الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كواعب البراهمي تكتب : الحب الحقيقي

صدى البلد

جميلة تلك المشاعر التي تأتي إلينا دون سابق إنذار، لتقول لنا أننا مازلنا علي قيد الحياة , وتلك المشاعر لا اعرف لماذا الناس يحددونها ويحصرونها بين الرجل والمرأة فقط.

طلبت مني أخت صديقتي عندما كنت بسلطنة عمان أن أبحث لها عن مدرسة لغة عربية . لأن أبنها الذي كان يقيم خارج البلاد مع زوجته وأولاده قد عاد إلي السلطنة واستقر بها.

وكان أبنها يتحدث الإنجليزية غالبا ومع زوجته لا يتحدث بغيرها , وذلك أن زوجته لا تعرف اللغة العربية ولا تعرف منها غير السلام عليكم , فقد كانت جنسيتها أجنبية , وتعرف بعض الآيات لأنها دخلت الإسلام بعد الزواج.

وكان أبنهما الصغير قد التحق بالصف الأول بالمدرسة . ويدرس كل المواد باللغة الإنجليزية وذلك ليس مشكله , ولكن المشكلة في اللغة العربية.

واتصلت بصديقات لي وعرضت عليهن ذلك، ولكن قوبل الطلب بالرفض لبعد المسافة والتي تحتاج إلي سيارة وهي غير متوفرة معهن، فأغلبهن إقامتهن داخل المدرسة.

فقلت لها أنا سأتي له يوم السبت الإجازة , وسأحاول أن آتي له مره خلال الاسبوع أو مرتين بعد عملي بالمكتب .والذي ينتهي الساعة السادسة.

وقد كان، وظللت أذهب إليه، وأخبرت أم الطفل أنني موجودة فقط إلي أن أدبر أموري وأعود نهائيا إلي مصر لكي استقر مع أهلي بعد وفاة أخي. ويجب عليهم البحث عن مدرسة.

واستمريت معه شهرين تقريبا و قبل سفري ببضعة أيام أخبرتها أن تلك ستكون آخر حصة لطارق , وجاء طارق وكنت أشرح له، ولا حظت أنه لا ينظر إلي الكراسة أو إلي الكتاب إطلاقا , ولكنه ظل ينظر إلي وجهي أنا . ولم أكن أعلم أن والدته أخبرته أنني سأسافر.

وعندما انتهت الحصة وهممت بالذهاب وسلمت علي والدته , وجدته يطوقني حول رقبتي بكل قوته , وحاولت إنتزاع يديه بصعوبه , ويقول لي don’t go Eygpt . why you go ? وقلت له أنني لابد أن اكون مع اسرتي وأنني سأحاول أن أعود لعمان لزيارته.

وخرجت وخرج ورائي وظل واقفا علي باب الفيلا يلوح لي . وذهبت ولم أستطع أن أمنع نفسي من البكاء طوال الطريق من منزلهم إلي منزلي علي مسافة أكثر من نصف الساعة , حتي خشيت علي نفسي من الطريق أثناء القيادة.

لقد أعاد لي طارق أن الحب موجود , وأن المشاعر الصادقة داخل القلوب , والتي لا يحكمها المصلحة ولا صلة القرابة.

كنت أعتقد أنني ثقيله علي قلبه، حيث وجودي معه هو للدرس فقط، فأنا أذهب متعبة بعد يوم عمل شاق، وكنت حزينة علي أخي، فلم يكن لدي ميل للمرح أو للعب أو حتي للمشاكسة مع الصغار.

كان كلامنا خارج الدراسة لا يزيد عن كونه يخيرني أي نوع من العصير أشرب ليختار الأخري , ولكن كنت أحبه فعلا وكنت أحب أهله .
وتركت عمان واتصلت بهم وعلمت أنه لم يجد مدرسة , وكلمت صديقة لي لبنانية وتواصلت معهم، ووجدتها تكتب لي علي الواتساب هل طارق يعاني من التوحد لأنه لا يتحدث معها إطلاقا ودوما صامت.

فقلت لها بالعكس هو ذكي جدا وجميل، ويتحدث وسريع الفهم، وعلمت من والدته أنه دوما يسأل عني , ويسألها متي سأعود.

هذا الإنسان الجميل الصغير جعلني أحب الناس حتي الذين لا أعرفهم , أعاد لي ثقتي بأن المشاعر هي هبه ومنحه ورزق من عند الخالق , لا تتدخل فيها العقول ولا القرابة ولا الخدمات المتقابلة أو المدفوعة الثمن كان وأهله يملكون قلوبا نقية قل وجودها في هذا الزمان.

الحب بغير مقابل هو الذي يجعل للحياة حياة والمشاعر الصادقة هي رزق من الخالق العظيم، اللهم أمنحنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إليك.