مارتينا مدحت تكتب : "لا يحدثون من لا شيء"

لم تكن سهلة يومًا، بل ربما تزداد حدتها يومًا بعد يوم، لن تصبح سهلة يومًا فنحن فى عالم - للأسف – لا ينظر للجمال كضرورة، وقد ذاق العابرون قبلنا من هذه الكأس ولا بأس أن نذوق منه نحن أيضًا.

يمكنني أن أتحدث كثيرًا عن الهزائم المتكررة، عن اعتياد الفشل وتكرار الخذلان، عن هذا الشعور بأنك كتلة حجرية صلبة لا تؤثر ولا تتأثر بالمحيط حولك، ولا تكفي حتى لأن يحتمى بظلك أحد، يمكنني أن أتحدث عن الظلم الواقع عليك، أو على من يهمك أمرهم وكيف تحداك فى سطوة منه، وجعلك تشعر بضآلة حجمك وأنه بتدَخُلك أو بدونه لن تستطيع ردعه، أو الفرار مما يلحقه من أذى ولن تتوقف هذه الحياة عن الحِرَاك.

أن أتحدث عن الخوف الذي يحتل جزءًا لا بأس به من القرارات عنوة، الذي قَتَلَ غدرًا الكثير من التجارب فى مهدها، وأغلق أبوابًا كان من الأفضل أن تُفتح، وعن التردد الذى يجعلك تحيا بين النقيضين لفترات – تطول أو تقصُر - تظل جامدة و جوفاء، أن أتحدث عن الانتظار وما يحمله من ألم لا يُحتمل، وشك يأخذك لعالم بعيد بإمكانه تغريبك عن نفسك.

كل التجارب مؤلمة.. كل التغييرات الجذرية مخيفة، كل المراحل الانتقالية متعبة، لم تكن الأحداث التي تسبق كل السابق ذكره خفيفة الوطأة على القلب أو الروح يومًا.

كل التحولات تحتاج لقدر من التماسك ليُغَلِف الرغبة فى الانهيار والانسحاب، لقدر من البأس والشجاعة لمقاومة الاحتباس فى قشرة صلبة خوفا من كل الظلمة التي تحيط بها فى الخارج، لقدر من الصبر حتى تستطيع تَحَمُل ثِقَل الانتظار الذى يشبه فى مضمونه فكرة ما ينجُم عن الحرب.

أترى كيف يحاول الإنسان التأقلم مع أسوأ الظروف؟ كيف يقوم بتلجيم حزنه وغضبه وحنقه وقلة حيلته اتجاه كل هذا الدمار الذى يحيط به، كل هذا الأسى الذى يراه وما زرعه هذا الأخير فى قلبه من ترويع طاردًا كل أُنس؟

مهما ساءت الظروف انت فقط تحاول أن تكمل اليوم، ليس هناك حل آخر لو تركت الأمر لعواطفك لما عشت طويلًا، ماذا عساك تفعل غير ذلك !

لا أعرف - أو بالأحرى لا أستطيع أن أعرف – أتحدث عن هذه الأمور كلها وأعلم أنه فى أحيان كثيرة تفوق قدرة البشر على الاحتمال.

من الصعب أن تحافظ على التوازن الفاصل بين إدراكك للمأساة، والمعاناة الإنسانية وحفاظك على التفاؤل فى الوقت ذاته، وهذه المعادلة الصعبة هى التي ستدفعك دائما لأن تطمح أن تكون أفضل وسط كل هذه المعايير الهشة، فالجميلون لا يحدثون من لا شيء.

"الأشخاصُ الأجمل من بين الذين قابلتهُم هم أولئكَ الذين عرفوا الهزيمةَ والكفاح والعذاب والخسارة، ووجدوا طريقتهم الخاصّة للخروج من الأعماقِ السحيقة، هؤلاء الأشخاص لهم رؤيتهم وحساسيتهم وفهمهم للحياة، يملؤهُم التعاطف والتواضع والبساطة، والقلق المحب العميق, الأشخاصُ الجميلونَ لا يأتونَ من لا شيء " -روبندرونات طاغور-.