الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أبو الريش في «غرفة الإنعاش».. القمامة والباعة الجائلون يحاصرون المستشفى.. صور

صدى البلد

مجموعة من "المصاطب" الأسمنتية، خلفها سور حديد كبير وأمامها محل بقالة وقهوة ويحيطها الأتربة والقمامة من كل مكان، فتبدو للوهلة الأولى وأنها مكان انتظار الأتوبيسات في الشارع، ولكن عندما تدقق النظر تجد الكثير من الأمهات والآباء يجلسون على تلك المقاعد ووجوههم مليئة بالحزن وعيونهم تملؤها الدموع ومنهم من يرفع يده للسماء بالدعاء، والبعض يفترش الأرض ليتمكن من الجلوس بشكل مريح.

هكذا هو المشهد في استراحة مستشفي أطفال مصر التابع للتأمين الصحي في مستشفى أبو الريش، والذي يقع في منطقة السيدة زينب، فبالرغم من كبر مساحة المستشفى إلا أن الاستراحة خارج أبوابه، ليجلس الآباء والأمهات وسط أصوات الباعة المتجولين، والمارة والسيارت، في انتظار خروج إحدى الممرضات للنداء على اسم الحالة التي انتهت من إجراء العملية.

"كل شوية يعدي علينا رايج جاي بالشاي".. "هيا جت على بتاع الشاي ده كل واحد شحات معدي يقولنا ادعوا لعيالكم وهاتوا جنيه حاجة تضحك عايزنا ندعى وندفع كمان".. هكذا يمر وقت الحاجة زينب التي تنتظر خروج طفلها من عملية القلب المفتوح، فتنتظر يوميًا منذ طلوع الشمس، لا تجد أمامها سوى الحديث مع "أم محمد"، التي تعرفت عليها عند مجيئها للمستشفى.

فيدور الحديث بينهم حول استغلال البعض لهم، فتقول الحاجة زينب "بتاع البخور كل يوم يعدي علينا، ويطلب فلوس هو المفروض عرفنا خلاص مش كل شوية فلوس".. لترد عليها أم محمد "أهو استغلال لوجعنا عارفين أننا هنديهم".

ويمر "سعيد" العامل في القهوة لينشر السعادة على وجوه الجالسين ويضحك معهم ويقول لهم بعض النكات ليخفف من آلامهم، قائلًا: "عيالكوا هيبقوا زى الفل، اشتروا مني الشاي وأنا ادعيلكوا، طب أنا كل ما ادعي لعيل العملية تفشل"، فيضحك الجالسون ويطلبون منه المشاريب، ويمر الوقت إلى أن جاءت لحظة أشبه بالغيوم والأعاصير، فسمعنا أصوات صراخ ونواح لأم فقدت ولدها أثناء إجرائه عملية قلب مفتوح، فذهب إليها الكل مسرعا يحاول تهدئتها وهي لم تسمع لأحد وتسير بلا وعي وتمسك في أبواب المستشفى وتنادي على طفلها والدموع منهمرة من عينها.

في تلك اللحظة ظهرت ملامح الغضب على وجوه الجالسين، فتملك الخوف منهم، فالبعض نهضوا من أماكنهم وذهبوا للسؤال عن حالة أطفالهم، والآخرون ظلوا في أماكنهم يدعون لأبنائهم بالشفاء العاجل.

وتمر ساعات لتنادي إحدى الممرضات على الحاجة زينب، قائلة: "ابنك الحمد لله خرج من العملية وهو في العناية حضري نفسك نص ساعة وهتطلعيلوا"، فتسقط الدموع من عينيها دون شعور، وتسجد في الأرض لتحمد ربها على خروج طفلها بسلامة، ويبارك لها الجميع ويطلبون منها السؤال عن أطفالهم عندما تذهب لرؤية طفلها، وتقول لها "أم محمد".. "امسحي دموعك علشان الولد ميشوفكيش كدة فيتعب تاني".