الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مارتينا مدحت تكتب : "كن ممتنًا"

الكاتبة مارتينا مدحت
الكاتبة مارتينا مدحت

‏هذه الحياة لا تنفك أن تضعك وسط المعادلات الصعبة، أن تأتي بك حيث تريد الذهاب ثم تتركك وحدك بين النقيضين ، حائر ومشتت وخائف، وبالأمس كان العالم ملكا لك، واليوم أنت لا تملك شيئا ولا أى شيء.

وكأنها سلسلة لا متناهية من الجهد "السيزيفى"، يُحكى أن هناك رجلا يدعى "سيزيف" لعنته الآلهة، وحكمت عليه ألا ينقطع عناؤه ما دام حيا، وتمثل هذا الحكم فى رفعه للحجر على قمة جبل، فكان كلما يدحرج الحجر وما يكاد يصل للقمة، حتى ينحدر الحجر مرة أخرى للأسفل، ونظرا لأنه لا يستطيع التوقف، ظل ينحدر بالحجر لأسفل ثم يعود ويرفعه من جديد للأبد !

من المؤكد أنه كان ناقما على كل هذا، وحيدًا لدرجة ألا أحد يدرى بما يمر به، لا أحد يفهم لماذا يستمر فى المحاولة، وربما هو أيضا لا يعلم السبب وراء هذا، ولا يفهم لماذا لا يستسلم وينهى حياته، فهى كلتا الحالتين ستنتهى سواء من فرط معاناته أو من سقوطه لأسافل الجبل.

نشبه كثيرًا هذا السيزيف، باختلاف الظروف والسياق، جميعنا - فى أحيان شتى - لا يعلم لماذا كل منا يستمر .

أنت مع كرهك لكل ما هو رمادى، ليس بالأبيض أو بالأسود، لكل ما هو دافئ ليس بالحار أو بالبارد، لكل ما هو في الوسط، ليس واضحا أو محددا، تجد نفسك فى نهاية الأمر، فى الوسط من كل شيء .

من كل هذا التخبط والأسئلة التي تركناها بلا أجوبة حتى نسيناها أو تناسيناها والشعور الذي لا يسعنا وصفه ولا ما أردنا الإفلات منه ولم نملك حياله سوى الاستمرارية .

وَجَبَ الامتنان لهذه المرحلة الفاترة الطويلة التي ألفت بها اعتيادك، لكل ما أهلك روحك يوما، كل الامتنان لهذا الحزن الشديد ونوبات الاكتئاب المتكررة التي جعلتك تصنع من ألمك فنًا، لهذه الليالي التي طوت دموعًا لم يشعر بمرارتها سواك، ولكل هذه المرات التي سرت فيها وحيدًا دون أن يلحظك أحد.

كن ممتنا للقرارات الكبيرة و الصغيرة المصيرية التي اتخذتها وحدك، للأماكن والموسيقى والكتب والأحلام التى تمنيت أن تشاركها مع من يتفهمها جيدًا مثلك ولم يحدث ذلك، فطويتها فى ذاكرتك وابتسمت ابتسامة حملت تفاصيل كل ذلك فى طياتها.

كن ممتنًا للعلاقات السامة التى سلبتك أُنسك وسلامك، وللفترة المُهلكة التي تبعت هذه العلاقات، للبكاء الكثير والانطواء وعدم القدرة على السيطرة لما تؤول إليه الأمور .

كن ممتنًا لحالتك الحالية ورحابة صدرك وقدرتك على التماسك - مرة أخرى - واستعدادك وتقبلك للصدمات، فبعدما كنت طفلًا ينزوى فى جانب غرفته مُخبئا وجهك بكفيك وأنت تجهش بالبكاء؛ أصبحت أنت من يربت على كتفى كل من ينزوى أصبحت أنت حاميهم من الوحدة التى نحرتك يومًا.

كن ممتنًا لأن وحدتك لم تفقدك ضرورة شعورك بالأنس، وبالرغم من أنك ألفتها، لم تُغنيك عن احتياجك للرفقة، كن ممتنًا لأنك تقبلتها وسرت وحدك كثيرًا واخترت الطريق الذى تسير فيه وحدك بالرغم من علمك أن" وحدك" ليس أفضل خيار، ولن يكون يومًا الخيار الأفضل .