الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كيف نستغل قرض صندوق النقد؟


"الحد من العجز ليس الأولوية القصوي وإن خفض نسب البطالة المرتفعة مع ما يستدعيه ذلك من إنفاق لابد منه".
بول كروجمان الحائز علي نوبل في الاقتصاد .

قادتني هذه الفكرة للتساؤل حول أوجه تخصيص قرض صندوق النقد الدولي، هل الحد من العجز أم السعي لخفض نسب البطالة المرتفعة .. أيهما نختار؟

تعتبر الإجابة علي السؤال السابق غاية في التعقيد والصعوبة وتتطلب قدرا كبيرا من التحليل لا يسعه مقال واحد، ولكن يمكننا النظر للأمر في مجمله دون التعمق في تفاصيل لا تعني القارئ كثيرا.

بداية تعتبر قضية المفاضلة بين رفاهية الأجيال محل جدل كبير بين الاقتصاديين خاصة عند تحديد مقدار سعر الخصم الاجتماعي Social Discount Rate والذي يعتبر بمثابة المعيار الذي يحدد الوزن النسبي لرفاهية كل جيل، فارتفاع سعر الخصم الاجتماعي يعني انخفاض القيمة الحالية للتضحيات التي تتحملها الأجيال المقبلة الآن وهو ما يعد بمثابة حافز لتخصيص الموارد لصالح الجيل الحالي، والعكس صحيح.

وبلا شك إن اختيار سعر الخصم المتسق مع ما يتحمله كل جيل هو معيار أساسي لتحقيق العدالة بين الأجيال والتي تعتبر جوهر فكرة التنمية المستدامة sustainable development التي تعرف علي أنها التنمية التي تحقق رفاهة الجيل الحالي دون الإضرار برفاهة الأجيال المقبلة، أو التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها.

ومن المعروف أن الاقتراض الخارجي يضع عبئًا علي الأجيال القادمة متمثلًا في سداد مدفوعات القرض بالإضافة للفوائد المستحقة، غير أن الاقتراض الخارجي إذا ما أحسن استغلاله في مشروعات مستدامة فإنه قد يضمن تحقق رفاهة الأجيال المقبلة من خلال جني ثمار ما تم إنجازه من مشروعات.

إذن فالقضية الملحة هي حسن إدارة واستغلال أموال القروض وإلا كانت مجرد أعباء دون مقابل، ولعل التساؤل حول كيف يتحقق الاستغلال الأمثل هو بيت القصيد.

وإذا ما تعمقنا بشكل أكثر تفصيلًا في قرض صندوق النقد الدولي نجد أن حصول مصر على قرض ضخم بقيمة 12 مليار دولار يعد بمثابة شهادة ثقة من العالم على أن اقتصاد مصر فى طريقه للتعافي، وهذا ما لمسناه من تحسن التصنيف الائتماني فور عقد القرض.

ولكن يظل السؤال.. كيف نستغل القرض؟

بلا شك أن هناك شبه إجماع من الخبراء على أنه بالإضافة لضرورة استخدامه لسد الفجوة التمويلية، وتدعيم الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى، وتقليل الضغط على الجنيه واكتساب شهادة ثقة بالاقتصاد المصرى. فهناك ضرورة ملحة لاستخدامه في استثمارات ومشروعات طويلة الأجل لزيادة القدرة على الإنتاج من أجل الحصول على عائد ربحي يساعد على سداد الديون ويساهم في انتعاش الاقتصاد المصري، أما إذا تم استغلاله في سداد عجز الموازنة فسيضيع القرض هباءً بلا أي جدوي وشتان الفارق بين سداد العجز وتخفيض العجز بحزمة من سياسات الموازنة العامة، فطبيعة برامج الصندوق تعطى أهمية كبرى لتقليل عجز الموازنة العامة عن طريق زيادة الإيرادات وتخفيض المصروفات، وتحسين ميزان المدفوعات عن طريق سياسة نقدية مرنة.

وإذا ما توقفنا أمام حقيقة الصندوق واعترفنا أن مجال عمل الصندوق محدود، بحكم اختصاصاته بالتوازنات الكلية فى الأجل القصير، ومن ثم لا يدخل فى اختصاصه التعامل مع عناصر النمو ولا كيفية توزيع عوائد النمو.

نجد أنفسنا أمام معضلة الاقتصاد الكلي الدائمة وهي المواءمة بين هدفي النمو والعدالة والذي اعتبرها البعض حتمية، رغم وجود العديد من النماذج الحديثة التي حاولت المواءمة بين الهدفين بدرجات متفاوتة.

بلا شك فإن المواءمة أو المفاضلة بدرجة ما بين الهدفين تقودنا لنتيجة واحدة أو خيار واحد وهو ضرورة ان يكون النمو متوازنا وقادرا على توليد فرص عمل كافية تساهم في حل مشكلة البطالة وضمان الحياة الكريمة للسواد الأعظم. فأحد المرتكزات الأساسية للفكر التنموي الحديث هو النمو مع عدالة التوزيع.

وختامًا يبقي السؤال حول حزمة السياسات التي تضمن النمو حتي وإن ظل العجز قائمًا فلا نجد بديلًا عن كل ما من شأنه الحد من معدلات البطالة من خلال مشروعات قادرة علي استيعاب العمالة حتي تحقق أموال القرض ثمارها للأجيال الحالية والقادمة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط