الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تركيا تنخر الجسد الكردي


لم تتوقف إدارة أردوغان عن محاولاتها المستمرة لزعزعة الأمن في المناطق الكردية الواقعة في الشمال السوري الموازية لحدودها، والتي يطلق عليها تسمية روج افا، فمنذ بدء الأحداث في سورية منذ خمس سنوات، وانسحاب الجيش السوري من مناطق عديدة، وانتشار المجموعات المسلحة، بدأت تركيا بمشروعها للتوغل ليس فقط في المناطق المحاذية لها بل في كل المناطق السورية الممكنة.

وللمنطقة الكردية خاصية عند الأتراك، فهذه المنطقة استطاعت المحافظة على أمنها الذاتي مع انتشار آلة الرعب والدمار، مما دفع أردوغان إلى استغلال إمكانياته، وكل ما ملكت يداه لتقويض هذا الأمان وإحلال الموت مكانه، ففتح بوابات الحدود للإرهابيين الآتين من كل الدول، والمنتمين إلى تنظيم داعش الإرهابي، ليدخلوا إلى مدينة كوباني التي عاشت ويلات الإسلام "الداعشي"، ورغم تحريرها إلا أن الأتراك لم يتوقفوا بل أعادوا الكرة تلو الأخرى إلى أن أصبح الأمر مكشوفًا للمجتمع الدولي فتم استبدال الخطة بغيرها.

وقضت الخطة الجديدة بالإيعاز لبعض المجموعات المسلحة الإخوانية الموالية لتركيا، للدخول في صدامات مسلحة مع قوات حماية الشعب وقوات حماية المرأة، تحت حجة منع الأكراد من إقامة دولتهم في الشمال السوري، وعدم وصل منطقة عفرين بمنطقة كوباني، فتم احتلال مدينة الباب ومحيطها من خلال مسرحية هزيلة على أن هذه المجموعات طهرت المدينة من داعش، لكن متابعة العمليات العسكرية تدل وبوضوح على عدم وجود معارك حقيقية بل مجرد انسحابات وتبديل أمكنة ورايات.

لم تكتفِ هذه المجموعات بهذا القدر، بل حاولت التقدم نحو مدينة منبج بدعم تركي كامل، وترافق الأمر مع تهديدات تركية مباشرة لاحتلال المدينة، ويقوم مجلس منبج العسكري المؤلف من أبناء المدينة وريفها بالدفاع عنها، علمًا أنهم من القومية العربية وليسوا أكرادًا، وسر الهجمة عليهم أنهم يؤمنون بوحدة الشعوب، ولا يزالون يدينون بالعرفان للقوات الكردية التي قدمت الدماء والأرواح لتحرير المدينة من رجس "داعش".

الأمر لم يقتصر على سوريا، بل انتقل إلى شنكال، تلك المنطقة التي حررت من "داعش" أيضًا، حيث دفعت تركيا بعصاباتها لتشتبك مع قوات تحرير شنكال، مع إشاعة أخبار كاذبة عن أن الاشتباكات تجري بين البيشمركة وأبناء شنكال من الأيزيديين، والهدف واحد هو إضعاف قوة القوات الكردية أينما وجدت عبر أحداث شق بينها وبين المدنيين الموجودين في مناطق سيطرتها.

الحلم التركي فشل أو تم إفشاله في حلب، وتمت الاستعاضة عنه في المنطقة الحدودية، والهدف التركي بالإضافة إلى التوغل في المناطق السورية وهو حلم ومطلب تركي تاريخي، هو منع أبناء القومية الكردية من الاستقلالية حتى ضمن إدارة ذاتية تابعة للدولة السورية، فلو تم هذا الأمر سيفتح شهية أكراد تركيا على مطلب مماثل، وربما تصل الشهية إلى أبناء الطائفة العلوية في تركيا، فتدخل تركيا في دوامة أقصى من الدوامات التي ادخلت بها دول المنطقة.

المشروع التركي مكتوب عليه الفشل الذريع، رغم محاولات تصوير الوضع بأنه نقمة شعبية على قوات الـypg من قبل بعض الفصائل الكردية الأخرى، علمًا بأنها مجموعات تابعة لأسطنبول ولا قدرة حقيقية لها على الأرض لا سياسيًا ولا عسكريًا، كما أن الرابط بين العرب والأكراد في الشمال السوري أصبح مختلفًا عما قبل، بعد انكشاف كذب أخبار الآلة الإعلامية المشبوهة التي نشرت أخبار التهجير القسري والاعتقالات والاغتيالات والسرقات التي يقوم بها الأكراد ضد العرب، وربما خير نموذج حالي هو اللحمة بين أبناء القوميات في الشمال السوري في القتال ضد داعش، وربما تتجه هذه البنادق باتجاه أي كان من يحاول احتلال هذه الأرض بالقوة.

فمنطقة الشمال السوري أصبحت منطقة مكشوفة للعالم أجمع، وأصبح أبناء المنطقة والاكراد تحديدًا محط الأنظار بعد تحولهم إلى الفريق الوحيد تقريبا الذي حارب ويحارب داعش فعلًا على الارض، وكونه الفريق الذي استطاع لم الشمل حوله لاستطمال عملية التحرير من داعش بالشكل الكامل.

قد تكون الدبابات التركية تتحرك بحرية محدودة في مناطق شمال سورية، إلا أن قواعد اللعبة تغيرت تمامًا، وأصبحت المنطقة ورقة دولية ممنوع التلاعب بها، وإن ظلت تركيا على موقفها ستحرق آخر أوراقها بل ربما يصل الحريق إلى اليد التي تحمل هذه الورقة.

وللحديث تتمة...
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط