الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سوريا بعد تحالف داعش وإسرائيل


يبدو أن المعركة في الجنوب السوري وخصوصًا في درعا والقنيطرة، قد توقفت أو هدأت فجأة، بعد أن اشتعلت في الثاني عشر من فبراير كقتال بين جبهة النصرة تحت شعار "الموت ولا المذلة"، وبين قوات الحكومة السورية، لتأخذ بُعدًا آخر أشمل وأوسع؛ بعد أن تدخلت فيها فجأة ومنذ العشرين من الشهر، قوات خالد بن الوليد الموالية للدولة الإسلامية، فرفعت عدد الضحايا عندئذٍ من بضع عشرات ليتجاوز العدد 132 قتيلًا.

ماذا جرى فجأة في جنوب سوريا، لتشتعل المنطقة الجنوبية التي كانت هادئة إلى حين، بابتداء جبهة النصرة (فتح الشام) منذ الثاني عشر من فبراير بإشعالها فجأة نتيجة تبادلها إطلاق نار كثيف في منطقة المنشية بدرعا في معركة شعارها "الموت ولا المذلة"، في محاولة للسيطرة عليها وعلى مزيد من المواقع.

وكان التفسير الأول للاشتباكات التي اندلعت في درعا، هو اقتراب موعد انعقاد مؤتمر "أستانة" بدون اشراك فتح الشام فيها، مما استدعى لقيام الجبهة بالتذكير بوجودها وكأنها تقول إن الأستانة لن يحقق النتائج المرجوة إذا لم تشارك فيه النصرة.

لكن فجأة، في العشرين من الشهر، تدخل في القتال الذي كان بين النصرة وقوات الدولة السورية، قوات من الدولة الإسلامية تنتمي للواء خالد بن الوليد المتواجد في بادية حمص، وهي كتائب تشكلت فى 2016 ممن كان يعرف بكتيبة اليرموك وكتائب إسلامية أخرى، مشكلين ما عرف بعدئذٍ باسم كتائب خالد بن الوليد الموالية للدولة الإسلامية والمتواجدة في بادية حمص.

إصرار قوات خالد بن الوليد الموالية لتنظيم الدولة على الزحف نحو القنيطرة حيث الجولان، ونحو جنوب درعا حيث معبر الحدود القديم مع الأردن يناقض مهمته المفضلة فى السيطرة على المعابر في الجنوب سواء في درعا أو في الجولان، لضمان وسيلة للهروب، أو لاستيراد أو استجلاب السلاح والمقاتلين بعد أن أغلقت تركيا في وجههم كل معابرها.

ولكن الدولة الإسلامية تعلم بشكل جدي ومرجح أن المعبر الأردني لن يكون مفيدًا لهم أو لغيرهم كالنصرة مثلًا، فالأردن الذي اتخذ موقفًا محايدًا بصدد الصراع الجاري في سوريا، لن يسمح على الإطلاق بعبور السلاح أو المقاتلين عبر حدوده إلى سوريا.. بل إن الأردن لم يكتفِ باتخاذ موقف الحياد بالنسبة لذاك الصراع، إذ أقدم على خطوة أخرى وضعته في مقام الوسيط فيه، عندما انضم إلى مجموعة الأستانة للمشاركة مع روسيا وتركيا وإيران في مراقبة وقف إطلاق النار ومحاولة تثبيت الهدنة في الداخل السوري.

إذن فإن الهدف الحقيقي أو الفعلي كما قد يرجح، هو الوصول إلى معابر الجولان والقنيطرة والسيطرة عليها، متوقعين تعاونًا إسرائيليًا معهم إذا تم لهم ذلك.

وقد يكون هذا التكييف صحيحًا ومنطقيًا وقد لا يكون ولكن هناك مؤشرات إسرائيلية قد تشكل أساسًا لهذا التكييف.

فوزير الحرب في الحكومة الإسرائيلية، "أفيغدور ليبرمان"، صرح علنا قبل شهر تقريبًا، بأنه "يجب اقتلاع نظام الأسد"، وبأن "المجتمع الدولي ملزم بتقسيم العراق وسورية".

ويذهب معهد بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية وموقعه القدس إلى أبعد من ذلك، فيطرح استخلاصًا إستراتيجيًا جاء فيه: "على إسرائيل الإعلان عن دعمها للمتمردين بسوريّة، وأنّ مصلحتها الإستراتيجيّة تقضي بإسقاط الأسد".

ونُسب للبروفيسور الصهيوني، "هيلل فريش" من المعهد المذكور قوله، "بإمكان إسرائيل الإعلان على الملأ أنّ المستقبل السياسيّ لسوريّة هو بمثابة اعتداء على أمن إسرائيل، كما أنّه ينبغي على تل أبيب أنْ تقول علنًا إنّها ستتعاون مع المعارضة السوريّة والدول العربيّة السُنيّة المعتدلة، وستدعم الجماعات المتمردة المعتدلة لإحباط التطهير العرقيّ الذي يقوم به النظام الحاكم في دمشق"، على حدّ وصفه.

وفي إشارةٍ واضحةٍ لإمكانية التدّخل العسكريّ الاسرائيلي، وردت الأقوال السابقة المنسوبة لمعهد بيغن- السادات، وكذلك قول آخر للبروفيسور فريش جاء فيه "إنّ إسرائيل، هي دولة أقوى بكثير ممّا كانت عليه في الماضي، وبالتالي يجب أنْ تلعب دورًا فيما أسماه تصحيح الخلل في موازين القوى الجديدة في سوريّة".

والمقصود بذلك الخلل الذي أحدثه التحالف الروسي التركي وأدى الى اغلاق الحدود التركية في وجه مرور مزيد من الأسلحة والمقاتلين اليها.

ويبدو أن إسرائيل قد شرعت فعلًا بتقديم دعم غير معلن للدولة الإسلامية، وذلك بإغارتها فى 23 فبراير على موقع سوري في جبال القلمون، بعد أن كانت قد أغارت قبل أيام على مطار عسكري قرب دمشق.

لكن اللافت للنظر في الإغارة على القلمون، كما ورد في موقع Russain Insider، أن الطائرات الإسرائيلية قد مرت فوق مواقع قيادات الدولة الإسلامية وجبهة النصرة المتواجدة في منطقة عرسال في البقاع، ولم تتعرض لها قوات الدولة الإسلامية أو قوات جبهة النصرة، تاركة إياها تتوجه بحرية ودون اعتراض نحو هدفها في جبال القلمون الحدودية.

فهل نواجه قريبًا تحالفًا شبه معلن بين داعش ودولة اسرائيل، أم هذه كلها مجرد صدفة عابرة ولا تشكل تحولًا إستراتيجيًا سواء في موقف الدولة الإسلامية أو إسرائيل.. تبدلًا يبلغ حد إحلال إسرائيل حدودها التي ستفتح، لتحل محل الحدود التركية التي أغلقت رغم الفارق في القياس بين امتداد ومنافع الحدودين؟

قد يكون ذلك صحيحًا وقد لا يكون، ولكن يبدو أن مقاتلي لواء خالد بن الوليد التابع للدولة الاسلامية، يجدون فيه احتمالًا مقبولًا وربما نافعًا في حالة واحدة على الأقل، إذا ما اضطر مقاتلو الدولة الاسلامية، بعضهم على الأقل، إلى الهروب على عجل من الأراضي السورية لدى اشتداد الضغط عليهم من تركيا، من التحالف الأمريكي، من جيش سوريا الدمقراطي، دون أن ننسى ضغوط الدولة السورية ذاتها.

ولكن لوحظ اليوم هدوء مفاجئ من جانب كتائب خالد بن الوليد في ريف درعا الجنوبي والغربي، وكأنها قد قررت التمهل وإعادة التقييم، بعد سقوط الجزء الأكبر من مدينة الباب في أيدي قوات درع الفرات والأتراك، إضافة إلى سقوط مطار الموصل ومواقع قريبة منه بأيدي القوات العراقية، مما أدى بقوات خالد بن الوليد إلى قيامهم بالتلكؤ وإعادة التقييم، لكن دون نسيان لأهمية المواقع الحدودية لها كمواقع للهروب على الأقل، إذ فجرت في طريبيل، الموقع العراقي الأردني الحدودي، تفجيرًا انتحاريًا كبيرًا أودى بحياة 15 إنسانًا بريئًا آخر أضيفوا إلى ركب آلاف الضحايا الأبرياء الذين سقطوا خلال الأربع سنوات الماضية على أيدي قتلة الدولة الإسلامية - داعش.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط