركة التجارة العالمية التي تساهم بدرجة كبيرة في عوائد قناة السويس.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط