الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لبني إبراهيم تكتب: معلمة لاجئة

صدى البلد

رمت بي الدروب إلى وطن من الأوطان ، وطن ليس ككل الأوطان ، وطن الأدب ، وطن الفن ، وطن الحضارة وخيل لي بادئ الأمر أني سأرقص على أوتار نغماته الشرقية رقصة الإبداع الفكري، رقصة تخلد تاريخا لي قد يرجوه لي كل من أدرك كنه ذاتي. 

بحثت إلى حين عن مايشغل فراغات زمن رديء ،وكئيب كانت الساعات تمر فيه بعسر وكنت أحس بضيق النفس المتصاعد من اللاشيء إلى اللاشيء ، وبعد تفكير عميق حاولت إستغلال هذا الزمن المبعثر هنا وهناك إلى ما يجود على الإنسانية بشيء من الفكر ظنا مني أني على شيء من البديهة العلمية التي لاأخالها قطيرة في عالم المعرفة. 
 
تغير الزمن رويدا فرويدا وبت أبحث عن عمل يملأ محفظتي بشيء من الدراهم التي إحتجتها لكسر روتين الحياة بشيء من اللهو ومتعة التسوق ،ولكي أبلغ هذه الرغبة لم يكن السبيل إلى ذلك مايجود به جيب الشريك عليا،ولكن كان لابد أن يكون لي شيء من المال الخاص. وكان لابد من الخروج للعمل والاستقلالية في كل مجالات الحياة الإنسانية الكريمة. 

ولحسن الحظ ساعدني في هذا الأمر زوجي الذي رأى أن لابد لي من عمل يلهيني عن مشاغبته وإزعاجه ،ظنا منه التخلص من لساني السليط الذي لاينفك يملي عليه قائمة الطلبات المنزلية والاحتياجات المعيشية....وعثرت على عمل بإحدى المدارس الخاصة وسررت جدا بهذا الشأن لأني كنت أرغب بشدة في التدريس .

واستعددت لبداية سنة دراسية تعليمية مجدية وللقاء طلبة مجتهدين في طلب العلم والمعرفة-كما عهدت -عملا بالمقولة الشهيرة "كاد المعلم أن يكون رسولا".

وآثرت على نفسي الإخلاص في العمل والإجتهاد في كل مامن شأنه أن ينير عقول البراعم الصغيرة حتى تتأهل لأن تقود سفينةالوطن في المستقبل.

وكلما كدت أركن للوهن أسمع صوتا يناديني لاتيأسي ولا تتهاوني في أداء رسالتك فالعلم نور ولكل مجتهد نصيب ، وأقع تارة وأنهض،وأصيب حينا وأخطئ آخر، حتى تآلفت مع الوضع الجديد الذي بت عليه والمتأرجح مابين الأمل واليأس؛الأمل في ترسيخ ثقافة جوهرية تمحو جهل العقول وتجدد المعرفة وتبجل العلم وتجعله القيمة الحقيقية لتطور المجتمع ، واليأس من أداء الطلبة المتدني وعدم رغبتهم في التزود بزاد العلم. 

تألمت كثيرا لأن صوتي لم يعد يجد صدى في العقول الفتية التي تأثرت بكل ما تدره التكنولوجيا من أجهزة تعمل على فتور العقول البشرية وتخديرها بشعور الكسل المميت الذي يظل يستوطن الدماغ إلى أن يستحوذ عليها كليا، فهيهات، هيهات على المكتبات العمومية ودور الثقافة التي كانت تزخر بالكتب الفريدة والمؤلفات النادرة والدرر الفكرية التي تزود العقول بكنوز الفكر الخالدة. فكل هذه الآثار الفريدة تلاشت مع رحيل كتابها وصانعي الأمجاد. 

كنت آمل أن يبشرني أحدهم بشيء من قلم "مصطفى لطفي المنفلوطي "أو بعضا من فكر العميد "طه حسين "أو القليل من فلسفة "أرسطو "و"سقراط "أو أطروحة من أطروحات "فلوبار "أو ماشابه ذلك. بل قلما تجد أحدهم يسألك عن غموض قد إلتمسه في الدرس.
وترددت على مدارس كثيرة أغزوها بشيء من الإجتهاد وتغزو قلبي باليأس ، نعم اليأس في إحياء الذاكرة الناشئة من جديد ، الذاكرة الحية المتشبثة بالعلم والمتزودة بالمعرفة ، وحارب أفكاري بعض من أناس أجهل ترتيبهم على سلم الوظائف التعليمية وتصدت لأفكاري بعض من أشتات القوم الذين أصبح التعليم في نظرهم مجرد أداة لإستنزاف أموال المجتمع ، وأصبح المفهوم السائد أن بالمدارس الخاصة تكنز الأموال وليس بالعلم ترقى وتزدهر الأمم. 

وأأسف لنفسي على نفسي لأني بت معلمة لاجئة لا مأوى لها في أي مرحلة من مراحل التعليم .وبت أقول لنفسي؛
صبرا يانفسا على ضمير مات وولى وإندثر
سيأتي يوم بالعلم والنور العقول تزدهر
فاليوم الثري في الثريا يشدو وينبهر
الأمس خنساء ترثي وتبين صخر
واليوم نبكي ونرثي الفكر والنثر..