الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فيينا ومدينة الجمالية دقهلية


للمرة الثامنة على التوالي تحتل مدينة فيينا المركز الأول عالميا كأفضل مدينة للحياة على مستوى العالم، حيث أظهر مؤشر الرفاهية العالمي الصادر عن الأمم المتحدة أن فيينا تلك العاصمة النمساوية الساحرة، تحتل المرتبة الأولى من بين أكثر مدن العالم رفاهية، ووفقا للمؤشر، فقد احتلت العاصمة النمساوية الواقعة على نهر الدانوب، المرتبة الأولى للمرة الثامنة على التوالي، من بين 261 مدينة تضمنها المؤشر، الذي يتم إطلاقه وفق معايير محددة تتضمن مدى الاستقرار السياسي، والتأمين الصحي للسكان، والتعليم، ومعدلات الجريمة، والرفاهية وتوفر وسائل الاتصال والمواصلات.

إن الفخر بتحقيق هذه المرتبة الأولى بين مدن العالم، وهذا التفوق على كل العواصم العالمية، لم يَنْتَبْ أهل فيينا فقط، أو هؤلاء الذين يتخذونها محل إقامة لهم، ولكن الفخر بتحقيق تلك المرتبة المتميزة تملَّك أهل النمسا جميعها، وكذلك كل من يقيم على تلك الأراضي الخصبة: ثقافيا واقتصاديا وفينا وترفيهيا، وسبب ذلك الفخر ليس مجرد الانتماء للمدينة العاصمة الأفضل عالميا، كما يحدث لدينا، حينما يفتخر أهل القرى المطحونة، وأبناء الأحياء الشعبية البائسة، أن لدينا مدنا على طراز حديث تضاهي المدن العالمية، ذلك الفخر المنسوب للتباهي بوطن تعيش فيه امتلك صرحا أو تميزا لا يعود عليك أنت بأي فائدة.

إن التباهي هنا من أهل النمسا مختلف؛ فتلك الموسوِّغات التي بسببها وضع مؤشر الرفاهية العالمي مدينة فيينا النمساوية على رأس مدن العالم هي نفسها التي يتمتع بها أي مواطن أو مقيم اتخذ النمسا محل إقامة له، فنفس مظاهر الرفاهية تنتشر على تلك المساحة الجغرافية والتي تقدر بـ83.872 كم التي تمثل دولة النمسا، ومن هنا لم يكن ذلك الفخر نابعا عن نفس فقيرة مفتقدة لأساسيات وجودها، فاستعوضته بامتلاك غيرها لهذه الأساسيات.

إن أكثر ما يميز المجتمع النمساوي الذي أدعي فيه سبرا لبعض أغواره، أنه مجتمع غير طبقي، أو هكذا يبدو واضحا جليا، فليس هناك ما يمنع من تواصل بين أهله، وفئاته المختلفة، ذلك التواصل المحذوف من قاموس المجتمعات الطبقية، الجميع يشعر هنا أن له الحق في الحياة الكريمة، وقد حازها، الجميع يعلم هنا أن عليه واجبات والتزامات وقد قام بها، الكل يطالب هنا بأن يعمل المسئول وفقا لما حدده القانون بروح ذلك القانون، وإلا لن يستمر في عمله ولن ينفعه رضا مسئول عنه، ولا تملق رئيس في العمل، إنها تلك المنظومة التي أفرزها مجتمع صحي، فإذا به يزداد صحة وانضباطا وجمالا، مجتمع ديناميكي، كلٌّ يعمل فيه على أداء واجباته، وكل يجني فيه ثمار هذه الحركة الدؤوبة على هيئة خدمات وعلى شكل تجديد دائم للبيئة والمجتمع في مظاهر متعددة ومتنوعة.

على عكس ذلك المجتمع السوي، تعتري مجتمعاتنا أمراض، وتتقاذف بلادنا آفات، هي بكل تأكيد ليست وليدة اللحظة، وأذكر وأنا في المرحلة الإعدادية في أوائل ثمانينات القرن المنقضي، وفي مسجد عزبة موسى الصغير في إحدى صلوات الجمعة، حضر رئيس مركز مدينة الجمالية التي كانت للتو قد أخذت لقب مدينة، وإذا بالرجل يمسك الميكروفون بعد انقضاء الصلاة ليعلن لأهالي العزبة الصغيرة، أنه سيتم رصف الطريق - بدءا من باكر على حد قوله - الذي يربط مجموعة العزب بالمدينة، وذلك تيسيرا لنا نحن تلاميذ المرحلة الإعدادية والثانوية، حيث كان يجب علينا أن نلتحق بمدارس المدينة، لأن تلك العزب ليس بها إلا مدارس المرحلة الابتدائية، وكان ذلك أول عهد لي بكذب المسئولين، حيث إن باكر ذلك لم يأت إلا بعد عدة سنوات.

وتمر الأيام ويزداد الطريق المرصوف!! الرابط بين عزب لسا الجمالية وبين المدينة سوءا، رأيته بأم عيني في تلك الإجازات التي أحرص فيها على زيارة مسقط رأسي، وتزداد أمراض المجتمع، لتكون الطبقية هي الحاكمة، وتستمر معاناة أهلنا في الجمالية بمحافظة الدقهلية، حينما يتم تعيين فرج شعبان حسن رئيسا جديدا للمدينة، الذي يدعي تنفيذا للقانون بفرض إتاوات على أصحاب المحلات، وبفرض رسوم على من يقيم شادر عزاء، ربما يكون كل ذلك في القانون، وربما يسعى الرجل لإنفاذ هذا القانون، ولكنه بكل تأكيد لم يراع روح القانون، ولا يدرك الحالة النفسية للمواطن الذي يعاني الأمرين، فالغالبية الساحقة لأبناء مدينة الجمالية من تلك الطبقة المطحونة التي تصارع من أجل لقمة العيش، وهؤلاء يجب أن يتم الترفُّق بهم، أما هذه القلة المقتدرة فلا أظن أن لديها مانع من التفاعل مع رئيس مجلس المدينة الجديد؛ حال شعر هؤلاء بأنه لا يقوم بجباية، بل يسعى إلى تحسين الخدمات المقدمة للمواطن الذي لا يستشعر وجودا لها، ومن ثم لا يرى فيما يقوم به رئيس المدينة الذي اكتسب عداء الغالبية العظمى من أبناء المدينة، حسب التقارير الإعلامية عبر السوشيال ميديا، نتيجة لعدم مراعاته للبعد الاجتماعي ذلك الذي يحرص عليه كل المسئولين في دولة بلغت من الرفاهية، ما جعل عاصمتها تحتل المركز الأول عالميا لمدة ثمان سنوات متتالية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط